المعارض أليكس نافالني لم يتورع عن وصف حزب روسيا الموحدة الحاكم، الذي يتزعمه بوتين، بأنه حزب المحتالين واللصوص. العربمحمد قبيلات [نُشرفي2016/11/20، العدد: 10461، ص(7)] معارض شرس يطارد الفساد ويزعج هدوء الكرملين عمّان - تبرز هذه الأيام شخصية أليكسي أناتولييفيتش نافالني، المحامي والناشط السياسي الروسي كمعارض شرس للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هذا الرجل المتمتع بكاريزما خاصة قيادية وسياسية، عُرف بخطاباته ولغته الحماسية المشاكسة، حتى أصبح محاربا قويا ضد ما يسميه “فساد السلطة”، بعد أن ارتفع شأنه خلال انتخابات مجلس الدوما في 2011. فترة تحوّل مؤسسات القطاع العام إلى القطاع الخاص تشكل أكثر البيئات المناسبة لنمو الفساد وتمدده. فربما كانت من سلبيات المؤسسات العامة الظاهرة كونها مطموعا فيها، حيث الفارق بينها وبين القطاع الخاص؛ أن الأخير تُديره وتراقبه الجهات المالكة، بينما في منشآت القطاع العام تتم الإدارة والإشراف من قبل موظفين وفي غياب كامل لرقابة المالكين. لا اشتراكية ولا رأسمالية تلك الظاهرة استفحلت في القطاعات العامة في بلدان العالم الأكثر تخلفا، والتي اختارت الخيار الثالث المتمثل في اقتصاد مختلط بين الاشتراكية والرأسمالية، عندما بدأت عمليات خصخصة هذه الشركات في مطلع ثمانينات القرن الماضي، طبعا، من دون حسيب أو رقيب، استشرت حالات الفساد المرتبطة ببيوعات أصول هذه المنشآت. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد إلى مراكز الرأسمالية، حيث كثر الحديث، إبّان الأزمة الكبرى التي عصفت بالاقتصاد العالمي في عامي 2008-2009، عن فساد وسوء إدارة في العديد من الشركات المساهمة، اتهمت إداراتها بالبذخ على حساب المساهمين، وانتشرت فضائح كثيرة متعلقة ببعض مدراء هذه الشركات وما يتقاضونه من مرتبات ومكافآت خيالية. كان لا بد من هذه المقدمة للدخول إلى موضوع الفساد في روسيا، وهي وريثة الدولة السوفييتية القائمة أصلا على مبدأ الملكية العامة، التي تغيب فيها أشكال الملكية الخاصة تماما، وبذلك تكون هي ربما أكبر دولة في العصر الحديث استحوذت على المقدرات الوطنية وسخّرتها للخدمة العامة من خلال النظام الخاضع لمبادئ الاشتراكية. لكن هذه الصورة الطوباوية لم تكتمل، فلقد انهارت الدولة السوفييتية، وبدأت عملية واسعة غير منظمة بالمرة لتُحوِّل شكل الملكية من العامة إلى الخاصة في ظل الغياب الكامل للسلطات الرقابية، فتقريبا تملّك المدراء ومن يشرفون على المنشآت العامة تلك المؤسسات بأبخس الأثمان، فشهد التاريخ أكبر عملية تحوّل لملكية المؤسسات العامة. المبالغ التي يعتبرها الخبراء خسائر تكبّدها الاقتصاد الروسي بعد انهيار الشيوعية، كان الفساد بطلها وعنوانها الأبرز. وما زالت روسيا تخسر سنويا، بسبب عمليات الفساد حسب تقديرات محلية وعالمية، مبالغ تقدر ما بين 126 و300 مليار دولار من الصعب الآن تحديد المبالغ التي خسرها الاقتصاد الروسي من جراء هذه العملية، لكن المؤكد أن الفساد كان عنوانها الأبرز، حيث ما زالت روسيا تخسر سنويا، بسبب عمليات الفساد حسب تقديرات محلية وعالمية، بين 126 و300 مليار دولار. ترأس نافالني، المُعارض لمنظومة الفساد، “منظمة مكافحة الفساد” غير الحكومية في العام 2011، والتي تهدف إلى توثيق حالات الفساد الحكومي ونَشرها للعلَن، ما تسبب في أن يحُكم عليه في يوليو 2013 بالسجن خمس سنوات بتهمة الاختلاس. لكن المحكمة خَفَّضت الحكم