السرد لا يكون أصيلا إلا إذا جاء على هيئة الكاتب بقلم: محمد الحمامصي

  • 8/12/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الأديب الأردني يوسف بكار لثمانية عشر مبدعا ومبدعة من الأردن وفلسطين في الشعر والسّرد والدّرس الأدبي، هم الذين كلف بإعداد سيرهم إعدادا موسوعيا من لجنة “قاموس الأدب العربي الحديث” بإشراف المفكر المصري حمدي السّكّوت لتدرج في الطبعة الثالثة من القاموس الصادر عن دار الشروق. والمبدعون والمبدعات الذين ضمهم الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” هم إبراهيم طوقان، وإبراهيم نصرالله، وإلياس فركوح، وأمجد ناصر، وتيسير سبول، وثريا ملحس، وحيدر محمود، وراضي صدّوق، وسميحة خريس، وعبدالرحيم عمر، وعبدالمنعم الرّفاعي، وعزّالدين المناصرة، وعيسى النّاعوري، وفدوى طوقان، ومحمد القيسيّ، ومصطفى وهبي التل (عرار)، ومؤنس الرزاز ويعقوب العودات (البدوي الملثم). والتراجم لا تقف عند الترجمة التعريفية سيرة وإنتاجا فحسب، إنما يرفدها بكار بتنويرات نقدية مهمة كاشفة عمّا في أعمال المبدع أو المبدعة من سمات عامة في المضمون والفن علها تنير معالم للمتلقين، ويكون فيها عون وفائدة للباحثين والدّارسين والنقّاد، فضلا عن ذكر المصادر والمراجع. كتاب الحرية في سياق ترجمته لإبراهيم طوقان (1905-1941)، قال يوسف بكار “كان إبراهيم من شعراء الجيل اللاحق بالإحيائيين، وكان عاشقا للموروث الأدبي، لا سيما الشعر، وحريصا عليه، وأحد الدعاة الكبار للعناية بكنوزه، وحافظا لمنتخبات كثيرة من عيونه، وهو ما أعانه على أن يوظف جياده أدوات فنية طيّعة ينداح نفوذها وآثارها في شعره اندياحا نهائيا تناصيا يتعانق عناقا حميميّا مع ذاته الشاعرة التي أضافت وتغرّدت وتفوّقت أحيانا، كما يتجلى في تأثره الكبير بشاعره الأثير المتنبي وبأبي العلاء وغيرهما من شعراء العصر العباسي والعصور السابقة، ناهيك بتأثير الغزلين الأمويين والعباسيين الحسّيين والعذريين، لا سيما العباس بن الأحنف”. ومع ذلك، يستدرك بكار قائلا “لكنه كان -على الرغم من هذا- ذا موقف متشدّد مما في التراث الشعري من سخافات من مثل ‘حساب الجُمل’ وشعر المناسبات الرخيص، وألاعيب التشطير والتخميس، أما الشعر العربي المعاصر فكان موقفه منه يتّسم بالصدود والحذر ما خلا استثناءات قليلة لشعر بعض التقليديين والرومانسيين والمهجريين ونفر من مجامليه وأتباع مذهبه، ولا نعدم أن نجد لبعضهم -فضلا عن شوقي وحافظ- نفوذا فيه كمعروف الرصافي مثلا، وأن نجد له هو نفوذا في آخرين كتلميذه عبدالرحيم محمود وعمر أبي ريشة وإبراهيم ناجي”.إبراهيم نصرالله شاعر تفعيلي يتسم شعره بالغنائية الرومانسية وقال عن إبراهيم نصرالله “إنه مبدع متكامل وفاقا لإيمانه بأن مقتل المبدع في عدم تنوُّعه، إن عالمه الروائي الموغل في الحداثة مبنًى ومعنًى وشكلًا ومحتوًى لا يمكن عزله عنه فنانا وشاعرا ومثقفا يعي رسالته ومحيطه وعالمه وما ينداح فيه من ظواهر ومشكلات وتحديات، وما أكثر ما يردّد في شهاداته الإبداعية أن ليس في مُكنته أن يفصل الشعر عن الرواية أو يعزل الإبداع