لم تعد الرياضة بمختلف أنواعها نشاطاً رياضياً أو ترفيهياً فقط؛ بل أصبحت أيضاً قطاعاً استثمارياً واقتصادياً وصحياً يوفر المئات من فرص العمل للجنسين، ويسهم بجهد كبير في تحريك عجلة الاقتصاد، وكذلك برامج المسؤولية الاجتماعية. وهذا الاتجاه يتواكب مع رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى ابتكار جملة من الأنشطة الضامنة لأنشطة الرياضة البدنية في الأوساط المجتمعية، بالتعاون مع عدد من المؤسسات الحكومية والأهلية المعنية بالشأن الصحي والاقتصادي والاجتماعي. والآن وبعد أن كشفت الهيئة العامة للرياضة -خلال الأيام القليلة الماضية- عن بدء منح تراخيص عمل للمراكز والصالات الرياضية النسائية (أندية نسائية رياضية)؛ فقد أصبح إنشاء أو قيام أندية رياضية نسائية بمختلف مناطق المملكة أمراً واقعاً، كما نستطيع أن نقول إن الأندية والمراكز النسائية الرياضية التي كانت أصلاً موجودة على أرض الواقع ولكن تحت عدة أسماء مختلفة؛ انتقلت من مرحلة العمل في الخفاء، إلى العمل في العلن؛ وذلك بعد سنوات طويلة ظلت خلاله تمارس عملها الرياضي متخفية تحت عدة أسماء أبرزها "العلاج الطبيعي"، و"التجميل النسائي"، وغيرها من الأسماء التي يعرفها الكثير من الناس؛ ولكن أسعارها كانت فلكية وليست في متناول يد الجميع. وقد كان للأميرة ريما بنت بندر بن سلطان -وكيلة رئيس الهيئة العامة للرياضة للقسم النسائي بهيئة الرياضة (أول امرأة سعودية تتولى هذا المنصب)- دور كبير في أن يرى هذا القرارُ النورَ بعد أن ظلت العديد من الأوساط النسائية في حال ترقب وانتظار دام لسنوات عديدة. وبالتأكيد؛ فإن السماح أو إصدار ترخيص لإنشاء مراكز أو أندية رياضية نسائية، سوف يفتح البواب بمصراعيه للمنافسة القوية، مع وجود شركات رياضية متخصصة بأسعار منافسة؛ حيث إن خدمة التراخيص متاحة أمام القطاع الخاص (شركات ومؤسسات) من خلال التقدم عبر الموقع الرسمي للهيئة بهويته الجديدة؛ وذلك وفق آليات واشتراطات محددة لضمان تقديم أفضل الخدمات بجودة عالية. وما يعزز من إنشاء أندية رياضية نسائية؛ أن وزير التعليم قد حسم الجدل الذي استمر لسنوات عديدة؛ إذ سمح بمزاولة الرياضة النسائية في مدارس التعليم العام، مع ضرورة توفر الضوابط الشرعية، إضافة إلى أن مجلس الشورى قد حث مؤخراً هيئة الرياضة على تشجيع إنشاء أندية نسائية والإسراع في تأسيسها؛ مطالباً بتفعيل الرياضة للمرأة في كافة مناطق المملكة.. وسبَق للمجلس أن أصدر قراراً وجّهه لوزارة التربية والتعليم (سابقاً) -وزارة التعليم حالياً- قبل أكثر من سنتين، طالَبَ خلاله بضرورة إضافة برامج للياقة البدنية والصحية للبنات، بما يتفق مع الضوابط الشرعية وطبيعتهن. وأذكر أنه في إحدى ورش العمل التي انعقدت السنة الماضية، أشارت الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان، إلى السعي لتأسيس صندوق رياضي بقيمة لا تقل عن 25 مليار ريال لدعم الأنشطة الرياضية، كما أكدت أن الهيئة العامة للرياضة تسعى إلى توفير المئات من الوظائف النسائية في قطاع الرياضة خلال العامين المقبلين؛ للإسهام بجدية في تنفيذ مشروع الهيئة الجديد والرائد الذي تتطلع من خلاله إلى مجتمع صحي ورياضي يتعامل مع الرياضة باعتبارها ضرورة من ضرورات الحياة اليومية وليست مجرد وسيلة للترفيه والتسلية فقط. وما تَفَضّلت بذكره الأميرة ريما في الورشة يعزز ما ذكرته في بداية هذا المقال بأن الرياضة لم تَعُد نشاطاً ترفيهاً فقط؛ بل استثمارياً واقتصادياً وصحياً يوفر المئات من فرص العمل للجنسين. وكما نعلم؛ فمن الثابت علمياً أن ممارسة الرياضة بصورة عامة تسهم بصورة كبيرة في القضاء على الكثير من الأمراض والحفاظ على توازن الجسم؛ وبالتالي تخفيف ضغط المراجعين على وزارة الصحة والقطاع الصحي الخاص.. وكمثال فإن الرياضة تساعد في القضاء على السمنة، وهذا أكثر ما يُقلق المرأة السعودية؛ خصوصاً بعد ارتفاع معدلات السمنة وسطهن بمعدلات عالية جداً ومقلقة؛ حيث يتم إنفاق المليارات في برامج الحمية وعلاج الأمراض التي تسببها السمنة؛ بينما ممارسة الرياضة أقرب الطرق وأقلها تكلفة في القضاء على مرض السمنة الذي يعتبر مدخلاً لعدد كبير من الأمراض المزمنة؛ أبرزها السكر، وتصلب الشرايين، والضغط. ولكن لا بد من إطلاق حملة توعوية إرشادية حول مدى أهمية الأندية الرياضية، يتم عبرها ترسيخ مفهوم ثقافة الأندية الرياضية النسائية؛ من حيث دورها الكبير رياضياً وصحياً واجتماعياً؛ وذلك حتى تكون ممارسة الرياضية النسائية وفق رؤى متطورة؛ مما يساعد على انتشارها بمختلف مناطق المملكة.
مشاركة :