الإسلام لا يجبر امرأة على حياة زوجية لا تريدها

  • 8/4/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

تزدحم ساحات المحاكم في كثير من البلاد العربية بزوجات يائسات كرهن الحياة بسبب تعسف وظلم الأزواج وإساءة التعامل معهن وإهدار حقوقهن، مما يدفعهن إلى ترك منازل الزوجية وطلب الطلاق للضرر أو بالتراضي من دون أن يجدن ما يساعدهن على التخلص من أزواج مسيئين وضياع سنوات من أعمارهن جرياً في المحاكم من دون الحصول على حريتهن.فهل يقر الإسلام هذا الوضع المأساوي لكثير من النسوة؟ يقول د. عبد الرحمن العدوي أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن الإسلام لا يقبل أن تظلم المرأة في بيت زوجها وأن تعيش حياة زوجية خالية من المودة والرحمة اللتين أشار إليهما الحق سبحانه بقوله: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة»، فبيت الزوجية ليس سجناً للمرأة، والشريعة الإسلامية العادلة لا تعطي الرجل حق الاحتفاظ بزوجته الكارهة له كيفما يشاء، بل هي تمنح كل امرأة متزوجة وصلت علاقتها بزوجها إلى طريق مسدود حق التخلص من حياتها الزوجية البائسة، فالحياة الزوجية في نظر الإسلام تبنى على الحب والتفاهم والتعاون، وعندما تغيب هذه المعاني بين الزوجين تصبح جافة كئيبة لا تثمر إلا العناد والكراهية والجفاء والقسوة، وهنا يكون أبغض الحلال هو الحل ليذهب كل طرف إلى حال سبيله، وما أكثر ما تعرضت له بيوت من عنف وإجرام بسبب إصرار الزوج على عدم تطليق زوجته بقصد الإضرار بها.متى يكون الطلاق حلاً؟ويؤكد د. العدوي أن التفكير في الطلاق كحل لا يأتي إلا بعد استنفاد كل وسائل الإصلاح والتوفيق بين الزوجين، لأن الإسلام يحرص حرصاً شديداً على استقرار العلاقة الزوجية، ويدعو الزوجين إلى التغلب على خلافاتهما واستمرار حياتهما على نحو يحقق لهما السعادة والرضا والانسجام النفسي والعاطفي، وهذا يفرض عليهما أن يبذلا ما في وسعهما لمواجهة ما يعترض حياتهما من خلافات ومشاجرات حتى يجدا الراحة، وينعما بالهدوء والسكينة، ليتمكنا من تنشئة أولادهما تنشئة صالحة.فإذا بذلا هذه الجهود ولم يتحقق الوفاق كان الفراق هو الحل والله سبحانه وتعالى يقول: «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان».. كما يقول سبحانه: «فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا».. وهذا يعني أن واجب كل رجل حريص على تعاليم وأحكام دينه أن يبادر بتطليق زوجته إذا ما وصلت علاقته بها إلى طريق مسدود وفشلت كل جهود الإصلاح، فكل الرجال العقلاء يفعلون ذلك.. لكن إذا ما رفض الزوج التطليق واستمر على عناده والإبقاء على زوجته معلقة.. لا هي متزوجة ولا هي مطلقة.. فإن شريعة الإسلام ترسم لها طريق الخلاص من ظلم زوجها المسيء بوسائل عدة أبرزها الطلاق للضرر لو كان هناك ضرر مادي تستطيع الزوجة إثباته للقاضي.والتطليق لمضارة الزوجة يكون إذا أضر الزوج بزوجته وآذاها وضيق عليها ظلماً، كأن يمتنع عن الإنفاق عليها، فللمرأة في هذه الحالة أن تطلب من القاضي تطليقها فيطلقها منه جبراً، ليرفع الضرر والظلم عنها، ومن مضارتها ضربها بغير حق.بل لقد ذهب بعض الأئمة إلى جواز التفريق بين المرأة وزوجها المعسر إذا عجز عن النفقة وطلبت هي ذلك، لأن الشرع لم يكلفها بالصبر على الجوع مع زوج فقير، ما لم تقبل هي ذلك من باب الوفاء ومكارم الأخلاق.ويضيف: بالإضافة إلى ما سبق أعطت الشريعة الإسلامية للمرأة الكارهة زوجها أن تفدي نفسها منه بأن ترد عليه ما أخذت من صداق ونحوه، إذ ليس من العدل أن تكون هي الراغبة في الفراق وهدم عش الزوجية، ويكون الرجل هو الغارم وحده، قال تعالى: «فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به».وقد شكت امرأة ثابت بن قيس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شدة بغضها له، فقال لها: «أتردين عليه حديقته»؟ وكانت مهرها فقالت: نعم، فأمر الرسول ثابتاً أن يأخذ منها حديقته ويطلقها تطليقة.والخلع لا يستهدف أبداً حض المرأة على التمرد على حياتها الزوجية والانتقام من زوجها بالتخلي عنه والبحث عن غيره، فهذه أوهام عالقة بأذهان البعض، بل هو وسيلة في يد المرأة المظلومة مهدرة الحقوق للخلاص من استبداد زوجها، والإسلام كان حكيماً وعادلاً عندما شرع للمرأة الكارهة لزوجها والرافض لتطليقها أن تتخلص منه بهذه الوسيلة، فالحياة الزوجية لا يمكن أن تستمر ولا يكتب لها النجاح إلا إذا قامت على الحب والاحترام المتبادل والمودة والرحمة بين الزوجين.وهناك وسائل أخرى في يد الزوجة تستطيع من خلالها أن تتخلص من حياتها الزوجية التي تحولت إلى جحيم منها- كما يوضح د. العدوي- أن تطلق نفسها لو كانت قد اشترطت في العقد أن يكون الطلاق بيدها، ومنها أن تلجأ إلى حكمين ولو فشلا في الإصلاح حكما بالطلاق الذي تريده الزوجة، وأيضاً قد يفرق القاضي بينها وبين زوجها إذا كان به عيوب تعوقه عن الوفاء بواجباته الزوجية تجاه زوجته.وبهذه الوسائل فتح الإسلام للمرأة أبواباً عدة للتحرر من قسوة بعض الأزواج وتسلطهم بغير حق.مظاهر إكراه كثيرةالخبيرة الاجتماعية والنفسية، د. سامية خضر، الأستاذة بجامعة عين شمس ترفع شعار «لا لظلم المرأة وقهرها» في عش الزوجية، وتطالب بتشريعات عادلة ترفع المعاناة عن الزوجات المقهورات على علاقات زوجية بالإكراه، وترحب بتطبيق أحكام الشريعة التي تحمي النساء من حياة الإكراه والعنف والقهر النفسي التي تعانيها كثير من النساء في بلادنا العربية.وتوضح د. خضر أن مظاهر الإكراه في العلاقات الزوجية في بلادنا العربية كثيرة ومتنوعة ولابد لها من مواجهة تشريعية وتوعوية، ومن هذه المظاهر إجبار المرأة على الزواج من رجل لا تريده، وتتطور إلى إكراه هذه المرأة على معاشرة رجل عاشت معه ولم تعد قادرة على استمرار هذه العلاقة، وذلك نتيجة عدم احترام مشاعر المرأة وعدم تقدير إنسانيتها وضرب عرض الحائط بإرادتها.وتنصح الخبيرة الاجتماعية كل امرأة تعاني قهر زوجها ولا تعرف كيف تتخلص منه، بالصبر عليه لعل الله يصلح حاله، وتتبدل مواقفه، وتتغير مشاعره، ويستطيع كسب قلب زوجته، وعندما تفشل كل محاولات إصلاحه، فعلى المرأة أن تكافح للتخلص منه بالوسيلة الشرعية التي منحتها إياها شريعة الإسلام، والمتمثلة في الخلع، حيث أباحت لها الشريعة الإسلامية وأعطاها القانون في كثير من الدول العربية هذا الحق.علاقة غير شرعيةد. عفاف النجار، أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر، تؤكد أن شريعتنا الإسلامية العادلة ترفض وتدين كل صور الإكراه في العلاقة الزوجية، فالتراضي والوفاق هما أساس الارتباط النفسي والوجداني، ولذلك تصف كل علاقة تقوم على الإكراه بأنها علاقة غير شرعية.. وتقول: الحياة الزوجية ارتباط شرعي ونفسي واجتماعي ومادي ومعنوي بين الرجل والمرأة، والله سبحانه يحيط هذه العلاقة بالمودة والرحمة فيقول: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة»، ويقول أيضاً في شأن العلاقة بين الزوجين: «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن»، ولا يمكن أن تستقيم الحياة الزوجية وتحقق ثمرتها في تحقيق السعادة والأمان النفسي من دون وجود حب وطمأنينة بين طرفي العلاقة الزوجية.فأساس العلاقة الزوجية هو الوفاق والتفاهم والانسجام بين الطرفين، وقد لا يحدث وفاق بين الزوجين وتفشل جهود الإصلاح بينهما في حالة الشقاق وهنا يكون الحل الذي قرره الخالق هو الطلاق ليذهب كل طرف إلى حال سبيله، فالطلاق في حالة الضرر حق للزوجة، كما أنه حق للرجل عندما يرى في زوجته ما لا يرجوه منها.. وهذه النهاية الشرعية تجنب الأزواج والزوجات والمجتمع كله مصائب كثيرة.والفراق وفق توجيهات الإسلام يكون بالمعروف والتراضي ومن دون إهانات متبادلة وقضايا ومحاكم وفضائح وكشف أسرار أمر الإسلام بكتمها، فهذا هو الخيار الأفضل الذي يلجأ إليه كل زوج عاقل ومحترم، وهذا أهون وأرحم وأقل خطراً من حياة الإكراه والعناد والقهر النفسي.

مشاركة :