السياسيون والدعاة في ميزان الوعي السياسي

  • 8/6/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يعرف المتخصصون في العلوم السياسية أن هناك فارقاً بين الوعي السياسي والثقافة السياسية؛ فالثقافة السياسية هي المعرفة بالحقائق السياسية والآراء السياسية المرتبطة بها، ولكن الوعي السياسي أعلى مرتبة من الثقافة السياسية، وهو لا يتأتى إلا لنفر محدود من الباحثين والمتخصصين والمراقبين. والفرق كبير بين الحقيقة السياسية والأحداث السياسية، وبين الحقيقة والحدث تختلف الآراء السياسية، ولكن المشكلة في مصر الجديدة هي اختلاق الحدث وتقديم التفسير الشخصي له، وفي معظم الأحيان التفسير المتعسف للحدث السياسي وللحقيقة السياسية. وهذه منطقة خصبة للدارسين والباحثين خلال الأحداث التي عرفتها مصر منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني. ولتوضيح ذلك، أشير إلى معركة الدستور الكبرى وكيف أصبحت معركة فيها الغالب والمغلوب، وأحداث إراقة الدماء والمواقف السياسية المرتبطة بها، حيث غاب عن الناس الثابت والمتحرك، الأصيل والمتغير، الحق والباطل. وهذه مرحلة تحتاج إلى جلاء وتوضيح عندما يُكتب تاريخ هذه المرحلة؛ لأن هذه الأحداث هي أحد أسباب الانقسام الحالي بين القوى السياسية. والحق أن المواطن العربي عموماً بحاجة إلى ثقافة شاملة، خاصة الثقافة الدينية والثقافة السياسية. والسبب في إلحاح هذه الأزمة سبب تاريخي ترتب عليه ما عانته مصر من استبداد وتزوير لإرادة الشعب، وهو أن المصريين عموماً دُفعوا إلى إغفال وظيفة العقل في أخطر قطاعين؛ هما السياسة والدين. ما دام الفرعون كان ملكاً إلهاً في الوقت نفسه، فكانت النتيجة أن استراح الحاكم إلى شعب بالَغ الحاكم في تجريف وعيه وتعليمه فأناب الحاكم نفسه عن الشعب في الحكم والقهر، كما استسلم المصريون للتفسير الرسمي للدين في زمن تم فيه استئناس المؤسسات الدينية حتى وصل الأمر إلى أن كان شيخ الأزهر عضواً في عصابة الحزب الوطني! وبالقدر نفسه، فإن السياسيين بحاجة إلى ثقافة دينية ووعي سياسي إذا توافرت لهم الثقافة السياسية. فهناك فرق بين الثقافة السياسية والوعي السياسي، فإذا كان الوعي السياسي على هذا القدر من الخصوصية عند السياسيين، فإنه أكثر خصوصية عند الدعاة ورجال الدين. بعبارة أخرى: إذا فات السياسيين ما يتعين عليهم إدراكه، فمن باب أولى يفوت رجال الدين الكثير من مظاهر الوعي السياسي. ونضرب لذلك مثالين لا نزال نعيش أثرهما؛ الأول لسياسي لا يفتقر إلى الثقافة السياسية، والآخر رجل دين لا يفتقر إلى حسن الطوية وسلامة المقصد. الأول هو ذلك السياسي النابه الذي أطلق دعوته بترحيبه بعودة المصريين اليهود وتعويضهم عما فقدوا من أملاكهم باعتبار أن هروبهم والاستيلاء على ممتلكاتهم من مساوئ العصر الناصري. هذا التصريح أثار قضيتين خطيرتين، كان حزب الحرية والعدالة في غنىً كامل عن إثارتهما بهذه الطريقة وفي هذه المرحلة بالذات، في وقت يتعرض فيه الرئيس لحملة طاغية من التشكيك في موقفه من إسرائيل والولايات المتحدة. القضية الثانية هي فتح ملف قديم كان يجب أن يُطوى تماماً وهو العلاقة بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر، وهو ملف احتفظ به الناصريون والإخوان حتى الآن، والإخوان يرون ثأراً بينهم وبين عبد الناصر، والناصريون يرون أن الإخوان تآمروا على عبد الناصر وعلى