عمر سلمان 2017-08-11 12:11 AM انقسم العرب بعد دخول قوات الاحتلال الأميركي والجيوش المتحالفة معها إلى العاصمة العراقية بغداد في 2003، وإعلانها إسقاط نظام صدام حسين، بين حزين وسعيد وحائر، لكن الجميع لزموا أماكنهم، ولم يقتربوا من العراق، عكس إيران التي حضرت منذ اللحظة الأولى وكانت مستعدة لملء الفراغ السياسي والعسكري، وبالفعل حدث ذلك تحت نظر ورضا الولايات المتحدة الأميركية. لم تتعب طهران في ملء الفراغ السياسي كثيرا، إذ كان لديها ما يكفي من الذين يدينون لها بالولاء المطلق من معارضي نظام صدام حسين آنذاك، والذين سيطروا على المشهد السياسي منذ 2003 وحتى اليوم. بعد ذلك، عملت على تأسيس ميليشيات مسلحة نمت وتكاثرت على مدى السنين الماضية، حتى غدت قوة فوق القانون، وهذه الميليشيات بدأ يشتكي من ممارساتها حتى رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي. جناحا السياسة والأمن اللذان خضعا للإرادة الإيرانية، حلّقا بالعراق بعيدا عن محيطه العربي، وقاوما بشكل قوي ومنظم محاولات العرب الخجولة للتقرب إلى بغداد على مدى أربعة عشر عاما، وتسنى لطهران خلال هذه الفترة إعادة بناء النظام العراقي بما يخدم مصالحها، فتجذّر الفكر الطائفي الذي يقوم على المحاصصة والسعي إلى اجتثاث الآخر، وهو الأمر الذي أدخل البلد في نفق مظلم جعل الناس يعتقدون أنهم ماضون إلى اللاعودة. إلا أن ما نشهده اليوم من زيارات وتفاعلات دبلوماسية إيجابية، وعلى مستوى رفيع بين العراق والمملكة العربية السعودية، أعاد الأمل في نفوس كثيرين، لأنه كان بمثابة الضوء في نهاية النفق. إذ يقع على عاتق المملكة إعادة العراق إلى حضنه العربي، لأنها هي الدولة الوحيدة القادرة على فعل ذلك، لما تمثّله من ثقل عربي وإسلامي، وأيضا مكانتها المهمة في خارطة التوازنات بالمنطقة، وهي تعي جيدا وتؤمن بضرورة عدم ترك العراقيين في مهب الريح، تتلقفهم الإرادات الأخرى التي تحاول جاهدة طمس الهوية العربية للعراق. ما يدعو إلى التفاؤل، هي الخطوات العملية التي بدأنا نراها على أرض الواقع، كتأسيس لجان مشتركة لتعزيز التعاون بين البلدين، وإعادة فتح المنافذ البرية، إضافة إلى استئناف حركة الطيران بشكل مباشر بين بغداد والرياض، فضلا عن وجود نية لإعادة وصول السفن بشكل مباشر بين السعودية والعراق، وذلك بعد أن ظلت منقطعة منذ خمسين عاما، وهذا هو المهم والأهم، لأنه يدل على رغبة جادة في طي صفحة الماضي، وتحطيم جليد الخلافات بين البلدين. كما أن هذه الخطوات تدل -وبما لا يدع مجالا للشك- أن العودة العربية قادمة، وأن العودة إلى الخلف توقفت، وهي تأكيد على عمق العراق العربي، كما أنها فرصة ثمينة لتجسير العلاقة، وإعادة بناء الثقة بين البلدين، بما من شأنه إعادة بناء عراق آمن ومستقر داخليا، ومؤثر وفعال في الساحة الخارجية. ورُبَّ سائل يسأل: «هل سيكون طريق التقارب العراقي العربي خاليا من المطبات والعقبات؟». بالتأكيد لا، فأكثر المتضررين والخاسرين من هذا التقارب هي إيران التي لها أدوات فاعلة في الساحة العراقية، وبالطبع لن تسكت وستواجه ذلك بشراسة، ولا أدَلُّ على ذلك من وصف الكاتب والمحلل السياسي الإيراني مصدق مصدق بور، زيارة مقتدى الصدر إلى السعودية واستقباله من نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير محمد بن سلمان، بأنها «خطوة جرحت مشاعر المسلمين»!، والحقيقة أنها جرحت إيران فقط. لكن، لا خيار للعراق سوى المضي قُدما في تعزيز علاقته بمحيطه العربي، فلم يجنِ من إيران سوى تعزيز حالة الانقسام المجتمعي، وزرع بذور التفرقة بين أبنائه، وإضعاف مؤسسات الدولة، فضلا عن المخدرات والميليشيات المسلحة. الصورة اليوم أوضح مما مضى، والمنطقة مُقبلة على مرحلة جديدة بإرادة دولية، لذلك ليس من مصلحة العرب أن يبقى العراق بعيدا عن حضنه العربي، ولا من مصلحة العراق أن يبقى بعيدا عن أشقائه، ولتعلم السعودية وكل الدول العربية الأخرى، أن كلّ خطوة يخطوها العراق باتجاههم تعني تراجع إيران خطوة إلى الوراء، وكل خطوة يخطوها باتجاه إيران، تعني تقدّم إيران خطوة باتجاههم. ختاما: هبّت رياح الإرهاب والطائفية والتشرذم على البلدان العربية منذ اليوم الأول الذي هيمنت فيه طهران على العراق، ولن تتوقف هذه الرياح عن الهبوب باتجاههم حتى يعود العراق إلى العرب، ويغلق بابه في وجه إيران، باستثناء العلاقات الدبوماسية القائمة على احترام السيادة العراقية، وعدم التدخل في شؤونه. فبادروا يا عرب!.
مشاركة :