يشير الوضع الاجتماعي إلى منطق لا يتوافق مع محتوى الاعترافات، ونادرا ما تجد مسؤولا أخفق ثم اعترف أو ذكر الخسائر التي نجمت عن الأخطاء التي بحوزته، أو معلما لم يؤد الأمانة التي كُلف بها، أو طبيبا لم تدون الأخطاء الطبية في سجله التي ارتكبها ولم يكتشفها أحد، أو أبا أساء التربية وانعكس ذلك سلبا على أبنائه مستقبلاً، أو زوجا لم يع معنى القوامة ما أوجد في تاريخه الأسري كثيرا من الظلم والجحود، أو مفكرا ذا سياسة مناقضة دس السم في العسل، أو تاجرا مارس أنواعا كثيرة من الغش واستغل حاجة الناس، أو رجلا استولى على أموال أيتام بالباطل، أو قاضيا حكم ظلما وبهتانا، أو رجلا ذا سلطة استعمر حقوق الآخرين وخلق نزاعا ليكسب نتائجه. فالأثر التراكمي ينتج عنه سلوكيات لها طابع مناقض لا يلبث أن يتغير إذا تطور الوعي، وهو أيضاً نشاط يمارسه الناس لكي تبتعد عن الاعتراف، وتعتمد على المواد التي يستهلكها الفرد. وما ينبغي أن نتساءل من أجله، لماذا أُغلقت دائرة الاعتراف؟ وهل لنا بإعادة تدوير هذه الثقافة، بدلاً من البحث زمنا طويلا عن فاعلية تقتضي البوح؟ إن أغلبنا يجيد الممارسات ويجهل ذكاء الاستعمالات، ويغدق كما هائلاً من الكلمات حول ظاهرة لا تترجم سوى مداخل إلى قراءة غير مستوفية الشروط. لأن سيرة الاعتراف تبدأ عندما ينتهي هاجس الخطأ وتظهر نتائجه، فيقول بول ريكور (تيسّر لي أن أعترف أن في مقدوري أشياء كثيرة لا حصر لها، وتتجاوز نطاق عقلي) فلم يعد حسب تقديره مجال لتأخير الحقائق لذا وجب الاعتراف، ولأن ضرب التأكيد الذي يعبر عنه فعل "اعترف" إنما يطبع بطابع اليقين القاطع، كسيرة استوفت أمرها كله. بهذا المعنى لا ينصت كثير من الناس إلى صوت تطبيقي موضوعي يحث على خطاب علمي، ويقوم مقام الحدث ويفسر المستجدات تفسيرا منطقيا تقبلها جميع درجات العقول، ويمكن تحويل الحاضر المنتمي للعصر إلى افتراض قديم يبحث عن توازن ونقطة التقاء، تطرح نفس السؤال، كيف تتعثر علامات الاعتراف في ساحة الحياة الفعلية عند الشعوب، عندما يتراجع المجتمع متقهقرا إلى نتائج سلبية ماضية؟ فيمكن أن نرى أثرا واضحا للتراكمات التي تتعارض مع مبدأ الاعتراف، ويكون التغيير صعبا، إذا اعتمد القياس على بعض الظواهر، فكلما زاد تعرض المرء لشيء ما زاد تمسكه به، وعلى سبيل المثال كما قال المهندس الفرنسي " كليمان آدر " في بداية بناء برج إيفل في باريس، كان أهل باريس يكرهونه، ويرون أنه آفة معدنية منتهية التصنيع تطل على مدينتهم الجميلة، وتمثلت ردود أفعالهم تجاهه في اعتراضات محمومة ومع الوقت تطور الرأي العام من كره البرج إلى قبوله، ثم إلى حبه، ومن ثم اعترف معظم الناس أنهم جانبوا الصواب في حقبة زمنية منصرمة، ولم يجدوا مبررا للرفض أو الكره. أو خطاب سلب إرادة المجتمع مسيج بنوايا خبيثة، تحولت إلى قوة صارمة تجبر على ضرورة الإنصات وخصائص غير مميزة، رسخت بنية معقدة، تستدعي علاجا نفسيا يؤهل للاعتراف، وتبعا لهذه المعطيات ينبغي الرجوع إلى المناخ الذي حتم عدم اعتراف الناس بالأخطاء التي ارتكبوها، وجعلوا منها معاناة ونزاعات داخلية، كانت بمعزل عن المسؤولية التي تعزز التعامل الإنساني، وتخضع لمبدأ ملائم لكل الأزمنة، عوضا عن تطرف متساو في الحجم والمقدار.
مشاركة :