الصادر بحقه في أكتوبر 2013 إلى عقوبة السجن ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ، ما دعا الكثير من الأوساط لاعتبار المحاكمة مُسيّسة. تهم ملفقة قاد نافالني احتجاجات حاشدة مناهضة للرئيس بوتين في 2012، ومنذ ذلك الحين وهو يواجه قضايا وأحكاما بالحبس والإقامة الجبرية. وبالرغم من كل المعوقات استطاع القيام بحملة انتخابية، للمنافسة على منصب عمدة موسكو، الذي حل فيه في المركز الثاني بـ27 بالمئة من الأصوات، بعد حليف بوتين القوي، سيرجي سوبيانين، واعتبر هذه النتيجة نجاحا، لأنه لم تكن تتوفر له الإمكانات المسخّرة لمنافسه، فقد منع من الوصول إلى التلفزيون الحكومي، واعتمد فقط في حملته على شبكة الإنترنت، والخطابات الشفاهية في محطات المترو، والزيارات الميدانية. نافالني لم يتورع عن وصف حزب “روسيا الموحدة” الحاكم، الذي يتزعمه بوتين، بأنه “حزب المحتالين واللصوص”، وكان من أبرز منظمي الاحتجاجات ضد الفساد في روسيا، واعتقلته السلطات في ديسمبر عام 2014 بتهمة التزوير. يقول رئيس مركز “ليفادا”، أليكسي غراجدانكين إن “الناس يشعرون بالسأم حين يدركون أنه ليس بإمكانهم تغيير شيء في البلاد من خلال الاحتجاجات أو من دونها”. وهذا يفسر نتائج الاستطلاعات بين عامي 2011 و2013، التي كشفت عن أن 61 بالمئة من الروس لا يتابعون الحياة السياسية في البلاد، وأن مَن يعدّون أنفسهم وطنيين قد انخفضت نسبتهم إلى 8 بالمئة خلال 13 عاما، أي منذ تولي بوتين الرئاسة للمرة الأولى. نافالني لا يتورع عن وصف حزب “روسيا الموحدة” الحاكم، الذي يتزعمه بوتين، بأنه “حزب المحتالين واللصوص”، وقد كان من أبرز منظمي الاحتجاجات ضد الفساد في روسيا، حتى اعتقلته السلطات في ديسمبر عام 2014 بتهمة التزوير الوطنية الروسية تعريف الروس للوطنية تغيّر منذ مطلع هذا القرن، فنسبة الذين قالوا إن الوطنية تعني “العملَ من أجل خير البلاد”، انخفضت من 35 بالمئة في عام 2000 إلى 21 بالمئة في عام 2013، بينما استقرت نسبة الروس، الذين عرّفوا مفهوم الوطنية بأنه “حبّ البلد”، عند حدود 60 بالمئة. وبالرغم من أن فكرة “الوطنية الروسية” تقع في صلب سياسة بوتين لكسب الأنصار وشدّ أواصر روسيا، فإنه تم رصد استخدام الرئيس لعبارة “الروس الأصليين”، بما يترك السؤال مفتوحا عن مكوّنات روسيا الإثنية والدينية غير السلافية وحقيقة اعتبارها جزءا من الهوية الروسية الواحدة. ولذلك فإن نافالني، الملقب بفتى روسيا الذهبي، يواصل نقده للطريقة التي تُدار بها البلاد وإن اختار الدخول في أضابير الفساد الذي تمارسه بطانة الرئيس. تسود الأوساط الشعبية الروسية الآن حالة من حالات الحنين إلى الحقبة السوفييتية، فالعقد الاجتماعي الجديد صيغ على أساس التغاضي عن إحباطات “الانتقال الديمقراطي”، وقبول التجييش لمرحلة الصحوة القومية التي يفرضها الرئيس الروسي، لكن مقابل شيء من الرخاء الاقتصادي، حيث وعد الرئيس الشعب الروسي بأن لا تنخفض أرقام النمو الاقتصادي عن 5 بالمئة، لكنها اليوم قاربت 1 بالمئة. وهناك توقعات بأن تدخل خانات القيم السالبة في السنوات المقبلة. في عهد يلتسين، كان يقال على الدوام إنه لا بد من «فكرة وطنية» بغية تعزيز تماسك البلد والمجتمع. هناك من يقول اليوم، ها هو بوتين قد عثر عليها، فأثار بذلك إعجاب الشعب. لكن هناك من يشعر بالخوف ممّن كانوا ينتظرون شيئًا آخر، يتعلق ببناء دولة المؤسسات والقوانين والديمقراطية، وليس فقط شعارات القومية، وإعادة