ثورة 1952. أما الحالة الثانية، فهي لداعية نابه سعودي محبٍّ لمصر حباً أثار غيرة المصريين، كما كشف عار بعضهم؛ لأنه أفاض فيما هو معروف من فضائل مصر وأهلها في التاريخ الإسلامي وفي القرآن والسُّنة، وناشد دول الخليج والعاَلمين العربي والإسلامي أن تدعم مصرَ في ظروفها الراهنة؛ لأن ضعفها يؤدي إلى ضعف الجميع وقوتها قوة للجميع. ولكن الرجل، في غمرة حماسته لحشد الحجج للتدليل على فضائل مصر، نسب إليها النبي موسى عليه السلام، أي إن ظهور موسى في مصر برسالته من أهم هذه الفضائل، وكرر في خطابه مصطلح النبي المصري، في إشارته إلى النبي موسى عليه السلام! فقد خص موسى بالذات؛ لأنه صاحب رسالة، فقد كان رسولاً نبياً ولم يذكر هارون ويوسف، وكلاهما تربى أيضاً في مصر. الثابت أن موسى عليه السلام كان من بني إسرائيل، وهم يفخرون بذلك، ولم تكن هناك جنسية في ذلك الزمان حتى يحصل موسى على الجنسية المصرية، ولذلك فإن اعتبار موسى نبياً مصرياً يجافي الحقيقة القانونية، والوضع نفسه ينطبق على هارون وعلى يوسف، رغم أن موسى تربى في بيت فرعون، ويوسف تربى في بيت العزيز؛ أي رئيس الوزراء في ذلك الوقت، ثم رفعه الملك إلى مرتبة سامية في سُلم السلطة بمصر. لكن الأخطر هو أن الأنبياء والرسل لا جنسية ولا وطن لهم؛ لأن رسالتهم إلى البشرية كلها. صحيح أن محمد صلى الله عليه وسلم عربي، فقد كرمه الله -سبحانه- بأن أنزل القرآن عليه باللغة العربية، فكان ذلك تكريماً للنبي وتشريفاً للغة، وجعل هذه اللغة هي لغة أهل الجنة. ولكن اللافت أن القرآن الكريم لم يذكر مطلقاً أن محمداً عربي؛ بل إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يؤكد أن التقوى هي معيار التفاضل وليس العرب وغيرهم، بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، وجعل الرسول -عليه الصلاة والسلام- سلمان الفارسي من آل البيت، الذين شرّفهم الله في كتابه الكريم، وهم العترة النبوية الشريفة. ومن الخطورة أن يُنسب الأنبياء إلى دول، وإنما نُسب الأقوام إلى الأنبياء؛ فهناك قوم لوط وقوم نوح وقوم عاد وقوم ثمود وقوم صالح وغيرهم من أنبياء الله؛ لأن العلاقة بين النبي أو الرسول ليست علاقة نسب مع دولة أو إقليم، فالله -سبحانه- يعلم حيث يضع رسالته، فهم من اختيار الله سبحانه، وهم رسل هداية إلى أقوام. ولكن رسولنا الكريم أُرسل إلى الناس كافة؛ فلا يجوز أن يُنسب الأنبياء إلى بلد أو إقليم. ولذلك، حرص القرآن الكريم على ألا يصف محمداً -صلى الله عليه وسلم- بأنه النبي العربي، ولكنه وصفه بأنه النبي الأمي، ووصف قومه بالأميين "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم" برسالة عالمية، "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله". ويتضح مما تقدم أن الوعي السياسي لازم للسياسيين؛ لتجنيبهم الوقوع في أخطاء قاتلة لا مبرر لها، ولكن هذا الوعي ألزم لرجال الدين؛ حتى لا يختلط نقص الوعي السياسي بالضلال الدينى. فالوعي السياسي هو مراعاة متطلبات الموقف السياسي، أي المواءمة السياسية. أما الثقافة السياسية، فهي المعرفة المباشرة بالحقائق والأحداث السياسية؛ لأن عنصر الوقت والصياغة وطريقة النشر وغيرها من العوامل الخارجية، تلعب دوراً حاسماً في تكوين الوعي السياسى، وكلها مصطلحات تحتاج إلى المزيد من الشرح والإيضاح. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :