لا أبالغ إن قلت إن بيان منظمة التعاون الإسلامي عن الوضع في غزة هو الأقوى والأجمل والأنبل في مسيرة البيانات الصادرة عن فلسطين خلال العشرين سنة الماضية!. لقد خلا البيان من مصطلحات اليأس والخنوع التي لا تتجاوز الشجب والاستنكار والإدانة إلى طلب التحرك الفاعل لإدراج المستوطنين على لائحة الإرهاب والمطلوبين للعدالة الدولية، فضلا عن مقاطعة الشركات العالمية التي تعمل في المستوطنات الاستعمارية، وإكمال ملف إطلاق لقب الدولة العنصرية Apartheidعلى الحكومة الإسرائيلية. والحق إنني تمنيت وأنا أتأمل في الفقرات الحادية والعشرين للبيان أن تخلو تمامًا من الفعل "تُدين" الذي ورد مرتين فقط وفي سياق يخلو من الاستجداء المعتاد لوقفة دولية. ومن الواضح أن الأمر في منظمة التعاون الإسلامي في ظل رئاسة الدكتور إياد مدني آخذ في الانصهار الحقيقي مع هموم وقضايا الأمة ليس على مستوى الصياغة واللغة الراقية والمعلومة الموثقة فقط وإنما على صعيد العمل الإسلامي الذي غاب أو اختفى أو انتفى لسبب أو لآخر!. وقد يقول قائل إنها تظل "بيانات" وتظل مجرد تسجيل مواقف وإدانات، وهذا صحيح في جانب منه، لكن الصحيح أيضًا أن المنظمة باتت تدرك أن لدى الأمة أسلحة مهمة تبدأ بالمقاطعة وتنتهي بالمحاكم الدولية مرورًا بالرصد والتسجيل !. لقد طلب البيان من الأمين العام القيام بمراجعة شاملة لكل قرارات القمة والمجلس الوزاري ذات الصلة بالأقصى والقدس الشريف والقضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي لحصر ما لم ينفذ منها، ومتابعة ذلك مع الدول الأعضاء. أخشى ما أخشاه أن يكون السر في قوة البيان في منظمة التعاون قياسًا بغيرها من منظمات ومحافل عربية هو كثرة الألسنة والوجوه غير العربية مقارنة بالألسنة العربية التي سكت بعضها و"تلألأ" البعض الآخر، ومن الوجوه العربية التي اختفى بعضها وتشوه البعض الآخر. أدرك أن رئيس المنظمة أو أي رئيس لا يمكن أن يعمل عمله إلا وسط بيئة مهيّئة للفعل وفريق عمل مشجع ومحفز ومنفذ، لكنني أدرك كذلك أو أستشعرأن عمل المنظمة مع السعودي الدكتور إياد مدني سيختلف بل اختلف كثيرًا عما كان الحال عليه في ظل رئاسة الدكتور أكمل إحسان أوغلو.. صحيح أنهما يكملان بعضهما البعض، لكن الأخبار المتواترة من إسطنبول توحي بفرق شاسع!. من ذلك على سبيل المثال ما نشرته "الشرق الأوسط" أو نقلته على لسان الدكتور أوغلو من أن تركيا "يجب أن تقف على الحياد في المأساة الدائرة الآن في غزة"!. إننا نحب الدكتور إحسان أوغلو كثيرًا كما نحب الدكتور إياد مدني، لكن حبنا للحق وفلسطين أشد، والحق أن بيان التعاون في ظل رئاسة مدني جاء معبرًا أو ملبيًا أو على الأقل مستجيبًا لصراخ الشعوب العربية والإسلامية من هول ما جرى ويجري الآن في غزة على يد هذه الحكومة أو الدولة العنصرية كما ورد في البيان. لقد انتصر البيان لنضال شعب بدءًا من الطفل الشهيد محمد أبو خضير وصولا لعشرات الشهداء في قطاع غزة، ولقضية أمة بدءًا من الانتهاك الصارخ لكل القوانين الدولية في القطاع وصولاً للمسجد الأقصى والقدس الشريف. تحية للبيان ولكل لسان عربي إسلامي يصدع للحق ويصدح بالأنشودة الفلسطينية التي هي أنشودة كل بيت عربي مسلم بل ومسيحي ينتصر للعدل. sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :