تقول الشاعرة والاعلامية ميسون أبو بكر لو أننا أمة تقرأ كما يجب لتغير الحال من حال إلى حال. ولكننا شغلنا عن القراءة بملوثات التقنية التي هي لم نستغلها بالشكل الايجابي الذي يجب أن تكون عليه، معلنة تجاهلها لنساء قررن رفع أصواتهن من أجل الإثارة والقفز عن أسوار شائكة ليس من أجل الحقيقة إنما رغبة بالظهور والشهرة. جاء ذلك خلال حديثها لثقافة اليوم على منضدة قصتي مع كتاب لتروي لنا حكايتها مع رواية ( طعام.. صلاة.. حب) للروائية الاميريكية إليزابيث جيلبرت حيث تقول ميسون عنها، رافقتني لشهر كامل تفاعلت مع سيرتها لما فيها من الصراحة والبوح فإلى الحوار. سفري الدائم وعشقي لزيارة البلدان وسبر أغوارها زاد شغفي بالرواية * ما الكتاب الذي أحدث تأثيرا فيك بعد قراءته؟ - لا شك أن هناك كتبا بالمئات تملأ مكتبتي التي تؤثث جدران إحدى الغرف، هي بمثابة واحة للقراءة والتي أقصدها أحايين كثيرة هربا من الواقع الجاف إلى حضرة كتاب، دواوين شعرية وكتب تاريخية وروايات عربية ومترجمة وكتب نقدية وإصدارات الأندية الأدبية والملتقيات التي احرص على اقتنائها، ورغم أن الكتب الالكترونية أصبحت سهلة المنال اليوم إلا إنني حتى اللحظة لا أجد لها لذة كالكتب الورقية التي أطرز هوامشها بقلمي الرصاص، ويعز عليّ أن أعيرها، لذلك هو عليّ أهون أن أسعى لشراء نسخة جديدة لمن يسألني كتابا ولا أترك أبدا مكان كتاب خاليا في مكتبتي، لكن من كل هذه الكتب التي قرأتها وترك بي أثرا هو رواية لروائية الأمريكية إليزابيث جيلبرت ( طعام.. صلاة.. حب) امرأة تبحث عن كل شيء، والرواية مترجمة إلى العربية، حين بدأت بقراءتها ذهبت لعالم واقعي عاشته صاحبة الرواية،وكان الكتاب رفيقي لشهر كامل تفاعلت مع سيرتها التي أوردتها في رواية هادفة ذات أسلوب مشوق وقد صحبتنا معها إلى بلاد البيتزا إيطاليا.. ثم إلى بلاد التأمل واليوغا الهند فأندونيسيا بطبيعتها الساحرة ثم تظل الكاتبة غير بعيدة من أمريكا موطنها الأصلي الذي لا تلبث أن تذكرنا ببعض ذكرياتها فيه بين الحين والآخر بصوت أنثوي صادق حضر جليا من خلال النبش عميقا في سيرة الكاتبة وذاتها التي كانت طوال الرواية صادقة أمام قارئها الذي أكاد أزعم تماما أنه إلى جانب ثقافة البلدان التي قدمتها إليزابيث وصور مختلفة منها فإنها قدمت طريقا ناجحا للحياة ونضالا شرسا قاومت من خلاله ألم ذاكرتها وتجاوزت ضعف الأنثى الحبيبة لتتحول إلى امرأة راشدة من خلال صبرها وقدرتها على تجاوز محنتها، شبهت روايتها بالمسبحة التي تدعى بلغة أهل الهند (جابا مالاس) وتتألف التقليدية منها من حبات، وقد قررت جيلبريت تقسيم الكتاب على غرار الجابا مالا فقسمته الى حكايات، تسعى فيها لإيجاد التوازن، والسعادة الداخلية، ولأنها آمنت بأن الشفاء والسلام لا يأتيان الا من الوحدة لذلك آثرت السفر وحيدة، فقد اقتنعت عبر سنوات معاناتها أن الوصول الى نفسها بالكتابة هو المنجي لها في كثير من أوقات البؤس، جعلت من نفسها صديقة تكتب لها وتشاهدها في المرايا، وتسمع صوتها في هدوء الليل وسط وحدتها، ربما بسبب سفري الدائم وعشقي لزيارة البلدان البعيدة وسبر أغوار المدن وأحيانا الريف زاد شغفي بالرواية من الصفحات الاولى التي بدأت تتحدث فيها الكاتبة عن إيطاليا التي وصفتها بأنها ثقافة تمجد اللذة والجمال، ومحاولاتها لدراسة الإيطالية التي وصفتها بأنها اللغة الأكثر جمالا وسحرا في العالم، ولفهم هذا يجب ان نفهم ان أوروبا حيث كانت فيما مضى مسرحا لعدد لا يحصى من اللهجات اللاتينية المنشأ التي تحولت على مر القرون للغات مستقلة، اذ ان المدينة الأقوى تحدد في النهاية