شح السيولة يجبر الليبيين على الدفع الإلكتروني رغم المخاطر لجأ معظم الليبيين إلى اعتماد وسيلة الدفع الإلكتروني للحصول على السلع الأساسية بسبب شح السيولة النقدية الحادة والمستمرة للعام الثالث على التوالي نتيجة الحرب وتراجع عائدات النفط، ما كبدهم أعباء إضافية أرهقت ميزانياتهم وزادت من معاناتهم.العرب [نُشر في 2017/08/08، العدد: 10716، ص(10)]إقبال متزايد على الصفقات الإلكترونية بنغازي (ليبيا) – حينما اضطر العديد من الأشخاص إلى الاصطفاف لأيام أمام البنوك لسحب أموالهم خلال أزمة السيولة التي ضربت ليبيا، لم تنجح أنظمة الدفع الآلي في كسب ثقة الليبيين جراء اتهامات من قبلهم بوجود حالات استغلال. وفي متجر كبير في بنغازي، ثاني كبرى مدن ليبيا، يستخدم سعيد فايز فضل الله (35 عاما) تطبيقا في هاتفه المحمول ليدفع ثمن عربة مليئة بالأغراض. ويقول سعيد “لقد حلوا لنا مشكلة فعلية، لم أعد أهتم بالوقوف لساعات أو أيام بانتظار سحب جزء بسيط من راتبي”. وتسببت سنوات من العنف والفوضى السياسية اجتاحت البلاد منذ أطاحت انتفاضة مدعومة من حلف شمال الأطلسي بالزعيم معمر القذافي في أزمة بمؤسسات الدولة الليبية، بما فيها البنك المركزي. وانقسم مصرف ليبيا المركزي إلى نصفين في العام 2014 حيث تشرف حكومتان متنافستان على فرعيه في كل من بنغازي وطرابلس.18 مليار دولار، حجم الأموال المتداولة خارج النطاق الرسمي في ليبيا، وفق تقديرات المحللين ومع اشتداد الأزمة قبل ثلاث سنوات، اضطر البعض من الليبيين إلى سحب أموالهم من البنوك، إما لضخها في السوق عبر التجارة وإما لتخزينها واستخدامها عند الضرورة الملحة، الأمر الذي أفضى إلى أزمة سيولة حادة. وتشير تقديرات المحللين إلى أن الأموال المتداولة خارج النطاق الرسمي في ليبيا تتجاوز 18 مليار دولار. وأفضت أزمة السيولة الناتجة عن ذلك والتي فاقمها تنامي التضخم إلى تشكل طوابير ضخمة من المتعاملين في البنوك، حيث لم يعد كثيرون قادرين على قبض رواتبهم. ودفع ذلك البنوك إلى اعتماد أنظمة للدفع الإلكتروني. ويتيح مصرف التجارة والتنمية عبر خدمة “ادفع لي” ومصرف الوحدة عبر خدمة “موبي كاش” للمتعاملين في بنغازي دفع ثمن المشتريات وفواتير المطاعم والصيدليات والمستشفيات دون الحاجة إلى السيولة. ولكن لا يبدو أن الكل راض عن هذه الخدمات الإلكترونية، فأمام المتجر ذاته في بنغازي، يشكك أيمن العبيدي (46 عاما) والذي خرج ويداه محملتان بالأغراض، في مدى فعالية أنظمة الدفع الجديدة. ويوضح أنه “لم تعد هذه الطريقة مجدية، فلقد قالوا لنا منذ انطلاق الخدمة إن الأسعار ستظل كما هي، لكنها أزيد بنحو 40 بالمئة في حال رغبت في الشراء عبر خدمة "ادفع لي". وأضاف أن “العديد من السلع ذات الجودة العالية اختفت من الأسواق التي تتعامل بالخدمة وتم استبدالها ببضائع سيئة المنشأ والجودة ونحن مضطرون إلى شرائها”. ولم يتمكن معظم الليبيين من استخدام حساباتهم البنكية منذ 2014 بسبب شح السيولة التي كانت نتيجة طبيعية للأزمة الاقتصادية وتراجع عوائد النفط، التي تعول عليها الدولة لتسيير شؤونها.أسعار السلع تزيد بنحو 40 بالمئة عبر خدمة إدفع لي التي يوفرها مصرف التجارة والتنمية وواجه المواطنون برد الشتاء وحر الصيف وهم يسمعون الإشاعات التي تفيد بعودة السيولة حيث اصطفوا لساعات دون أي ضمانات بأنهم سيتمكنون من سحب أموالهم وبذلك دمرت الأزمة ثقة الناس في القطاع المالي. وأكد موظف في أحد البنوك المحلية، طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة الصحافة الفرنسية أن “الناس لم يعودوا يثقون في البنوك”. وأضاف “يريدون التأكد من أن بإمكانهم سحب الأموال النقدية الكافية في حال حدث أمر ما أو أغلقت المصارف أبوابها، أو في حال عدم تمكنهم من مغادرة منازلهم”. ولا تزال رواتب موظفي القطاع الحكومي تُحوّل مباشرة في حساباتهم البنكية، ما اضطر الكثير منهم لاستخدام أنظمة الدفع الإلكترونية لاستخدام أموالهم. ويسمح هذا النوع من الخدمات للمشترين بتحويل الأموال إلى حساب البائع مباشرة ومن ثم يحصلون على رسالة نصية عبر الهاتف تبلغهم بأن العملية الشرائية قد تمت. ويؤكد الناطق الرسمي باسم مصرف الوحدة، المعتصم الفيتوري، أن المعاملات عبر “موبي كاش” تعتبر “آمنة”. وقال إنه “لا تحتاج بالضرورة إلى استخدام هاتف نقال ذكي عند عملية الدفع، كما لا تحتاج من التاجر امتلاك جهاز نقطة بيع بي.أو.أس تقليدي”، إلا أن البنوك تدرك بأن هذه الخدمات قد تتعرض للاستغلال. وعلى موقعه عبر الإنترنت، يدعو مصرف التجارة والتنمية المتعاملين إلى الإبلاغ عن أي زيادات في الأسعار عند الدفع عبر “ادفع لي”. وتخلت العديد من المتاجر التي كانت في البداية متحمسة لخدمات الدفع الإلكتروني عن قبول التعامل عبر هذه التطبيقات. ويشير صلاح العقوري، وهو صاحب أحد المحلات التجارية حيث يدفع زبائنه له عبر “ادفع لي” إلى أن “المصرف لم يسدد التزاماته لنا”. ويضيف “لقد قال إن بإمكاننا سحب 25 بالمئة نقديا متى نشاء من قيمة المبيعات بهذه الخدمة، لكنه عجز عن الإيفاء بذلك، وهو ما دفع البعض إلى إيقاف التعامل بها أو رفع الأسعار وهذا يعمق الأزمة ويسبب ارتفاع الأسعار أمام الجميع”.
مشاركة :