توزيع البترول على الأوليغارشيا وأصدقاء بوتين. والجدير بالذكر أنه مع وصول بوتين إلى السلطة في العام 2000 أحاط نفسه بمجموعة من أولئك الذين كانوا معه عندما كان ضابطا بارزا في جهاز المخابرات السوفييتية الـ”كي جي بي”، بحيث أصبح منهم 110 “مليارديرات” روس في عام 2013 يستحوذون على 35 بالمئة من إجمالي الدخل القومي الروسي. كما تقدّر أستاذة العلوم السياسية في جامعة ميامي بالولايات المتحدة الأميركية، كارين داويشا، في المنطق الإحصائي نفسه، أن قيمة الرشى وأنواع الفساد الأخرى تبلغ سنويا 300 مليار دولار. لكن الملاحظ أن أحد التناقضات التي تحيط ببوتين، أنه لم يتورّط في أيّ عملية فساد أو رشوة بينما المحيطون به فعلوا ذلك. عائلة يلتسين دعمت بوتين في الوصول إلى السلطة بشكل علني لإحباط أيّ مسعى لمحاربة الفساد السياسي بين المسؤولين رفيعي المستوى وإعادة النظر في نتائج سياسة الخصخصة التي لا تحظى بشعبية. لذا عندما ضيّق بوتين الخناق على قضايا الكسب غير المشروع، وأشهرها تلك التي سجن فيها رجل الأعمال السابق ميخائيل خودوركوفسكي، اقتصرت حملته على ضربات محددة ضد أهداف معروفة، فخلال الأيام التي حكم بوتين فيها روسيا إلى جانب الرئيس الروسي في ذلك الوقت ديمتري ميدفيديف، تناول الفساد في الغالب باعتباره قضية مؤسسية تعالج عن طريق السوق لا المحاكم. أما في الفترة بين 2009 و2012، فقد انخفض عدد الأحكام الصادرة ضد مسؤولين روس فاسدين إلى النصف تقريبا من 10700 إلى 5500 حكم. تحول مؤسسات القطاع العام إلى القطاع الخاص يشكل أكثر البيئات المناسبة لنمو الفساد وتمدده. وقد يكون من سلبيات المؤسسات العامة الظاهرة، كونها مطموعا فيها، حيث الفارق بينها وبين القطاع الخاص؛ أن الأخير تديره وتراقبه الجهات المالكة سرطان روسيا الخبير المالي الروسي بغدان زوفاريتش يعتبر أن الفساد بات سرطاناً يشكل تهديدا للأمن الوطني الروسي. بل أصبح يشكل تهديدا على المستوى السياسي لكيان الدولة، ويلقي بظلاله السلبية حول صورة روسيا عالميا، وأن من أكثر مظاهر الفساد انتشارا في روسيا توجد الاختلاسات وسرقة المال العام وغسل الأموال وتبيضها والتهرب الضريبي. الفساد غالبا ما يلقى رعاية سياسية، بحيث تصبح السياسة الوطنية موجهة لخدمة المجموعات الحاكمة ومن يدور في فلكها، وهذا بدوره يؤدي إلى فقدان المواطن للثقة في السلطة، فسرقة المال العام والتهرب الضريبي وإخفاء الدخل يكلف خزينة الدولة نحو تسعة تريليونات روبل (128 مليار دولار) سنويا، وهذا يشكل 5.12 بالمئة من إجمالي الدخل القومي، وينعكس مباشرة على المستوى المعيشي لعامة المواطنين. ويرى المحلل الاقتصادي تيمور نغماتولين أن مكافحة الفساد والرشوة في روسيا تسيران ببطء شديد بسبب عدم كفاية القوانين الرادعة، والاكتفاء بفرض غرامات على المرتشين من موظفي الدولة دون الزجّ بهم في السجن ومصادرة ممتلكاتهم. اليوم تزداد قناعة الكثير من الروس، ولا يقف الأمر عند نافالني ومجموعاته، بأن مكافحة الفساد في بلادهم يجب أن تبدأ أولا من الأعلى لتطال كبار المسؤولين، وألاّ تكون هناك حصانة لأيّ شخص في مواجهة العقوبات في حال تورطه، هذا إضافة إلى ضرورة تشديد العقوبات وفرض رقابة مالية صارمة على مؤسسات الدولة. :: اقرأ أيضاً مالك شبل إسلام النور يفقد منظره في ذروة الفوضى الفكرية أبوبكر سالم المغني الذي صنع أسطورته بنفسه محمود عبدالعزيز ممثل متجدد تنوعت أدواره مع تقلبات الزمن
مشاركة :