لغة البلد بأكمله جوهر كتاب جيلبريت حول رغبتها في أداء الطقوس الروحانية وعادة ما ينجذب إليها البشر لإيجاد مكان آمن ترتاح فيه أحاسيسهم الأكثر تعقيدا للفرح أو الحزن، لكي لا يجرونها معهم للأبد ويثقلون كاهلهم بها، ففي النهاية كل شيء يمضي وقد كانت التمارين الروحية التي مارستها هي السبيل للتغلب على أفكارها السلبية التي نصحها زميلها ريتشارد في المعتزل في الهند أن تتعلم كيف تختار أفكارها تماما كما تختار ملابسها كل يوم، كي تستطيع أن تسيطر على حياتها ثم كان هو السر أن تتجاوز وهم ارتباطها الأبدي بمن كانت تحب حيث أقنعها بأن حبها لديفيد ليس سوى البداية فقد تذوقت الحب وحسب، ولم يكن إلا حبا دنيويا محدودا، فقد كان عليها أن تنتظر لترى كم يمكنها أن تحب أعمق من ذلك فلديها القدرة لحب العالم بأسره ذات يوم ما. في كتابتها، في تجاوز محنتها.. في علاجها الروحي كان السؤال الذي يخالجها هو هل تستطيع التصرف برصانة أمها في زواجها؟ أن تكون مستقلة وقوية ومكتفية ذاتيا، وقادرة على البقاء دون جرعات من الرومانسية أو الغزل كانت تفتقد إليها في أحايين كثيرة في حياتها من زوج هو مزارع يشكل حالة غريبة كما وصفه أحد أصدقاء إليزابيث التي كانت ترى أمامها أما تتلقى حب وحنان زوجها كلما فكر في منحه وتضطر للابتعاد جانبا للعناية بنفسها كلما انعزل هذا الزوج إلى عالم النسيان والغفلة الخاص به، وقد كبرت الكاتبة كما تقول وهي ترى أمها لم تطلب شيئا من أحد، مما جعلها تطرح السؤال على نفسها: هل تستطيع أن تنهج نهج أمها في العزلة لفترات قد تكتفي بذاتها وعلى البقاء بدون شريك؟ كون الكاتبة بقيت وحيدة لفترة من الزمن انشغلت بعزلتها وتأملها كانت تخاطب نفسها: كوني وحيدة.. تعرّفي إلى طريقتك في الوحدة، ضعي لها خريطة جالسي الوحدة لمرة واحدة في حياتك، عيشي هذه التجربة الإنسانية دون أن تستعملي جسدا أو مشاعر شخص آخر كلوح تعلقين عليه كل احتياجاتك". من الواضح في هذا الخطاب النفسي أن هناك صراعا في نفس المرأة مع ذاتها حول العيش بدون رجل ويظهر هذا من خلال تعزيتها لنفسها وإن دل إنما يدلنا على الحاجة الماسة في هذه الحياة لهذا الثنائي.. المرأة والرجل وقد أبدعت الكاتبة في وصف هذه الحاجة بشفافية وصدق دون أن ينقص من قيمتها الإنسانية أو الأدبية. * ما نوع التأثير؟ وهل أنتِ مقتنعة به. وما مدى استمرار تأثيره؟ - نعم تأثرت كثيراً بالكتاب لأنه سيرة كتبت بلغة أدبية فيها الكثير من الصراحة والبوح ولان إليزابيث كانت من النساء اللاتي أفلحن في كتاباتهن في التعبير عن قضاياهن الخاصة والعامة، وسوف أتجاهل هنا تلك النساء التي ما كانت أصواتهن إلا لإثارة الزوابع والقفز عن أسوار شائكة لا يستعرضن حقيقة ما خلفها بل لمجرد الظهور والشهرة، كما اني اهديت نسخا كثيرة من الكتاب للذين حدثتهم عنه وتشوقوا لقراءته ولمعرفة السر الذي قد يكون غير مسار حياتي منذ أن قرأته. * هل ترين أن القراءة محرك او دافع للتغيير في وقتنا الحاضر؟ _ القراءة فضاء من الفكر، سبيل إلى المعرفة. محصلة من الثقافة والمشاعر، قد يسافر بك كتاب إلى مئات من السنين مضت، وقد يأتيك آخر بمالم تزود، في مجموع ما قرأنا تجارب العشرات، ولو كنا أمة تقرأ كما يجب أن تكون لتغير الحال من حال إلى حال، لكن شغلنا عن القراءة بملوثات التقنية ولم نستغلها بالشكل الإيجابي الذي لابد أن تكون عليه، الامم التي انشغلت بالفكر والكتب أصبحت في المقدمة، وبالنسبة لشعوبنا القراءة ترف يقتصر على فئة محدودة ولكنني دائما أيقن أن الكتاب هو الصديق الذي لا يخونك والسبيل الذي يصل بك للعلا، والونيس الأنيس.
مشاركة :