لا أحد يمكن أن يقلل من موهبة الكاتبة الدرامية الكويتية هبة مشاري حمادة، مؤلفة مسلسلات علقت في ذاكرة الدراما الخليجية، ك (أم البنات) و(زوارة الخميس) وأخيراً مسلسل "سرايا عابدين". لهبة حمادة مخيلة خصبة، دفعتها لرسم مشاهد درامية متقنة، وتكاد لا تنسى، إلا أنها في كل هذه الأعمال تقتل مخيلتها ومقدرتها الدرامية على مذبح عقدة مزمنة تلاحقها ولم تتمكن التخلص منها وهي "الرجل". فالرجل في جل أعمال حمادة هو الشر المطلق، بل الكائن الذي لا ينضح إلا وحشية وكراهية وأنانية، إنه الخائن الأبدي، زير النساء الذي يجب أن يدمر. وأفضل مكان لتدميره والانتقام منه رمزياً هو المسلسلات التلفزيونية التي تسجل النساء نسبة مشاهدة أكبر في رمضان وغيره. فالرجال كلاب يرتدون ملابس البشر، كما تقول الآنسة حمادة على لسان شخصية مرام في مسلسل (زوارة الخميس)، هذا المسلسل الذي فتحت الكاتبة الكويتية الشابة النار على كل شخصيات الرجال فيه، حتى الأب (محمد المنصور) تحطمت أسطورته الجميلة، بعد اكتشاف علاقته بأخت زوجته (إلهام الفضالة). في وقت عرض المسلسل الذي أخرجه محمد القفاص وقادت بطولته المنتجة- الممثلة، سعاد عبدالله في العام (2010). كانت الصورة واضحة من أن هبة حمادة تنطلق من فكرة سابقة على أي حكاية تكتبها (أدلجة) وأن الرجال الممثلين في مسلسلاتها ما هم إلا أحجار شطرنج تحركهم وتتلاعب بمصائرهم، كي يسقطوا واحداً تلو الآخر في محرقة كراهية هبة حمادة للرجل. حدث ذلك أيضاً، في مسلسل (أم البنات) بإسقاط شخصية الأب (غانم الصالح) رحمه الله؛ إلا أن هذا العام كانت الكاتبة الكويتية أكثر تهوراً وافتضاحاً عندما نقلت لعبتها إلى "سرايا عابدين". ولكن للأسف لم يكن هذا "الماتش" أبداً نزيها ولا متزناً، بل كانت الكاتبة منحازة إلى درجة قصوى ومكشوفة أضرت بالبناء الدرامي للمسلسل، ليس عندما قلدت في مسلسل "سرايا عابدين" المسلسل التركي "حريم السلطان"، كما كشف الجمهور الأمر بسرعة، لأن هذا التقليد هو مطلبٌ إنتاجي وليس فني، بل عندما لاحقتها عقدة "الذكر"، من مسلسلاتها الكويتية إلى تاريخ مصر العريق، وتحديداً شخصية الخديوي إسماعيل (1830 – 1895) المعروف بدوره الحاسم في نقل مصر القرن التاسع عشر إلى العصر الحديث. مع شخصية الخديوي إسماعيل (قصي خولي) تعدى التحامل على الرجل "العقدة" منطقة الدراما، إلى تشوية شخصية الخديوي والتلاعب بسيرتها، بشكل مفرط وفاضح. وفضلاً عن الأخطاء التاريخية الفادحة التي وقع فيها المسلسل من تحريف وتقديم وتأخير للأحداث عن موقعها التاريخي، كما أوضح الباحث المصري الدكتور ماجد فرج في تقرير منشور(انظر الرياض، الثلاثاء، العدد 16815)؛ اختلقت هبة حمادة مشاهد مفتعلة لخدمة عقدتها من الرجل متمثلاً بالخديوي، الذي لا نعرف كيف تحملت شخصيته كل هذه الإهانة، فهو ليس الرجل المتعدد الزيجات، بل من يعشق حتى الخادمة شمس التي أقامت في الحلقات الأولى علاقة مع حبيبها (أحد الخدم) قبل أن تهرب وتنظم إلى جناح النساء في القصر (الحرملك) ليقع الخديوي في حبها ويختلي بها!. الخيانة الزوجية ليست فقط مشكلة شخصية الخديوي اسماعيل في نص هبة حمادة بل قتل أخيه الأمير رفعت للاستيلاء على ولاية العهد وهو ما لم يحدث في التاريخ المصري المنتهك بهذه الجرأة. وإلى جانب الخيانة والقتل، ينضم لأبناء الخديوي اسماعيل طفل بالحرام، ليس من زوجته الخيالية وغير الموجودة في الواقع (صافيناز) بل من اختها التوأم (جلنار) والتي تحمل سفاحاً. ولأن المسلسل لايزال في منتصفه فإن حلقات تدمير الرجل/ الخديوي ستتكرر، وبذات التقزز الذي شعرت به المشاهدات قبل المشاهدين، فالرجل في نهاية المطاف، هو الأب والزوج والحبيب والأخ كما في الفطرة السوية، أما تعمد تشويهه بهذه الصورة المتطرفة، سابقة درامية لم تقم بها حتى سينما النسوية الأوروبية. كان جديراً بهبة حمادة أن تخوض التجربة الفنية بحرفية دون مبالغة وتكرار فاضح، أجبرها أن تكتب وتنفذ بعض المشاهد على طريقة الأفلام الهندية "الأوفر"، بعد أن قدمت الفكرة والعقدة من الرجل، على الحكاية وتطورها. من هنا على هبة حمادة أن تنقذ موهبتها من الضياع وراء وهم الانحياز المتطرف ضد الرجل، وأن تحترم عقول المشاهدين، لأنهم سيملون عاجلاً أم آجلاً اسطوانتها التي تدور حول "عقدة الرجل"!.
مشاركة :