لا يوجد في القانون تشريع يُلزم الرجال بالزواج عند وصولهم إلى سن معين، لكن في المقابل فإن العُرف الحالي قد جرى على أن زواج الرجال يبدأ -في المتوسط- عند ال(25) عاماً، حيث يكون الشاب قد أنهى دراسته، واستلم وظيفته، وأصبح مستعداً لفتح منزل وتكوين أُسرة، إلاّ أن ما يحدث في الوقت الحاضر أن الشباب في حالة عزوف عن الزواج، وقد يصل الفرد إلى (30) عاماً دون أن يرتبط، بل في بعض الأحيان يشارف على ال(40) عاماً دون أن يُفكر بالزواج!. ويرى الكثير من شباب اليوم أن الزواج وفي ظل الظروف المعيشية الحالية صعب جداً، إذا علمنا أن بعض الأُسر تشترط مبالغ كبيرة ل"المهر"، كذلك لابد أن يستقر الشاب في مسكن خاص، وهو ما يُجبره على البحث عن "شقة" بإيجار ومبلغ كبير، إضافةً إلى مصروفات حفل الفرح، ليستقر تفكيرهم في النهاية على قولة: "بلا زواج، بلا وجع راس"!. ويعاني بعض الشباب من "اللامبالاة"، مما يجعله غير قادر على الارتباط بفتاة وتحمل مسؤوليتها، وكذلك فتح منزل وإنجاب أبناء، مما يجعله يعترف وفي قرارة نفسه أن "مشروع الزواج" مؤجل حتى إشعار آخر، لتمر الأعوام وهو في منزل أُسرته يعملون على خدمته، مستبعداً فكرة الارتباط نهائياً، مما يتطلب أن يعي الوالدان أدوارهما في تربية أبنائهم، عبر تعويدهم على تحمل المسؤولية في الصغر، بتكليفهم ببعض المهام البسيطة، كذلك لابد من تقديم برامج اجتماعية جماعية تضم فعالياتها أعمال تطوعية ورياضية وخيرية وعملية وتثقيفية وتوعوية، إضافةً إلى أهمية مد يد العون للشباب لتحصينهم بالزواج، عبر الحث والإقناع والمساعدة المادية والمعنوية. عرق جبيني وتحدث "منصور العمران" -29 عاماً-: قائلاً "بدري على الزواج!"، مضيفاً أنه أنهى دراسته وتعيّن في إحدى الوظائف، ويُفكّر حالياً بمشروعه الخاص، مبيناً أن الحياة تغيرت والفكر أيضاً تغيّر، ولم يعد الزواج هو الهدف الأول في حياة الشباب، مشيراً إلى أنه لا يُفكر في الزواج في القريب العاجل، متمنياً أنه -في حال زواجه- تفادى ما رآه من أسباب فشل أشخاص كثيرين حوله، مؤكداً على أنه فشلت "زيجات" كثيرة بسبب غياب المسؤولية والوعي، وكذلك اندفاع كلا الطرفين وراء الميل العاطفي، مما جعلهم يتجاهلون جوانب أخرى مهمة. وأضاف: لا أريد أن يفشل زواجي، أريد أن أتريث وأتحمل مسؤوليتي كاملة، حتى أكون مسؤولاً، فلا ينحل رباط الأسرة ولا تنتهي بالفشل، متطلعاً إلى تمويل مشروع زواجه من "عرق جبينه"، دون مشاركة أهله، عبر إقامة مشروعه الخاص، ليصبح قادراً على تحمل نفقات الزواج، موضحاً أنه مستحيل أن يأخذ ريالاً واحداً من أهله، لافتاً إلى أن أمامه من ثلاثة الى خمسة أعوام حتى يفكر في الزواج، ذاكراً أن عمر (35) عاماً ليس كبيراً، وهو معقول جداً للزواج دون ضغوط أو اندفاع أو اعتمادية. ارتفاع التكاليف وأوضح الشاب "عليان العليان" -30 عاماً ويعمل في القطاع الخاص- أن السبب وراء عدم زواجه إلى الآن هو ارتفاع تكاليف الزواج، مضيفاً: "لا أملك منزلاً، وأعيش مع أهلي، وإذا أردت إعداد جناح خاص بي في بيت أهلي فسيكلفني مبلغاً كبيراً، قد يصل إلى خمسين ألف ريال، ومع تكاليف الزواج الأخرى فإنني بحاجة لما لا يقل عن مئتي ألف ريال!"، مبيناً أنه يعمل في القطاع الخاص منذ (10) أعوام، وراتبه لم يصل إلى خمسة آلاف ريال، ذاكراً أنه أخذ على راتبه قرضاً واشترى سيارة، ثم بعد ذلك سيفتح قرضاً آخر لشراء أرض، ثم قرضاً أخيراً للزواج، مؤكداً على أنه لا حل أمامه سوى تلك القروض، مشيراً إلى أن الوصول إلى (35) عاماً دون زواج يُعد كبيراً جداً -من وجهة نظره-. وجع راس وبعيداً عن سُلّم الأولويات وتكاليف الزواج الباهظة، برز سبب ثالث لتأخر سن الزواج وهو الاكتفاء بمتعة الزواج دون تحمل مسؤوليته، وذلك عبر وسائل كثيرة!. وقال الشاب "يزيد": الزواج مسؤولية و"وجع راس"، متسائلاً: ما الذي يجبرني على الارتباط بامرأة وأُنجب و"أتوهق"؟