مهاب نصر | بينما تستولي أخبار العنف والدمار والصراع السياسي على الأرض السورية على اهتمام المتابعين، يأتي غاليري بوشهري في المعرض المقام فيه أخيرا ليذكر، على صعيد مغاير، بالتجربة الجمالية السورية في مجال الفنون التشكيلية. تقفز ريشة الفنان السوري فوق الدمار وتخط رؤيتها الأكثر إنسانية ودلالة على ما تطمسه صراعات السلطة والتملك ونفي الآخر. تطور أجيال المعرض لا يتوقف عند مجموعة من الفنانين، أو على عتبة جيل بعينه، بل يقدم بانوراما واسعة تكشف عن تطور الأجيال، وما أفاده اللاحق من السابق في ترسيخ هذا الفن، والخروج به من الدائرة المحلية أو الإقليمية الضيقة إلى العالمية، وما يدفع بمساره من التقليد إلى النماذج الغربية بخاصة، ومدارسها المتعددة، إلى التوفيق بينها وبين رؤية الفنان السوري وخصوصيتها، ثم إلى المساهمة الأصيلة في الحوار الجمالي بعامة. في المعرض نحن نتابع رحلة الرعيل الأول والفنانين، الذين أرسوا دعائم هذا الفن، من أمثال فاتح المدرس ونصير شورى وأدهم إسماعيل وعبدالوهاب أبو السعود وغيرهم. جيل الرواد استقت تلك المحاولات من مشارب متعددة من الواقعية والتعبيرية والسوريالية وغيرها. لكن اللافت أنها حاولت دائما أن تكون عينها على البيئة السورية، والطبيعة الحضارية العريقة للمكان. لقد أشبهت البيوت بالجداريات، ووجوه النساء بقسمات الملكات وآلهة الأساطير. فقد مثلت اللوحة التشكيلية ميدانا بصريا ثريا ليقظة مغايرة للماضي، كان ثمة بحث عن هوية تسند الحاضر، فما يلفت النظر في اللوحات المعروضة على الأقل هو أنها لا تلتفت كثيرا إلى الحياة الفردية اليومية، بقدر ما تبحث عما يمكن اعتباره «نموذجا» للشخصية، وانفعالات الفنان لا تذهب إلى تجسيد حالة عارضة، بقدر ما تحاول البحث عن نقطة التقاء بين حداثة الشكل وروح الشخصية الحضارية. رؤى جديدة يكتب غاليري بوشهري عن مراحل تطور التشكيل السوري «لقد نمت الحركة الفنية التشكيلية المعاصرة في سوريا خلال فترة زمنية وجيزة، وتطورت بشكل لافت، وتحقق لها النجاح تلو النجاح، فهي تعيش هذه السنين حالة متميزة إنتاجا وتعبيرا، محققة حضورا متميزا وصلت حد تجاوزها المستوى المحلي والإقليمي إلى المستوى العالمي، ومما لا شك فيه أن الفضل يرجع في ذلك إلى الآباء المؤسسين رواد الحركة الفنية السورية، الذين وضعوا أسس هذه الحركة، وأسهمت في تطوير الرؤية الفنية وتجديدها». حياة أكثر إنسانية لكننا في مراحل أخرى يمكننا أنا نرى انطلاقة أجيال مختلفة أفادت من الحراك السابق عليها، ومن مراحل التأسيس وتطلعت إلى التعبير الخاص عن فرادتها ورؤيتها الإنسانية بين حلم الإنسان الفرد، وبين الانشغال بالقضايا الإنسانية والقومية وغيرها. ثمة أعمال لم تعد مشغولة بالتأصيل والبحث في التاريخ، بقدر ما أصبحت عينها تستبطن هم إنسانها الخاص ولحظات حياته العابرة، لعلها تلفت إلى الوجه المضيء للتاريخ، الذي لا تنال منه الصراعات الوحشية، بل تظهره أكثر كضمير يقظ، وكإمكان دائم لحياة أكثر إنسانية وسلاما. ● لوحة «تروي» لحسكو حسكو
مشاركة :