السياسي المخضرم يعتبر من أعمدة البيروقراط الأردني، فقد ترأس أكثر من سبع حكومات خلال العقود الماضية، إضافة إلى خبراته التشريعية.العرب محمد قبيلات [نُشر في 2017/08/06، العدد: 10714، ص(8)]زيد الرفاعي مايسترو متسلح بعصا سحرية يضرب بها المادة الأبشع في القانون عمان - مازالت الإصلاحات التي تحاول القيام بها الإدارة السياسية الليبرالية بحاجة إلى الاستنجاد برجالات البيروقراطية بين الفينة والأخرى، فبالرغم من مرور سبعة وخمسين عاما على صدور قانون العقوبات الذي يشمل فصله السابع المادة 308 التي تتيح للمغتصب أن يفلت من العقاب في حال أقدم على الزواج من ضحيته، لم تفلح محاولات وحراكات مطلبية كثيرة جرت بهدف تعديل هذا القانون الذي ينساق وراء الفعل الجرمي فيُكرر الأذى الواقع على الضحية من مُغتصبها مرة أخرى بعد ما أصابها منه في المرة الأولى، فكان لا بد من تشكيل لجنة ملكية لتطوير القضاء على رأسها السياسي الأردني المخضرم زيد الرفاعي. الرفاعي من أعمدة البيروقراط الأردني، فقد ترأس أكثر من سبع حكومات خلال العقود الماضية، إضافة إلى خبراته التشريعية، إذ هو رئيس سابق لمجلس الأعيان، ولِجَ الإدارة الأردنية في الخمسينات من القرن الماضي، وبرغم تقدمه في السن مازال يحافظ على صلاته القوية مع الإدارات الحكومية المختلفة، محافظا على نفوذه الكبير في أجهزة الدولة، بما فيها القضائية، هذا إضافة إلى القوة المعنوية التي سُبِغت بها هذه اللجنة، وما تحمله من عصا سحرية، كونها مدعومة بإرادة ملكية، وهذا يعكس مدى إصرار المرجعيات العليا على السير قدما تجاه خلق البيئة التشريعية المناسبة للتغيير والتقدم. اللجنة الملكية لتطوير القضاء كيف يمكن الإبقاء على هذا النص القانوني الجائر ضمن قوانين بلد يسعى إلى تطوير تشريعاته بشكل يحمي حقوق الإنسان ومنظومة العدالة في المجتمع؟ من هنا جاءت توصيات اللجنة الملكية لتطوير القضاء الرامية إلى تنقيح التشريعات الأكثر مساسا بمنظومة العدالة، فأوصت بإلغاء المادة 308 ضمن حزمة من التعديلات على قانون العقوبات الأردني، لما فيها من إجحاف بمنظومة العدالة، فهي مادة قانونية تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان خصوصا اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة. لكن التغيير في بلداننا لا يأتي بسهولة، فمازالت هناك قوى للشد العكسي مستحكمة بأجهزة الدولة، ووظيفتها الحصرية وضع العصي في دواليب التقدم، فإذا لم تتوافر الإرادة السياسية الداعمة لمطالب قوى ومنظمات المجتمع المدني فإنها، مهما بلغ نضجها الذاتي، فلن تتغلب على الظرف الموضوعي، ولعلنا نذكر تلك المشاهد من حلقات المعارضة لما سمّي قانون الشرف في الأردن، الذي يُسقط العقوبة عن الرجل الذي يقوم بقتل المرأة التي تخصه في حال تعرضت لاعتداء جنسي، بحجة مسح العار، ألغي بعد مطالبات عديدة وطويلة خاضتها هيئات حقوقية ونسوية أردنية، حيث لم يتحقق لها ذلك إلا بعدما لاقته من دعم من صاحب القرار، فرأينا الملكة رانيا العبدالله وهي تشارك في مظاهرة نسوية لمطالبة البرلمان بإلغاء ذلك القانون.لجنة ملكية لتطوير القضاء يرأسها السياسي المخضرم زيد الرفاعي الذي يعد من أعمدة البيروقراط الأردني، فقد سبق له وأن ترأس أكثر من سبع حكومات خلال العقود الماضية. من أين جاء القانون؟ يا لها من مفارقة. فمصدر هذه المادة القانونية، حسب النائب في البرلمان الأردني نقيب المحامين الأسبق صالح العرموطي، هو القانون الفرنسي الذي كان يطبق في فرنسا إلى ما بعد منتصف القرن الماضي، حيث أُدخل في قانون العقوبات الأردني رقم 16 عام 1960، والمفارقة الكبرى هي أن القانون العشائري الأردني الذي كان يسود البلاد قبل تشكيل الدولة الأردنية كان يجرّم المغتصب ويعظّم عقوبته حتى تصل إلى قطع أربع رقاب من مقربي المغتصب ولا يسمح له بالإفلات من فعلته. والمشكلة أن الجدل ظلّ موجودا لدى بعض المدافعين عن القانون، برغم ما يعتري دفوعاتهم من ضعف، فهذه المادة القانونية ليست سوى مهرب يفتح المجال للاحتيال على القانون، وازدواجية المعايير، وتشجيع سياسة الإفلات من العقاب. نعم؛ هو قانون فيه متسع لهروب الجاني، بل الجناة، من حكم العدالة الرادع، عن طريق التحايل، ففي إحدى القضايا التي عُرضت على المحاكم الأردنية، المتمثلة باغتصاب شخصين لفتاة واحدة، قضت المحكمة بالعقوبة على الشخصين بتهمة الاغتصاب، ومع إجراء عقد زواج أحدهما من الضحية، فقد أُوقف تنفيذ العقوبة بحقه، لكن، وبعد ستة أشهر، تقدم الجاني الثاني للمحكمة بطلب منحه إذنا بإجراء عقد زواج من الضحية نفسها التي تبين أنها تطلّقت من الأول، حسن الحظ فقط، ونباهة أحد القضاة الذي شكَّ بأن في الأمر صفقة قادت إلى رفض منحه ذلك الإذن، وكشفت عن الصفقة. وبالطبع، لم تجرِ إعادة ملاحقة المتهم الأول بالرغم من انتهاء عقد الزواج قبل انقضاء خمس سنوات بما يخالف المادة 308. عملية الإصلاح الديمقراطي والتقدم يتطلبان بالضرورة، أولا، تنقية التشريعات والقوانين الأردنية جميعها من إشكال التمييز كافة، وسن القوانين التقدمية العادلة، ومن ثم إصلاح النمط الثقافي والاجتماعي، لأنه بغير مواصلة عملية الإصلاح سيتم فرز آليات مجتمعية تحل محل المواد القانونية غير العادلة، برغم إلغائها وشطبها من القانون، فلدى الكثيرين اليوم شكوك بعدم انتهاء عمليات إفلات مَنْ سيقومون بمثل هذه الجرائم، مستقبلا، حيث سيتم الكثير من التسويات قبل وخارج المحاكم من أجل تلافي الفضائح وطلبا للستر، لكن هذا لا ينفي الدور الفعّال للقوانين في ترسيخ المبادئ والقيم الاجتماعية الجديدة بسرعة، لأنه، بالمقابل، يسري اعتقاد اليوم لدى الكثيرين بأن تنفيذ العقوبة بحق الجاني سيشكل رادعا قويا يحد من تفشي مثل هذه الظواهر. لقد وجّهت اللجنة الملكية لإصلاح القضاء مقترحاتها إلى السلطة التشريعية متمثلة بمجلس النواب، وكذلك إلى السلطتين؛ القضائية والتنفيذية، والغريب أن مقاومة خجولة للمقترح تَبَدّت في مجلس النواب، حيث حاولت اللجنة القانونية تقديم مقترحات بالتعديل على المادة القانونية وليس إلغاءها، وبرغم وجاهة الملحوظات التي قدمت إلا أنها لم ترقَ إلى مستوى العلاج الحقيقي للمشكلة، فالجوانب التي راعتها التعديلات غير متوافقة مع القانون أصلا، الحجة الأبرز هي الحفاظ على الأطفال المولودين نتيجة حوادث الاغتصاب، لكن الناشطة القانونية المحامية نور إمام تقول “إن القانون أصلا لا يعترف بحق النسب لهؤلاء الأطفال، ممن ولدوا نتيجة للمواقعة خارج فراش الزوجية وعقد الزواج، حتى لو تم الزواج، بعد ذلك، وتشكلت أسرة بما يتوافق والمادة 308”.دول كثيرة تحتفظ حتى اليوم بقوانين مماثلة في المنطقة، منها الجزائر، سوريا، العراق، فلسطين، الكويت، وليبيا. وعالميا، مازالت هذه القوانين نافذة في عدة بلدان في أميركا اللاتينية، إضافة إلى طاجيكستان والفلبين. علاج المشكلة الحقيقي تشكلت جبهة عريضة من المطالبين بالتغيير، حتى وصلت المطالبات إلى درجة لم يعد ينفع معها بقاء هذه المادة القانونية التي اعتبرها النائب خالد رمضان مسوّغا لوقوع الكثير من حالات الاغتصاب، بل لقد ذهبت بعض الفعاليات إلى رفع الشعار التهكمي “اغتصب وتزوّج ببلاش”، أي مجانا. ومع هذا التغيير، يكون الأردن قد قطع شوطا مهما في تحصين حقوق الأفراد، فليس من المنطق أو المستساغ، لا دينا ولا أخلاقا، مكافأة المجرم على جريمته ومعاقبة الضحية بعد ما أصابها ولحِقَ بها من ظلم، فلم يثبت، في الواقع، أن هناك جوانب إيجابية عند تطبيق هذا القانون، حيث لاقت المرأة الكثير من العذاب والضنك نتيجة زواجها من مغتصبها، وفي أغلب الحالات لم تنجح هذه الزيجات، ولم تكن إلا بابا لهروب الجاني من العقوبة، بل إن هناك الكثير من النتائج المؤلمة لحالات زواج تمت بالإكراه، حيث لا يتحقق قبول المغتصبَة، أو إنه يتم بالإذعان، تحت سطوة العيب ورغبة الأهل بلملمة القصة، وهذا يتنافى مع الشرع والقوانين، فليس من موافقة صريحة مستقلة على هذا الزواج، بل إنها توافق تحت ضغط من الأهل لِطَي الملف، وفي حالات خاصة تم بها تزويج نساء من مغتصبيهن عن طريق المحكمة، تمت ملاحقتهن من قبل الأهل وإيقاع الأذى بهن حتى وصلت الأمور في بعض الحالات إلى القتل، أو استغلال الزوج “المُغتصِب” لزوجته “المُغتصَبة” وإجبارها على العمل بالدعارة. الحقيقة أنه لا يمكن، ولا بأي شكل من الأشكال، اعتبار الزواج المعقود بين متهم مهدد بالسجن لمدة قد تصل 20 سنة وضحيته زواجا يحقق الشروط التي يتطلبها القانون، على الأقل من ناحية الكفاية والرضا، فكيف يمكن لنا الاعتداد بقبول ورضا الضحية القاصر، أو رضا فتاة خضعت وأهلها لتهديد الجاني، أو رضا فتاة قبلت بالزواج تحت وطأة الضغط المجتمعي، أو تحت خطر الإيداع في السجن بحجة الحماية؟ لقد تضافرت الكثير من الجهود وألغى مجلس النواب الأردني المادة 308 من القسم السابع من قانون العقوبات رقم 16 المقر عام 1960، ولم يبقَ إلا أن يمر من غرفة البرلمان الثانية، مجلس الأعيان، ومن بعدها يُوشّح بالموافقة الملكية ويصبح نافذا بمجرد نشره في الجريدة الرسمية، وقد ألغى البرلمان التونسي قانونا مماثلا، في حين ألغى البرلمان المغربي في يناير 2014 المادة 475 من قانون العقوبات التي تسمح لبعض الرجال بالتهرب من الملاحقة القضائية لقيامهم بالاغتصاب إذا وافقوا على الزواج ممن ارتكبوا بحقهن جرم الاغتصاب، كما ألغت مصر عام 1999 المادة 291 من قانون العقوبات، التي تسمح للمغتصبين أو الخاطفين بالتهرب من الملاحقة القضائية عن طريق الزواج من الضحايا. بينما مازالت دول كثيرة تحتفظ بقوانين مماثلة في المنطقة، منها الجزائر، سوريا، العراق، فلسطين، الكويت، وليبيا. وعالميا، مازالت هذه القوانين نافذة في عدة بلدان في أميركا اللاتينية إضافة إلى طاجيكستان والفلبّين.
مشاركة :