عن تجارب الحياة والثقافة والأحلام، ما يتحقق منها وما لم يتحقق، وهذا هو سرّ وصف تجربته بتنوُّعها الإبداعي وانشغالاته الشعرية والسَّردية والنقدية والبصرية بأنها ‘عابرة أجناس’، فالقصيدة تعتمد تقنيات السَّرد الذي يستعير منها لغتها، والرواية تنهل من معين أدوات السينما، واللوحة من جماليات الموسيقى، وإيقاع القصيدة، والدراسات النقدية تستوحي أسئلة الشعر”. وأشار إلى أن نصرالله شاعر تفعيلي يتّسم شعره بالغنائية الرومانسية الشفَّافة والنفس الملحمي، نظم القصائد الملحمية والطويلة والقصيرة، لا سيما في “عواصف القلب” و”حطب أخضر”. وشهد شعره تحوّلات كثيرة لإيمانه بالتجريب، أما موضوعاته فمحليّة ووجوديّة وإنسانيّة، لقد حاول، وما زال، أن يبوح بكلّ ما في نفسه من غُصص وقلق وألم وانحياز لكلّ حر وطيّب وجميل، تتألق في شعره وإبداعاته كافة اللحمة بينه وبين قضيته الفلسطينية التي يعبّر عنها بتلقائية عقلانية إنسانية وهّاجة، ويهتم بالمهمّشين كثيرا. أما القاص والروائي إلياس فركوح فرأى بكار أنه “مبدع ذو نزوع قومي متأجّج، وهو من أكثر المبدعين كلاما، بصدق وتواضع، على كتاباته من خلال حواراته وشهاداته المتعاقبة كما في “بيان الوعي المستريب” و”النهر ليس هو النهر” و”أشهد عليَّ.. أشهد علينا”، التي ترصد بداياته وتطوره الفني وقراءاته وتأثراته، وهي ضرورات لازبة لمن يقتحم حماه الإبداعي. ولفت إلى أن فركوح يعترف بأن كتاباته جاءت متأخرة، وإن كانت كامنة فيه منذ الأزل، وأن القصة الأولى لـمّا تُكتب، وأن مجموعاته ليست أكثر من حفنة محاولات فاشلة تقصّدت القبض على تلك الأولى.. الكتابة في رأيه هي الحريّة، وتواصل مع كلّ شيء، وهو لا يقيم حاجزا بين الكاتب والمكتوب، ولا يبني جدارا بين الواقع والواقع وبين الواقع والنص، والسرد لا يكون أصيلا إلَّا إذا جاء على هيئة كاتبه، أي أن تكون كتابته أصيلة.سميحة خريس في رواياتها تنتصر للإنسان وتبحث في أحلامه وفي سياق ترجمته للروائية سميحة خريس قال يوسف بكار “تُعد رواياتها، على اختلاف مستوياتها الفنية، روافد جديدة ومهمة للرواية العربية عامة، بحيث لا يخلو أيّ منها من أمارة تمرّد على السائد المعروف فيها، وتكاد جميعها تشفّ عن تحولات الواقع والإبداع في آن واحد، فتنحو في غير وجهة فنيّة من واقعيّة وواقعيّة نقديّة وواقعيّة سحريّة، ورمزيّة، ناهيك بتعدد تقنياتها حتى في الرواية الواحدة”. وأضاف “إن رواياتها تنتصر للإنسان، وتبحث في أحلامه وتحلِّق به إلى آفاق واسعة جديدة، ويمكن أن تصنّف في ضربين:الأول، روايات الذات التي تُعنى بالإشكالات النفسيّة والاجتماعيّة للمرأة تحديدا، وبإشكاليّة العلاقة بين الرجل والمرأة، والآخر، وهو الأغلب، كلاسيكيّات أدبيّة لا تخلو من التجريب والحداثة، يتجلَّى هذا المزج بأدق التفاصيل والشكل واللغة، والعودة إلى التاريخ، وقراءة الماضي بعيون معاصرة، والاهتمام بعنصري الزمان والمكان وتأثر الإنسان بوقائع الأحداث”. ورأى بكار في ترجمته للشاعر عبدالرحيم عمر (1929-1993) أنه كان من روّاد الحركة الشعريّة الحديثة في الأردن، وكان يراوح بين