زيارة إلى الدكتور محمد مصدق (1 – 2)

  • 8/6/2017
  • 00:00
  • 29
  • 0
  • 0
news-picture

تثير ذكرى الانقلاب على حكومة الزعيم الإيراني محمد مصدق التي توافق شهر أغسطس من عام 1953، الكثير من الشجون والتأملات حول نجاعة السياسة الأميركية حيال إيران من ناحية، والمسار الذي سلكه المجتمع الإيراني من عصر مصدق، وصولاً إلى وقتنا الراهن من ناحية أخرى. والزعيم الشعبي المتحدر من عائلة عريقة (مصدق السلطنة) تمتد بالنسب إلى سلالة آل قاجار التي حكمت إيران طيلة قرون، تحدى سلطة الشاه محمد رضا بهلوي والمصالح الكونية التي وقفت خلفه بإعلانه تأميم شركة النفط الإنكليزية – الإيرانية عام 1951. وهكذا أدخل الزعيم الإيراني مصطلح «التأميم» لأول مرة في تاريخ الشرق الأوسط، واليوم لا توجد دولة واحدة في المنطقة لم تربح من الآثار التي خلفتها ثورة مصدق لناحية تعديل التوازن بين الدول الوطنية المنتجة للنفط والشركات الكبرى لمصلحة الأولى. قطع مصدق طريقاً طويلاً قبل أن يصل إلى مركز صنع القرار في طهران، حيث بدأ الطريق في عمر الرابعة والعشرين إبان انتخابه نائباً عن أصفهان في البرلمان الإيراني عام 1906. بعدها سافر مصدق إلى فرنسا للدراسة ومن ثم إلى سويسرا لتقديم أطروحة الدكتوراه في القانون الدولي؛ وشغل بعد ذلك منصب وزير المالية في حكومة أحمد قوام السلطنة 1921، ولاحقًا وزيراً للخارجية في حكومة مشير الدولة 1923. بعدها أعيد انتخاب مصدق نائباً في البرلمان الإيراني، فكان أن ظهرت ميوله المعادية للعسكر والعسكرة بأن صوت ضد انتخاب رضا خان، شاهًا على إيران عام 1925. وتوَّج مصدق نضوجه السياسي بقيادة «الجبهة الوطنية» التي أسسها سوياً مع الدكتور حسين فاطمي، وأحمد زراكزاده، وعلي شاكان، وكريم سنجابي وكان من أهدافها تأميم النفط الإيراني. انتخب البرلمان الإيراني في 28 أبريل 1951 محمد مصدق رئيساً للوزراء بأغلبية 79 صوتاً مقابل 12 صوتاً فقط، وبعد يومين فقط من تسلُّمه السلطة قام مصدق بتأميم النفط الإيراني. تحالف رئيس الوزراء الليبرالي والتحديثي مصدق مع كتل اليسار الإيراني، ليوازن ضغوطات الشاه من الداخل وإنكلترا والولايات المتحدة الأميركية من الخارج. وبالرغم من الشعبية الطاغية التي كانت لمصدق بين الإيرانيين من الطبقات والشرائح الدنيا والمتوسطة تحديدًا، فقد ناصبته طبقة الملاك المتحالفة مع المؤسسة الدينية، العداء بسبب إعلانه عن وضع خطة للإصلاح الزراعي وتحديد الملكية الزراعية. كانت الفكرة الرئيسية لبرنامج مصدق السياسي هي أن يستفيد الإيرانيون من عوائد نفطهم، ولذلك قام بتأميم شركة النفط الأنكلو – إيرانية (شركة بريتيش بتروليوم الشهيرة حالياً)، فقامت إنكلترا بقيادة حصار دولي على النفط الإيراني بدعوى أن إيران انتهكت الحقوق القانونية للشركة التي امتلكت لندن الشطر الأعظم من أسهمها. وساهم هذا الحصار في تردي مستويات المعيشة للإيرانيين، وشكل المدخل الذي عاد منه الشاه بعد الانقلاب على مصدق ليتربع على عرش الطاووس مجدداً بالدعم الأميركي والإنكليزي. انضم واحد من أبرز رموز المؤسسة الدينية الإيرانية هو آية الله كاشاني إلى حركة مصدق الوطنية، فأفتى بأن «كل من يعارض تأميم النفط الإيراني هو عدو للإسلام». احتدم الصراع بين الشاه ومصدق في بداية شهر أغسطس من عام 1953، فهرب الشاه إلى إيطاليا عبر العراق وقبل أن يغادر وقع قرارين: الأول يعزل فيه مصدق، والثاني يعين بموجبه الجنرال فضل الله زاهدي محله. قام زاهدي في التاسع عشر من أغسطس 1953 بقصف منزل مصدق وسط مدينة طهران؛ في حين قام كيرميت روزفلت ضابط الاستخبارات الأميركي والقائد الفعلي للانقلاب بإخراج «تظاهرات معادية» لمصدق في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية. كما أوعز روزفلت إلى كبير زعران طهران وقتذاك «شعبان جعفري» بالسيطرة على الشارع، وإطلاق الهتافات الرخيصة التي تحط من هيبة الدكتور مصدق؛ بالتوازي مع اغتيال القيادات التاريخية للجبهة الوطنية التي شكلها، مثل الدكتور حسين فاطمي الذي اغتيل بالشارع في رائعة النهار. حوكم مصدق أمام محكمة صورية استفاض بعدها محاميه جليل بزركمهر في كشف أنها لم تكن تتمتع بالحد الأدنى من شروط الحيادية. حَكَمَ نظام الشاه على الدكتور مصدق بالإعدام، ثم خفف الحكم لاحقاً إلى سجن انفرادي لثلاث سنوات؛ ومن ثم إقامة جبرية لمدى الحياة في قرية «أحمد آباد»، الواقعة في شمالي إيران ليترك الدكتور مصدق نهباً لذكرياته. د. مصطفى اللباد

مشاركة :