«نوكيا».. مرحباً بعودتك

  • 8/13/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أعداد:عمر عدسظلت شركة «التكنولوجيا الفنلندية العملاقة» نوكيا «على مدى 14 عاماً أكبر صانع للهواتف الثابتة في العالم، وفي أثناء ذلك، كانت محرّكاً لا غنى عنه للاقتصاد الفنلندي، لكن سقوطها كان سريعاً. ففي عام 2012، خسرت 4 مليارات دولار، وفي 2013 وافقت الشركة على بيع أعمالها الهاتفية التي كانت تستخدم 32 ألف موظف، لشركة «مايكروسوفت». كان واضحاً أن «نوكيا» لا تملك الموارد لتمويل التسارع المطلوب في مجال الهواتف المتحركة والأجهزة الذكية»، كما قال رئيسها، ريستو سيلاسما، في الإعلان عن البيع.تبقى شركة «نوكيا» على الرغم من أنها غدت أصغر، كبيرة مع صافي مبيعات يساوي 26.1 مليار دولار في العام الماضي. وهي شركة مختلفة جدّاً، مع ذلك، عمّا كانت عليه في ذروة مجد هواتفها البسيطة، المعمّرة المكتنزة على نحو رائع. وعلى العموم، لم تعد تصنع أشياء يستطيع المستهلكون شراءها. واليوم يوجد شعارها المألوف المطبوع بحروف كبيرة، على معالِجات الشبكات، والمُوجِّهات (Routers )، ووحدات النفاذ الراديوي في المحطات الأساسية (أجهزة الإرسال الثابتة التي تشكل جزءاً من شبكة راديو متحركة)، وغيرها من المكونات لبنية تحتية غير مرئية على الأغلب، تدعم شبكة الإنترنت المتعلقة بالهواتف المتحركة.مشاكل عديدةإن المشاكل التي يتعين على «نوكيا» حلّها لتلبية الطلب العالمي على البيانات، المتزايد باستمرار، معقدة إلى حدّ بعيد. وجنباً إلى جنب مع شركات منافسة بما في ذلك شركة إريكسون السويدية (وهي شركة رائدة أخرى أفل نجمها في عالم الهواتف المتحركة) وشركة «تكنولوجيات هواوي الصينية» (وهي منافس أحدث عهداً) جددت الشركة أبراج الاتصالات اللاسلكية المتواضعة ببرمجيات متطورة تصوّب البيانات نحو المستخدِمين الأفراد أثناء تحركهم في أنحاء العالم.جيل جديد من الشبكاتوسوف يكون العامان القادمان، وقتاً مهمّاً بوجه خاص لنوكيا، حيث تبدأ هذه الصناعة بطرح الجيل القادم من الشبكات اللاسلكية. وسوف يجلب هذا الجيل المسمى فايف جي (5G)، بيانات أسرع وأكثر ثراءً. ووفقاً لنوكيا ومنافسيها- مطوري المعدات الأساسية- سوف تمكن تلك التغييرات مجموعة كاملة جديدة من التكنولوجيات المعتمِدة على الهاتف المتحرك: مثل السيارات بلا سائق، والتطبيب عن بعد، والمزيد من أماكن العمل المؤتمتة بالكامل، وغير ذلك من التغييرات التي لم تخطر ببالنا بعد. يقول «راجيف سوري» الرئيس التنفيذي لنوكيا: «أريد أن نكون شركة تساعد الشركات الكبيرة على الرقمنة». ويشكل رهان الشركة على الجيل الخامس، أكبر رهاناتها منذ خروجها من عالم أعمال الهواتف. وإذا فشلت فسوف يكون عليها أن تجدد نفسها جذرياً مرة أخرى. تاريخ عريقإن نوكيا أقدم من فنلندا. وقد بُنيت مطحنة لُبّ الخشب المطحون التي بدأت بها الشركة عملها عام 1865 بالقرب من بلدة تامبيري، في الجنوب الغربي مما كان في ذلك الوقت دوقية كبيرة من روسيا. وعلى الرغم من أن فنلندا حصلت على استقلالها عام 1917، فقد استمر تاريخ هذه الدولة الشمالية بالتشكل بناءً على مدى قرب علاقاتها من روسيا. وكانت فنلندا قد تحالفت مع ألمانيا النازية ضدّ الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب العالمية الثانية، واضطرت فيما بعد إلى دفع تعويضات حرب باهظة للاتحاد السوفياتي في عهد ستالين. وكما يسارع الفنلنديون اليوم إلى التذكير، بأن بلادهم وحدها، دفعت كامل المبلغ الذي قدّره الحلفاء- وهو 300 مليون دولار، من دولارات 1938- وأن طلبات ستالين للشاحنات والقطارات أجبرت فنلندا، الاقتصاد الزراعي، على أن تصبح اقتصاداً صناعياً.في قلب التحولوكانت «نوكيا» في قلب ذلك التحول. ومع بداية القرن العشرين كانت الشركة قد تفرعت بالفعل إلى توليد الكهرباء وتوفير الأسلاك، وكابلات الهاتف، والإطارات والأحذية المطاطية. وبحلول النصف الثاني من القرن كانت تكتلاً يصنع كل شيء من أجهزة التلفاز إلى الأقنعة الواقية من الغازات. وفي أوائل ستينات القرن العشرين، بدأت نوكيا إنتاج أجهزة راديو خاصة بالشرطة والجيش. وفي عام 1982، خرجت على العالم بهاتف يُركب داخل السيارات، ودخلت عالم أعمال إنشاء شبكات الاتصال مع مفتاح رقمي لبدالات الهاتف. وفي أواخر ثمانينات القرن الماضي، بدأت الشركة تخصيص الموارد أكثر فأكثر لأعمال الهواتف المتحركة، الآخذة بالازدهار. نظم الهاتف المحمولويمكن ردّ نجاحها في جزء منه إلى تطور شيء اسمه «نظام دول الشمال الأوروبي للهاتف المحمول». فقد كانت الوكالات الحكومية المسؤولة عن تنظيم الاتصالات في كل بلد من بلدان الشمال الأوروبي تنسق إحداها مع الأخرى لتصميم منصة مشتركة في وقت مبكر جدّاً- بحيث يمكن للمواطنين أن يسافروا بين البلدان المجاورة دون أن يفقدوا الخدمة الهاتفية. وكان هذا النظام تناظريّاً لا رقمياً، ولكنه كان قادراً على حل مشاكل كيفية تحديد موقع المشتركين عند تنقلهم، وكيفية تحويلهم من برج اتصالات إلى البرج الذي يليه. وكل جيل منذ ذلك الحين، بما فيه الجيل الخامس 5G منحدر في أصله من نظام «دول شمال أوروبا للهواتف المتحركة».هيمنة موتورولافي البداية، هيمنت شركة «موتورولا» على هذه الصناعة العالمية الوليدة، ولكن نوكيا تفوقت عليها عام 1999، وذلك جزئياً عن طريق التحول إلى نظام رقمي أسرع وأكثر أمناً، في حين أن منافِستها الأمريكية تمسكت بالنظام التناظري. يقول بيرو كويتينين، المؤسس المشارك والمدير الاستراتيجي لشركة كووهوب الفنلندية للاستثمار في الهواتف النقالة: «لقد اتسمت نوكيا بهذه المسحة من ركوب المخاطر على مدى عقود.. فعندما انتقلت بصورة مكثفة إلى الهواتف النقالة في أوائل تسعينات القرن الماضي، قال كثير من الناس إن ذلك جنون مطبق، لأن هذه شركة تصنع الكابلات. ثم عندما قررت الانتقال إلى النظام الرقمي من النظام التناظري في أواسط التسعينات، اعتقد كثير من الناس أن ذلك جرأة زائدة على الحد».قيمة كبيرة في فنلنداوقيمة نوكيا بالنسبة إلى اقتصاد فنلندا وروحها الوطنية، تخلو من أي مبالغة. فقد ساعد صعود الشركة على إخراج البلاد من الكساد المُقعِد الناجم جزئياً عن انهيار الاتحاد السوفياتي، شريكها التجاري الأكبر. وفي عام 2000 كانت مسؤولة عن ثلث نمو الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لبحث أجراه مركز «اتلا» للدراسات في هلسنكي. وقد ساهمت الضرائب التي دفعتها الشركة ومورّدو فروعها المحلية العديدون في دعم دولة الرفاه الفنلندية السخية ونظامها التعليمي المتوفق عالمياً. وقد ساهمت نوكيا وحدها بنحو ثلث تمويل البحث والتطوير في البلاد، في القطاعين العام والخاص. وفي ذلك الوقت، كانت فنلندا تنفق من ناتجها المحلي الإجمالي على البحث والتطوير أكثر من أي بلد تقريباً على وجه الأرض، كما يقول جاري غوستفاسون، السكرتير الدائم لوزارة الشؤون الاقتصادية والتشغيل في فنلندا.