الثقة هي بوابة المرور ذات الاتجاهين بينك وبين زوجك، بوابة تغربل وتفلتر مخرجاتك ومدخلاتك لتجعلها ملائمة لك وخاصة بك. لم لا يتردد الذكر في مساعدة أنثى مجهولة في حمل حقائبها الثقيلة بل ويشعر بالفخر بآلام عضلاته؟! هذا ببساطة لأن تلك الأنثى لم تعتبر احتياجها ضعفاً تخجل منه، بل هذا ما كان ليحدث لو لم أكن أنثى، فأنا أنثى لا أختار مَواطِن قوتي لأفخر بها وأخبئ مواطن ضعفي، أنا كيان متكامل. عندما أحس بوهن في مشاعري.. سأبكي أمام شريكي ولن أخجل من الطريقة التي أحب التعبير بها عن ألمي؛ لأني أنثى وأختلف عنك كذكر، وعندما تميل مشاعرك سأكون ذاك الحائط الذي تستند إليه ولن أدعك تسقط. وعندما أشعر أني أريد الانسحاب لمساحتي الخاصة قليلاً.. فسأنسحب بحال واثقة ولن أشعر بخزي أو عار وكأني تخليت عن مسؤولياتي تجاه أسرتي، وعندما يريد زوجي الأمر ذاته فسأدعه يفعل، بثقة العالم برجوعه مرة ثانية وقتما يجدد طاقته ونشاطه، وستفلتر بوابة الثقة مشاعري فتبقى مشاعر الحيرة والخوف من موقفه جانباً (يمكن زعلان مني، يمكن ما بقاش يحبني، يمكن بيحب غيري، يمكن ويمكن)، وتدع مشاعر الثبات -عن فهم- تخرج إلى الموقف بسلام لا يرهق هذا الشريك. عندما سأخاف سأحتمي بحصن زوجي حتى تمر هجمة الخوف في سلام، ولن أخاف من مشاعر الخوف فأجد نفسي في عراء صحراء المشاعر أواجه خوفي بخوفي.. بثقة الأنثى سأقرع باب الحصن حتى يفتح، وستغربل بوابتي مشاعري فتبقى الخجل من خوفي جانباً، وتخرج مشاعر اللجوء للتحالف الذي أقمناه معاً يوم أن مضينا وبصمنا على عقد زواجنا، وعندما سيواجه زوجي مشكلة تجعل مشاعر الخوف تدب بداخله، سأدعها تخرج منه إلى حصني بما يليق بكرامته.. ولن أفزع جانبه -ظناً مني أني أسانده - فسأزيد من سوء حالته فلا يتردد بالفرار من جانبي في أقرب فرصة ممكنة. عندما أتردد في أمر ما فلن أظل عالقة في حلبة مصارعتي النفسية، ولكن عبر بوابتي سأبقي مشاعر الخجل من ضعفي في اتخاذ القرار جانباً، وسأخرج رغبتي في المشورة من أقرب الناس إلي أولاً وليس فقط، فأنا كأنثى واثقة أتبادل آرائي وخبراتي مع الناس ومحيطي خاصة ومن باب أولى شريكي، أن يشعر الشريك في تلك المواقف أنه الطرف الفائز بمشورة زوجته وكأنه خرج تواً من سباق في استعراض الآراء أمام أنثاه الواثقة، يشعره بالقوة أكثر من أن يكون طرفاً وحيداً في حياة أنثى مترددة، وأن تجتهدي لتكوني ذلك المتسابق في سباق المشورة لزوجك حتى مع الوقت يصبح حريصاً أن يجعلك أحد أطراف المشورة حتى وإن كانت مشورتك هي اكتفاء بقول: (افعل ما تراه أنت مناسباً فأنا أثق في رؤيتك) أو (دعنا نأخذ برأي الخبراء في ذاك المجال فأنا أيضاً مثلك، لست واثقة من رأي محدد)، وابتعدي عن قول (معرفش) على طول الخط، (ما بفهمش في الحاجات دي) (دي أمورك وانت حر فيها) أو تدلي برأي ساذج حتى تظهري بمظهر العالم العارف. كل تلك الانسحابات من محاولاته لجعلك أحد أطراف المشورة ستجعله لا يجد مفراً من تنحيتك جانباً من شؤونه الخاصة والاكتفاء بك