واشنطن/حسين عبد الحسين/الأناضول يعتقد وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا، أنه ينبغي على بلاده فرض رقابة على قناة الجزيرة الفضائية العربية، وقال الوزير خلال مؤتمر صحفي عقده مؤخرا: "حتى الديمقراطية لها حدودها". وأضاف قرا في تصريح مستمد من قواعد اللعبة التي يمارسها الحكام الأكثر استبدادا: "حرية التعبير ليست حرية التحريض وإثارة الفتنة". وما يزيد الأمور سوءا أن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل التي توصف عادة في واشنطن بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، أيّد ما قاله وزيره. ومما يجدر ذكره أن قرا، هو عضو درزي من عرب إسرائيل في حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو. ولعل هذا هو الموقف الإسرائيلي من حرية التعبير الذي هبط بالبلاد إلى المركز 91 في مؤشر الحرية لعام 2017 الذي نشرته منظمة "مراسلون بلا حدود"، يجعلها بالتالي ليست ببعيدة عن تصنيف بعض الدول غير الديمقراطية بالمنطقة. في الولايات المتحدة، تعد حرية التعبير واحدة من الحقوق الأساسية للمواطنين غير القابلة للتفاوض، كما هو منصوص عليه في التعديل الأول للدستور الأمريكي (عام 1971). وكثيرا ما كان النقاش الأمريكي حول الحرية يتم في إطار سجالات ساخنة، وأحيل نقاش حول تلك المسألة ذات مرة إلى المحكمة العليا، وهي أعلى سلطة قانونية في البلاد. لكن على سبيل المثال إذا دخل شخص إلى مسرح مزدحم وصرخ قائلا "هناك حريق" مما قد يسبب موت أشخاص عن طريق التدافع، ترى المحكمة أنه من المناسب فرض قيود على حرية التعبير في هذه الحالة. وخلال السنوات العشر التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، أعربت واشنطن عن إحباطها من قناة الجزيرة التي تتخذ من العاصمة القطرية الدوحة مقرا لها، وانتقدت في كثير من الأحيان بثها لأشرطة الفيديو التي كان يسجلها أسامة بن لادن، الذي اعتبر في ذلك الوقت "الإرهابي الأخطر" في العالم. ولم تنزعج وكالات الأمن الأمريكية من الدعاية التي قد تكون قناة الجزيرة قد أعطتها لابن لادن، لكنها كانت قلقة من إمكانية أن تكون هناك رسائل مشفرة بين ثنايا كلمات بن لادن تتضمن أوامر لأتباعه لشن مزيد من الهجمات. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل تلك الكراهية، فإن السلطات الأمريكية لم تغلق مكاتب الجزيرة أبدا ولم تسحب الاعتماد من صحفيين في المحطة. وبالتالي، وحتى إن لم تمارس واشنطن الرقابة على الجزيرة بعد هجمات سبتمبر، فما الذي ألهم تل أبيب لإغلاق مكاتب القناة في إسرائيل؟. وفقا لقرا، يرجع الأمر إلى أن "سلامة مواطنينا ورفاهيتهم تحل محل حرية التعبير خلال أوقات الإرهاب". اللافت أنه في إطار محاولاتها لإغلاق مكتب الجزيرة، استعارت إسرائيل بوضوح حججها من منتقدي القناة العرب. فمنذ أربع سنوات، تدفع السلطات المصرية على سبيل المثال بأن قناة الجزيرة تمثل "قناة إرهابية"، ويقول مؤيدو الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن القناة "تلهم الإرهاب" - أيا كان ذلك. ولأن قناة الجزيرة قد أعطت صوتا للعديد من معارضي السيسي وحلفائه العرب، فقد قام الرئيس المصري بملاحقة صحفيي القناة وأنهى عملها في مصر. والآن، يبدو أن إسرائيل تحاول إيجاد قضية مشتركة مع التحالف الرباعي بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين (المقاطعين لقطر) بالوقوف ضد الجزيرة. وتعتبر "الجزيرة" النقطة الثانية التي ذكرها الإسرائيليون بأنها "قضية مشتركة" مع الكتلة العربية المؤلفة من أربع دول بعد خوف مشترك من إيران. وقبل أيام قليلة من إعلان إسرائيل عن نيتها فرض رقابة على الجزيرة، أشاد المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية أفيخاي أدرعي بالسعودية بتصنيفها حماس على أنها جماعة "إرهابية"، وربما رفع عدد "الأسباب المشتركة" إلى ثلاثة. لكن ما لا تفهمه إسرائيل وبعض الدول الأخرى، هو أن حرية التعبير لا حدود لها، ولا يعني عدم الاتفاق مع السياسة التحريرية لمحطة ما أن يتم إنهاء عملها. فطالما أن الجزيرة لم تبث دعوات لارتكاب أعمال عنف، فينبغي السماح لها ببث كل ما تريد. ولحسن الحظ، وعلى الرغم من تصريحات قرا، ومديح نتنياهو له، يبدو أن القانون والمؤسسات الإسرائيلية ستمنع الحكومة في نهاية المطاف من إغلاق قناة الجزيرة. وقد اشارت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية الى انه ليس من حق "قرا" تعليق اعتماد الصحافيين، وأن وكالات الأمن الإسرائيلية فقط هي من يحق لها ذلك. على الرغم من ذلك، وعلى خلفية القيل والقال والسخط الذي بلغ أعلى مستوياته في السياسة العربية، خاصة وأن الكتلة المكونة من أربع دول قررت مضايقة الدوحة، الآن يبدو أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تريد أيضا أن تشارك في ذلك. لكن إسرائيل قد تكون أكثر حظا من جيرانها. ففي إسرائيل، يبدو أن المؤسسات تؤدي أدوارها وترسم خطوطا واضحة بين المعارضين لإسرائيل و"الإرهابيين الذين ينتهجون العنف". وفي الدول العربية، بعكس ما يحدث في بعض الدول من جيرانها. وكانت إسرائيل قررت مؤخرا إلغاء اعتماد صحفيي قناة الجزيرة وإغلاق مكتبها في إسرائيل، بعد نحو أسبوعين من تصريحات لرئيس الحكومة نتنياهو والتي دعا فيها إلى إغلاق مكتب القناة بعد تغطيتها لأحداث الحرم القدسي وتركيب إسرائيل البوابات الإلكترونية والتي اندلعت على إثرها مواجهات واعتصامات كبيرة أدت في النهاية لإزالتها. وسبق أن كتب نتنياهو على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن قناة الجزيرة "تواصل التحريض على العنف حول جبل الهيكل" في إشارة إلى الحرم القدسي. ------------------------------- • الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن كاتبه ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لوكالة الأناضول. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :