يُقال إن إيران دولة ديمقراطية. هناك تداول سلمي للسلطة وهناك انتخابات يُقال إنها نزيهة تُجرى في أوقات محددة وهناك متنافسون على منصب الرئاسة. كل هذا صحيح، غير أن سقف السلطة لا يقف عند حدود تلك الحقائق. فالولي الفقيه يحكم بسلطة مطلقة متربعا على كرسيه في مكان يقع فوق السلطات والشعب والبرلمان والانتخابات والمتنافسين فيها. كما أن الولي الفقيه باق في ولايته إلا إذا أصيب بالخرف. وهو ما لا يمكن التأكد منه في ظل سيادة فكر خرافي لا يمت إلى العقل بصلة. فإن قال الولي الفقيه ما لا يُعقل بسبب اصابته بالخرف فإن كلامه سرعان ما يدخل ضمن المرويات الدينية المشاعة شعبيا ليمتزج بها فلا يبدو غرائبيا، بل يتم اعتماده باعتباره نوعا من المعجزات. سلطة الولي الفقيه المطلقة وهي سلطة مستلهمة من مكانته المجازية باعتباره وسيطا ووصيا على أرث الامام الغائب لا تقف عند حد بعينه. ذلك لأنها تمزج الدنيوي بالديني في علاقة لا يمكن تفكيك عناصرها أو الفصل بين تلك العناصر في سياق المنطق الغيبي الذي يحكم إيران. إيران التي يلحقها البعض بالدول الديمقراطية هي دولة شمولية لا صلة بها بآليات العمل الديمقراطي. ما يجري هناك من تداول للسلطة هو نوع من انتقال الحكم بين اجنحة سياسية، كلها تؤمن بالفكر الشمولي الذي تقود خيوطه إلى الولي الفقيه. يتصارع الإصلاحيون والمحافظون في الانتخابات تحت عباءة الولي الفقيه. الطرفان يجمعان لا على الولاء للولي الفقيه حسب بل وأيضا على التسليم بسلطته المطلقة التي تفتح أبواب الدنيا على الآخرة وبالعكس. ما يقوله الولي الفقيه لا يقبل النقاش ولا المساءلة ولا المراجعة. وهو ما يعني أن أحدا، كائنا من كان لا يجرؤ على أن يقول كلمة يمكن أن تعبر عن استفهام في ما يتعلق بما يقوله الولي الفقيه. مشكلة إيران تكمن في أن السلطة الدينية تهب الولي الفقيه سلطة دنيوية، تُعامَل كما لو أنها سلطة دينية غير قابلة للجدل. فهل يمكن أن يُقام السباق الى الرئاسة من غير موافقة الولي الفقيه؟ الجدل السياسي الإيراني في الداخل لا يمس ثوابت الرؤية العقائدية القائمة على فكرة ولاية الفقيه الشاملة والمطلقة. كل ما يجري هناك هو أشبه بالحوار العائلي الذي لا يسمح للمتحاورين بالخروج عن النص المكتوب سلفا. لذلك فإن وصف ما يجري في إيران باعتباره نوعا من الديمقراطية ينطوي على الكثير من التجني على مفهوم الديمقراطية. فإذا افترضنا أن الشعب الإيراني يملك كل الحرية في اختيار مَن يمثله بين المتنافسين على الوصول إلى السلطة فإن أولئك المتنافسين يتم انتقاؤهم بعناية بما يتناسب مع النظام الشمولي القائم على التسليم بسلطة الولي الفقيه. وفق كل تلك المعطيات فإن الاستبداد هو الوصف الدقيق لطبيعة النظام الحاكم في إيران. وهو ما يلقي بظلال قاتمة على أي حراك شعبي يهدف إلى التغيير، ذلك لأنه صار واضحا بالنسبة لدعاة التغيير أن كل جهودهم من أجل تحسين الأوضاع المعيشية لن تصل إلى هدفها من خلال الاحتجاج على الأداء الحكومي المباشر. لا لشيء إلا لأن تلك الجهود ستصطدم بجدار الولاء للولي الفقيه. فمؤسسات الحكم المباركة من قبل الولي الفقيه لا يمكن المس بها إلا إذا قرر الولي الفقيه بنفسه القيام بذلك. وهو ما حدا بمتظاهري الاحتجاجات الأخيرة إلى أن يصبوا لعناتهم مباشرة على سلطة الولي الفقيه، وهو تطور خطير في الوعي الشعبي الإيراني الذي تم اختطافه عبر أربعين سنة من خلال لعبة، كان هدفها الضحك عليه وتسليته بطريقة مريرة بملهاة غربية عنوانها الديمقراطية، لا يؤمن بها أحد من المستفيدين منها. أولئك المشاركين في تكريس سلطة الاستبداد. ديكتاتورية الولي الفقيه تضع إيران في مكانها الحقيقي، دولة محكومة بقوة خرافة التفويض الإلهي التي قضت عليها منذ قرون ديمقراطية العصور الحديثة. فاروق يوسف
مشاركة :