الجزيرة من "الرأي والرأي الأخر" إلى الواقع المُعزز

  • 1/13/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تونس - تلتحف شبكة الجزيرة القطرية بشعار "الرأي والرأي الاخر"، لكن ما الذي يحدث ان غاب سند هذا "الرأي الاخر" وما يبرره؟ فريق الأخبار في موقع القناة الناطق بالانكليزية قدم الجمعة اجابة شافية عن هذا السؤال الحارق: نصنع الواقع الآخر ونعلق عليه. قد يبدو من المبالغ كيل تهمة "الفبركة" لقناة وشبكة إخبارية في حجم الجزيرة، تمويلا وإمكانيات على الاقل، لكن ما نشره موقعها تعليقا على الاحداث المتسارعة في تونس قبل سحبه وتعديله لا يمكن ان يصنف الا على هذه الشاكلة او ربما ببعض الاجتهاد قد يوضع في قسم الفانتازيا الأدبية والخيال العلمي. يعنون محررو الجزيرة في مقالهم المغدور "توسع متوقع لرقعة الاحتجاجات في تونس بعد إيقافات بالجملة". والخلاصة التي يقدمها المقال مناقضة لاتجاه الاحداث في تونس نحو الهدوء عقب اسبوع ساخن، تبدو بحاجة اكيدة لما يدعمها اعتمادا على وقائع محددة.. وهنا يستنجد محرر الجزيرة بالخيال ويقتل بجرة قلم أربعين متظاهرا دفعة واحدة. والاثنين، في العالم الحقيقي حيث نعيش، أوقعت اشتباكات عنيفة بين قوات الامن التونسية ومتظاهرين قتيلا في حادث تقول وزارة الداخلية انه نتج عن اختناق بالغاز وتشير شواهد كثيرة لكونه لم يخل من دلائل على استخدام مفرط للقوة. لكن مقال الجزيرة المتعطش لفرض انطباعات تستشرف مزيدا من الاحتقان لم يكن ليرضى بضحية واحدة، خصوصا بعد ليلة خميس هادئة وخالية من تخريب ليلي شوه حراكا شبابيا نهاريا وقوده ارتفاع الاسعار. "وتقدر الحكومة التونسية عدد القتلى اثناء الاحتجاجات الأخيرة بـ21 ضحية، لكن مجموعات حقوقية ترفع العدد الى الضعف"، يؤكد صاحب المقال. ولا يتوقف الصحفي (او الصحفيون) عند انتزاع تصريحات حكومية وحقوقية مفبركة، بل يذهب ابعد مستشهدا بمسؤول أممي من ارفع طراز. "وطالبت مفوض حقوق الإنسان بالأمم المتحدة نافي بيلي الحكومة التونسية بوقف الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين". ويستطرد المقال "من الضروري على الحكومة فتح تحقيق مستقل وشفاف في العنف والقتل.. يتوجب ملاحقة المتورطين قضائيا وتحقيق العدالة". حسنا، الان بات بوسع القارئ ان يستنتج ان دماء بهذه الوفرة وقمعا بهذه الوحشية وتدخلا امميا بهذه الحدة لا يمكن الا ان يمهد لمزيد من التصعيد و"توسع رقعة الاحتجاجات"، وهنا تنتهي الحاجة للخيال ويعود المقال الى الجادة والدقة في سرد المعطيات والارقام. ولعل الفكرة الاولى التي تراود قارئا مطلعا على مآل الاحتجاجات في تونس وصيرورتها هي ان الاحداث المذكرة تعود الى بداية العام 2011 وسط زخم الانتفاضة التونسية. وبالاستنجاد بمحرك البحث غوغل يتضح ان قسم الاخبار في الجزيرة براء من الفبركة، هو فقط مسافر في الزمن. والتصريحات المزعومة والمنسوبة للمسؤولة الاممية تعود في الحقيقة الى العام 2012 تعليقا على ما بات يعرف في تونس بأحداث الرش في سليانة، عندما قمعت حكومة النهضة الاخوانية متظاهرين سلميين باستخدام بنادق تستعمل في الصيد وأوقعت اكثر من 220 مصابا. على فرض ان المحرر وقع سهوا في خطأ اعادة تداول تصريحات تعود لستة سنوات خلت، من اين أتى برقم القتلى؟ كمهووس بالتكنولوجيا ليس بوسعي الا تقديم الاجابة التالية عن هذا اللغز.. الزملاء في الجزيرة استنجدوا بالواقع المعزز وهي تقنية بصرية تقوم على خلط الواقع بالخيال عبر إسقاط الأجسام الافتراضية والمعلومات في بيئة المستخدم الحقيقية وامام عينيه مباشرة من خلال نظارات وخوذ خاصة. عودة الجزيرة الى "الواقع المجرد" لم تتأخر كثيرا، اذ ساعات بعد نشر المقال وتداوله على الشبكات الاجتماعية عدلته وتخلصت من كل "الطفرات التكنولوجية" فيه مع ملحوظة صغيرة في ركن قصي تقول "نسخة سابقة من التقرير أخطأت في تحديد عدد القتلى". لعل سقطات الجزيرة في تناول الشأن التونسي ليست قليلة، لكن الأخيرة تميزت بحجز مكان تحت القاع.. لا رأي ولا رأي آخر.. ولا تقديس للخبر.

مشاركة :