كطاهية ومربية لأطفاله. لاحظي دعم ومشورة العظيمة خديجة مع سيد الخلق محمد، عندما جاءها خائفاً من هول ما رأى وما حدث في الغار، لم تسكت، لم تنسحب من الحوار، لم تستأذنه لتكمل الطبخة أو تذهب لتراعي شؤون الأطفال، لم تحرص دون قصد على إرسال رسالة ضمنية مفادها (أنا مراتك وأم العيال ولست شريكتك)، وإنما أجابت بما ألهمتها به حكمتها: "كَلا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ، أَبَداً إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ". إجابة ليست متعلقة بما حدث بشكل مباشر، إجابة لم تفسر له الأمر أو تشرح وتحلل ما حدث، وبالطبع لم تشر عليه بالحل، هي أيضاً لا تعلم ما هذا، ولكنها كزوجة واثقة استطاعت أن توصل له رسالة مفادها (أياً كان ما حدث، أنت أهل لكل ما هو طيب، فاطمئن لن يصيبك سوء)، فذكرته بما يصعب على من مر بنفس موقفه أن يتذكره وقتها وتعاملت مع مشاعر الخوف بحكمة.. أليست هذه مشورة؟! ولم تكتفِ بطمأنته بل أشارت عليه أن يذهب لأهل العلم والمختصين لطلب المشورة (ورقة بن نوفل) فدلته على طرف خيط الحل.. أليست هذه مشورة؟! الأنثى الواثقة تعبر عن رأيها بحرية. الأنثى الواثقة تتقبل النصح ما دام دون إهانة. الأنثى الواثقة تعرف كيف تدفع عنها الإهانة دون إهانة. الأنثى الواثقة تعطي دون انتظار مقابل حتى وإن كان كل ما تطلبه هو الشكر. الأنثى الواثقة تفرح وتبتهج في حال قوبلت بالشكر، ولكنها لا تتعلق به أو تتوقف أمورها عليه. الأنثى الواثقة لا تنتظر دعماً، ولكنها ترحب بالدعم ولا تعتبره إهانة لقوتها. الأنثى الواثقة لا تسمح بالتعدي على حقوقها.. دون تعدٍّ على حقوق غيرها. الأنثى الواثقة لا تستمد صورتها عن نفسها من أعين الغير، وكذلك تقديرها. الأنثى الواثقة تستطيع أن تقدر ذاتها وتحترمها كما هي. الأنثى الواثقة لا تسكن وتكتفي بما هي عليه بل تسعى إلى تطوير نفسها. الأنثى الواثقة لا تخجل من خطئها، ولكنها تسعى إلى تصحيحه وتجنب حدوثه مرة أخرى، ولا يقل احترامها لنفسها بتكرار نفس الخطأ، ولكنها تظل تحاول في هدوء حتى تصل. المرأة الواثقة لا تحتاج لرفع صوتها حتى توصل رأيها، فرأيها عالٍ بمضمونه ومحتواه، وأجمل ما في مضمونه أنه نابع من ذاتها لا انعكاس لغيرها. الثقة سيدتي هي أحد أهم مفاتيح نجاح الحياة الزوجية، إن لم تكوني تلك الأنثى الواثقة فتصنعي الثقة مراراً وتكراراً حتى تكتسبيها (إنما الحلم بالتحلم، وإنما العلم بالتعلم) حديث شريف. إن أردتِ أن يتفهم زوجك مشاعرك ويحترمها، فتفهميها أنت أولاً واحترميها لا تقصري دورك في البيت في إعداد الوجبات المشبعة والتفاني في إجلال المنزل، بل كوني أيضا الشريكة الأهم في حياة زوجك. لا بأس ولا نقص من طلبك المشورة من المختصين حتى يساعدوكِ على اكتساب الثقة. وأخيراً الثقة ليست مرادفاً للقوة، بل القوة هي أحد مرادفاتها، فالثقة هي طريقة ظهور ضعفك وقوتك وحزنك وفرحك وفخرك وخزيك وجميع مشاعرك ورغباتك وهويتك. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :