الدعم للإسلام السياسي والجهادية قوته من العداء الموسع للغرب الناتج عن التنافر الديني والاجتماعي والثقافي. وتضمّن ذلك تباينات في الرأي حول الدين ودوره في المجتمع ومعايير السلوك الاجتماعي (مما شوّش على بعض الملاحظين المسلمين الذين يتهمون الغرب بالتفسخ الأخلاقي) والعلاقة بين الحكومة والشعب وحرية التعبير والاجتماع ومعاملة المرأة. من الناحية السياسية، لحقت العالم العربي الإهانة جراء الاحتلال الاستعماري لأراضيه، ومنذ منتصف القرن العشرين جرّاء غياب العمل الدولي الناجح لحماية الفلسطينيين من التهديد الوجودي المتأتي من إسرائيل لمطامحهم في إقامة دولتهم. ومؤخرا غذى الغزو الأميركي للعراق عام 2003 والعمل العسكري الدولي ضد طالبان في أفغانستان أسطورة سردية واحدة تزعم بأن العدوان الغربي تجاه الإسلام دون انقطاع يرجع إلى الحملات الصليبية. وأثر ذلك على النزوع إلى التطرف من قبل بعض المسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية، بما في ذلك الشباب الذين ولدوا وتربوا في البلدان الغربية، لكن وجدوا أنفسهم أمام تعقيد التوفيق بين ثقافتين متنافستين خلال فترة نضجهم. بيد أن الربيع العربي الذي بدأ في العام 2011 لم تتسبب فيه الحركات الإسلامية، بل الشباب الثائرين على الأنظمة القمعية حيث تحركوا بدافع الاحتجاج على غياب الآفاق الاقتصادية والتشغيلية. لكن التنظيمات الإسلامية المنظمة وصاحبة الخبرة والمموّلة جيدا تمكّنت من استغلال الأحداث وملء فراغ القيادة الثورية.المحاولات العربية في بداية القرن العشرين أدت لفرض الهوية القومية عن طريق ملوكيات تشرف على برلمانات إلى إفساح المجال في الخمسينات والستينات من القرن الماضي إلى أنظمة عسكرية أو أمنية علمانية في مصر فاز الإخوان المسلمون بالسلطة عن طريق وسائل دستورية، لكنهم فشلوا في النسج على منوال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في توفير الاستقرار والأمن والتحكم في المؤسسة العسكرية والنمو الاقتصادي (وقتها) قبل أن يتبع أجندة إسلامية تقوم على الحكم الفردي (مثلما هو الحال الآن). وخلافا للتجربة الجزائرية، لقي التحرك العسكري الذي أطاح بالاخوان المسلمين في سنة 2013 بتأييد واسع وحصل على المصادقة الانتخابية وتمكّن من إبعاد الإخوان دون إثارة معارضة شعبية جدية. وتواجه الحكومة المصرية تحديّا أمنيا من الجماعات الجهادية لكنها لا تواجه تهديدا وجوديا. وفي ليبيا لم يصل الإخوان المسلمون ونظراؤهم المحليون إلى حد النجاح الانتخابي حيث أجريت الانتخابات لكن المرشحين الإسلاميين منوا بالهزيمة. وربما كانوا ينتظرون نتيجة أفضل ناهيك أن الليبيين قدّموا عددا من المجندين في القاعدة أكبر من حجمهم نسبيا والجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا كانت إحدى القوى الأمامية في الحرب على نظام القذافي. وأمام هذا الواقع، وبالرغم من رفض الناخبين لهم، استعملوا قوتهم التنظيمية والعسكرية وعزمهم وخبرتهم القتالية لتخريب نتائج سلسلة من الانتخابات وفرض إرادتهم على البرلمانات المنتخبة. لكن في حين أنهم ساهموا في إحباط محاولات لبناء ليبيا جديدة، لم يستطيعوا فرض السيطرة على كامل البلاد في مواجهة قوة الآراء والعديد من الميليشيات المصطفة ضدهم. قامت السياسة البريطانية والدولية في ليبيا على تعزيز التوافق بتشريك كل الفصائل لخفض المخاطر بأن يسبب إقصاء فصيل واحد لانهيار العملية السياسية برمتها، ناهيك أن ثلاثين عاما من التسوية مع الإسلام السياسي وقصة ليبيا منذ سنة 2011 أفضت إلى وجوب تشريك الجميع. لكن سياسة تشريك جميع الأطياف بالكامل قد تحوّل الآن دون عملية سياسية ناجحة إن أعطت نوعا من حق النقض لتنظيمات وأفراد ليبيين ينظر إليهم بقية السكان على أنهم وضعوا الإسلام السياسي أمام مطامح عامة الناس السياسية والاقتصادية اليومية والأكثر علمانية. جرّب المصريون حكومة إخوانية ولم تعجبهم، والليبيون لم يرغبوا في مثل تلك الحكومة أبدا ورأوا بأمّ أعينهم الضرر الذي يمكن أن يلحقه فرض الإسلام السياسي بالقوة بآمالهم وطموحاتهم المستقبلية.
مشاركة :