مع دخول الحرب السورية عامها السابع، واستمرار نزيف الخسائر الاقتصادية والبشرية، ضاقت الأرض حتى بجثث الموتى، وراجت في العاصمة دمشق سوق سوداء لتأجير القبور في ظل ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة. في تقرير نشره موقع "نيوز ديبلي" الأميركي، قال إنه في دمشق، يستفيد المنتفعون وأثرياء الحرب من ندرة الأماكن المخصصة للدفن في العاصمة لتأجير القبور كما الشقق، ويفرضون رسوما تصل إلى 1000 دولار سنوياً مقابل قطعة صغيرة من الأرض. ومن بين هؤلاء الذين يعيشون المأساة ويعانون ويلات الحرب، "أم محمد" (60 عامًا)، وهي من سكان دمشق، حيث تخصص مبلغا صغيرا من المال من معاشها التقاعدي كل شهر، بهدف توفير ما يقرب من 900 دولار لتغطية إيجار سنة واحدة لمكان الدفن في مقبرة الناصرة، التي تقع على مشارف العاصمة. وفي حديث عبر الهاتف، قالت "أم محمد": "قبل الثورة السورية، كانت تكلفة القبر تتراوح بين 200 و400 دولار بدون رسوم سنوية"، وأشارت إلى أنه في بعض الحالات كانت يمكن للأسر توفير مكان دفن مجاني في مقابر الضواحي. غير أنه منذ بداية الحرب، امتلأت المقابر الـ33 بالعاصمة وارتفعت الأسعار، واستفاد المنتفعون من هذا الضغط على المقابر في العاصمة لاستنزاف بعض المال في ظل الطلب المرتفع على أماكن الدفن من خلال تأجير القبور، لمدة سنة واحدة. وبحسب بوابة العين فإنه على الرغم من أن هذه الممارسة محظورة رسميا من قبل الحكومة السورية، يقول سكان في العاصمة إن موظفي دوائر المقابر الحكومية وحفاري القبور العاملين في مقابر العاصمة يؤجرون قطع أراضٍ مهجورة وغير مستخدمة بأسعار تصل إلى 1000 دولار سنويا. وتظهر تجارة المقابر بالسوق السوداء أنه في ظل اقتصاد الحرب في سوريا، هناك أموال تُجنى أينما كان هناك موت وبلاء وكوارث، ليصدق المثل القائل بأن "مصائب قوم عند قوم فوائد". أرباح الموت من الصعب الحصول على إحصاءات دقيقة عن حصيلة القتلى في دمشق، ولكن وفقا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، قتل ما لا يقل عن 5 آلاف و381 مدنيا في سوريا خلال النصف الأول من عام 2017، ليصل بذلك إجمالي عدد القتلى منذ بداية الصراع في عام 2011 إلى أكثر من 400 ألف، وهذا لا يأخذ في الاعتبار أولئك الذين ماتوا لأسباب طبيعية أو غير متصلة بالحرب. وباعتبارها مقر سلطة رئيس النظام السوري بشار الأسد، فإن العاصمة تشهد سقوط قتلى أقل بكثير من المناطق المليئة بالاضطرابات مثل مدن الرقة ودير الزور التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي أو معاقل قوات المعارضة المسلحة في إدلب وضواحي الغوطة الشرقية بدمشق. ويقول سكان دمشق إن ارتفاع عدد القتلى منذ بدء الصراع يعني أنه على الرغم من أن بعض مواقع الدفن متاحة للبيع، لكنها تميل إلى أن تكون نادرة ومكلفة للغاية، ولهذا السبب، لم يكن لدى الكثير من المقيمين خيار سوى استئجار مقابر مهجورة أو غير مستخدمة سنويا، ومن خلال السداد بدفعات سنوية صغيرة، يمكن للمقيمين في العاصمة العثور على طرق لتأمين المال. وفي البلاد التي مزقتها الحرب، حتى الموتى في القبور، لم يسلموا من عمليات احتيال وقعت بحقهم، حيث خسر أبو عمر (45 عاما) الموظف العام في شركة الكهرباء الحكومية مئات الدولارات عندما حاول دفن والدته الشهر الماضي. ويحكي أبو عمر، أنه أبرم اتفاقا مع حفار قبور يعمل في مقبرة باب الصغير، بأن يعطيه مبلغ 500 دولار دفعة مقدمة للقبر ثم يدفع المبلغ المتبقي أثناء الجنازة. وقال عمر: "اتصلت بالشخص نفسه صباح يوم الجمعة، واتفقنا على الدفن في وقت مبكر من المساء، وبعد الصلاة مباشرة، ذهبنا إلى المقبرة، لنجدها مغلقة، شعرنا بالغضب والاستياء، وعندما بدأنا بالصياح، جاء رجل (يعمل هناك)، وعندما أخبرته بما حدث، قال إنني تعرضت لعملية احتيال".
مشاركة :