، مضيفاً أن الزواج يحمل بين طيّاته مصروفات و"شيل وحط"، ثم تضيع حياتي وأشيب قبل الأوان؛ بسبب أني ربطت نفسي باختيار الزواج، مبيناً أنه يُسافر كثيراً ليستمتع في الخارج دون ارتباط أو مسؤوليات، ذاكراً أن شبكات التواصل الاجتماعي لم تترك له رغبة في شيء، فكل ما يُريد متاح وفي متناول اليد، بل حتى السفر متيسر وبمبالغ بسيطة مقدور عليها، مشيراً إلى أن عمره الآن (23) عاماً ولا يشعر بأنه محروم من شيء، متسائلاً: "إذن، لماذا أتزوج؟". إحساس بالمسؤولية وأكد "د.عثمان عطا" -أستاذ في فلسفة إدارة الأعمال ومستشار تطوير أعمال ومعد برامج تربوية للشباب- على أن تنشئة الأبناء على تحمل المسؤولية هو حجر الأساس في تنشئة شباب قادر على بناء المستقبل وصناعة غد واعد، مضيفاً أن تجربة اليابان حين هُزمت بالحرب العالمية الثانية ودمرتها قنبلتا "ناجازاكي" و"هيروشيما"، كان القرار إغلاق البلاد على نفسها وإعادة تربية أولادها على قيمهم الحضارية والأخلاقية الخالصة، لذا نرى اليابان الآن متقدمة بشعب وشباب محترم يعرف مسؤولياته ويحتمي بأخلاقياته، مبيناً أنه في الشعوب العربية عامةً والمملكة خاصة نعاني من "تقزم" الإحساس بالمسؤولية والاعتماد على النفس عند أبنائنا، مؤكداً على أننا لم نربهم على هذا، لذا يصل الشاب عندنا إلى الثانوية العامة -أعتاب الرجولة- وهو لا يعرف ماذا ينتظره، يعيش بلا رؤية ولا هدف واضح، يسأل أهله وينساق وراء أصدقائه في تخصصه الذي سيتحدد بناء عليه كامل مستقبله، مشيراً إلى أنه حين لا يكون عند الشاب رؤية وهدف واضحين فإنه يسلك الأسهل، وما تطيب له نفسه، ومن هنا ارتاحت نفوس عديمي المسؤولية إلى فكرة زواج "المسيار" و"المسفار" و"المطيار"، فهي لا تحملهم أدنى مسؤولية. وأضاف: الانفتاح الواسع وغير المسبوق على العالم الخارجي بكل الطرق وبكافة الأشكال والوسائل، وكذلك تسهيل إجراءات السفر وإغراءات الديون والبطاقات المالية المفتوحة مهدت الطريق للتوسع في أعمال اللا مسؤولية واللهو والانحراف، ذاكراً أننا أمة وازعها الديني عال ونراعي الله في معظم شأننا، إلاّ أن غياب القدوة وتواري القيم الأصيلة، وكذلك انشغال رب الأسرة وعدم تفعيل القيم وتنشيطها بطرق عملية بين الأبناء كلها اجتمعت لتفتح الطريق أمام اللامبالاة واللامسؤولية. برامج جماعية وشدّد "د.عطا" على أهمية عودة الآباء والأُمهات إلى تولي زمام تربية أبنائهم، وأن يعملوا على الوقاية قبل أن يقع المحذور وتبدأ رحلة البحث عن علاج، مضيفاً أن مبدأ الثواب والعقاب لابد أن يتواجد في تربيتنا؛ لتنشئة الصغار على الطاعات، كذلك من المهم ربط الدين بالدنيا وتقديمه لهم بشكل محبب وغير مُنفر، مع الإفادة من البرامج الجماعية، مبيناً أن لدينا مجموعة برامج تستقطب كثيرا من الشباب في الأعمال التطوعية والعامة وأثبتت نجاحها الكبير، كذلك لدينا شباب رائعون يضرب بهم المثل في الأخلاق والدين والعمل، متأسفاً على أنه في المقابل لدينا عدد غير قليل من الشباب استحسنوا صورة "المحششين" و"الدرباويين" لما تقدمه عنهم وسائل الإعلام من بطولات وخفة دم وقبول، مما يدفع بعض الشباب الى تقليدهم، مؤكداً على ضرورة تصميم برامج جماعية تستوعب الشباب أكثر وأكثر، على أن تضم فعالياتها أعمالا تطوعية ورياضية وخيرية وعملية وتثقيفية وتوعوية، على أن تكون على مدار العام ومدرجة بشكل أو بآخر في المناهج الدراسية. وأضاف أن شبابنا فيهم الخير الكثير، ففي هذا الشهر الفضيل تحديداً نرى كثير ممن اتفقنا على أنهم لا مسؤولين، يوزعون التمر والماء عند الإشارات بحُب وشغف، مما يؤكد أنهم بحاجة إلى برامج منتجة ليعودوا إلى "جبلتهم" الأولى، مُشدداً على أهمية مد يد العون للشباب لتحصينهم بالزواج بأي شكل ووسيلة، عبر الحث والاقناع والمساعدة المادية والمعنوية.
مشاركة :