الشعر الشطري والتفعيلي، الذي كان يرى فيه تطويرا للأول لا إلغاء له، وأنه الأصلح للاتجاه إلى البساطة لا السذاجة على ألَّا يكون فريسة الغرابة والتعمية والتقليد، وألَّا يهمل الموسيقى الشعريّة أو يعتدي عليها ويعبث باللّغة ويجعل لغة المجاز ضربا من اللامعقول، لأن الشعر هو اللّغة المشتركة بين الشاعر والمتلقي، كما كان يراوح بين المذاهب الشعريّة من رومانسيّة وواقعيّة، وواقعيّة جديدة ورمزيّة وفقا للرؤية والموقف والموقع، ويزاوج بينها أحيانا. وأكد أن شعره جاء طافحا بالشعريّة بشتّى عناصرها ومكوّناتها، مستفيدا من الموروث في تشكيل تجربته وفي تجديده باستخدام القناع والأسطورة من مصادرها كافة في شعره الغنائي ومسرحياته، واستلهام الأحداث التاريخية والشخصيات، التاريخية والشعرية، وتوظيفها.إلياس فركوح "مبدع ذو نزوع قومي متأجّج" وقال بكار “كان عبدالرحيم ملتزما بقضايا الأمة والإنسانيّة والدّفاع عنها، فشعره يغصّ بالوجع انطلاقا من رأيه أن واجب الشعر أن يحقّق الاتحاد بين الخاص والعام، ويغنّي للحقّ والجمال والبطولة، ويربطها بالأرض والناس في حياتهم اليومية وهمومهم.. كان شاعرا يحب الدنيا ويحدب عليها ويغار، ويحاول أن يرسم لها طريقا سلاحه الكلمة ومادته الفكرة والناس هدفه وهواه، وإن كان يوقن أنه أعجز من أن يمسك بزمامها أو يحدّد سيرتها”. رواد متأصلون عن الأديب عبدالمنعم الرّفاعي (1917-1985) قال بكار “كان الرّفاعي أحد رجالات الرعيل الأول في الأردن في السياسة والوطنية والتعليم والثقافة، ورائدا من روّاد الأدب شعرا ونثرا، كانت بداية إبداعه الشعري، باعترافه هو، في مدار الجامعة الأميركية ببيروت عام 1929 وعام 1930، أمّا ‘ظهوره الشعري’ -بتعبيره هو كذلك- فكان عام 1932، إذ فاز بقصيدته ‘قيس وليلى’ بالجائزة الأولى في مسابقة نظّمتها الحكومة اللبنانية بين الشعراء من الطلبة في مؤسسات التعليم العالي كافة، ومذ ذاك جعل ينظم الشعر لنفسه، لأنه كان أصيلا فيه، أمّا السياسة فكانت عابرة، وإن لم يفكّر -كما قال- أن يكون شاعرا من أجل المباهاة أمام الناس، الشعر عنده إفراغ للمكنونات النفسيّة أو مكنونات الضمير والفكر في نوع من التصوير الشعري”. وأوضح بكار أن الأديب متعدد المواهب عيسى الناعوري (1918-1985) كان يكتب مقالات في الصحف والمجلات في الوطن العربيّ والمهاجر الأميركية، ويراسل كثيرين عربا ومستشرقين لا سيما الإيطاليين، ويشارك في المؤتمرات والمهرجانات والندوات المحلية والعربية والدولية، ويُكثر من الزيارات والرحلات في البلدان العربيّة والخارج. وأضاف “كان الناعوري أديبا شاملا موسوعيا ومثقفا واسع الثقافة، وكان من أنشط الأدباء في الأردن وأكثرهم إنتاجا وتنوّعا، ومن أبرز جيل الشيوخ فهما، كان معنيا بالأدب في الأردن وذا موقف من جُلّ نقاده، وكان يعتمد المنهج التاريخي كثيرا في دراساته الأدبية والنقدية، ولا يتحامل ويجامل في النقد”. وعن فنه القصصي كتب بكار “يتصف، عموما، بالجمع بين الخبرة والثقافة، وطغيان الفكرة والمغزى على الجو القصصي، والإطالة، وقصر المسافة بين القصة وخطاب السرد”.

مشاركة :