فوائد الشبكات الرقميةولكن نوكيا التي كانت سريعة في رؤية فوائد الشبكات الرقمية، كانت بطيئة جدّاً في الاستجابة لما تعِد به الهواتف الذكية. فارتفاع تكلفة شاشات اللمس على غرار هواتف آيفون، جعلت الشركة تختار إصدارات أرخص، أو تتخطاها تماماً. وحتى في فنلندا، كان العملاء يشتكون من الاضطرار إلى النقر بقوة على شاشات النوكيا لجعل الهواتف تعمل. وكانت قوائمها المعقدة تبدو مفرطة في الزخرفة دون داعٍ بالمقارنة مع أناقة الضوابط التي تعمل باللمس في هواتف آيفون، وتطبيقاتها، فيما بعد. وقد خلّفت شركة «آبل»، والشركة الكورية لصناعة الهواتف، «سامسونغ الكترونيكس»، وشركة ال جي الكترونيكس، نوكيا وراءها بمسافة طويلة.متاعب فنلندا ونوكياوقد أصبحت متاعب نوكيا هي متاعب فنلندا. وأضاف انكماش أكبر شركة في البلاد ومورّديها المعتمدين عبئاً إلى اقتصاد يكافح بالفعل مع ارتفاع تكاليف العمالة والإنفاق العام. وباعتبار فنلندا جزءاً من منطقة اليورو، لم يتمكن هذا البلد أيضاً من تخفيض قيمة عملته لتحفيز الإنفاق. وسقطت البلاد في فترة ركود عنيد، لم تبدأ بالتعافي منها إلاّ الآن. ويقول سيلاسما، الذي تم تعيينه رئيساً لمجلس إدارة نوكيا عام 2012، عن تلك الفترة «كنا في بقعة صعبة حقاً بطرق متعددة».انخفاض المبيعاتأسّس سيلاسما شركة أمن سيبراني محلية هي «اف سكيور كورْب»، وعندما جُلب إلى نوكيا، كانت هذه الشركة الصانعة للهواتف تميل بشكل خطر. فقد انخفضت مبيعات الأجهزة فيها بنسبة 26% في الربع الثاني من عام 2012، عن العام السابق، إلى 4.5 مليار دولار. يقول: «كان العاملون لدينا قد فقدوا حماسهم تماماً بسبب الأخبار السيئة من حولنا. وكانت الصحافة حتى تتحدث عن الوقت الذي سيحدث فيه إفلاسنا، لا عمّا إذا كان سيحدث أم لا». وقد ساعد سيلاسما على قيادة الشركة من خلال البيع لشركة مايكروسوفت، التي كانت توفر بالفعل أنظمة التشغيل لهواتف نوكيا. والرئيس التنفيذي لنوكيا، ستيفن الوب، الذي كان قد جاء من مايكروسوفت، عاد إليها وفي جعبته أعمال الهاتف، وتولى سيلاسما منصب الرئيس التنفيذي المؤقت. بيع معدات مربحةوكانت الصفقة صدمة وطنية طفيفة في فنلندا. كما كانت وسيلة لتحقيق أفضل ما يمكن تحقيقه من وضع سيئ يتدهور بسرعة، مما أدى إلى تحرير الشركة للتركيز على بيع معدات مربحة لشركات توفير الاتصالات اللاسلكية. وحتى ذلك الحين، كان «سوري» يدير هذا العمل كمشروع مشترك مع شركة سيمنس ايه جي. ومنذ توليه السيطرة عام 2009، كان قد رفع الشركة من الخسائر، إلى هوامش تشغيل بنسبة 12%، عن طريق خفض التكاليف، والتركيز على أسواق الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من الأسواق الأغنى. وبحلول منتصف عام 2013، كانت نوكيا قد اشترت حصة سيمنس. «ومع بيع تجارة الأجهزة، أصبح ذلك جوهر نوكيا الجديدة» كما يقول «سوري». وفي ذلك الحين، كما يقول سيلاسما، كان المجلس يتدارس أيضاً شراء شريحة من شركة فرنسية منافسة أصغر، هي «الكاتل - لوسينت اس ايه». وفي العام الماضي اشترت نوكيا الشركة برمتها. عقبات الجيل الخامسقال لوري أوكسانين، رئيس قسم الأبحاث والتطوير في «نوكيا» إن العقبات التي تواجه الجيل الخامس 5G قابلة للحل، رغم صعوبتها. والمفتاح إلى ذلك سيكون صنع هوائيات أكثر ذكاءً وفاعلية. وليس من الواضح ما إذا كان المستهلكون سيتمكنون من ملاحظة كل تحسين القدرة الذي تعد به نوكيا ومنافسوها. وقد كان الموضوع الرئيسي في «مؤتمر عالم الهواتف المتحركة» في برشلونة هذا الربيع، هو ما إذا كان الجيل الخامس ثورة حقاً أو مجرّد ضجيج تسويقي. سيارات بلا سائقأوضح لوري أوكسانين أن الإمكانيات الحقيقية للجيل الخامس 5G تكمن في أنواع أخرى من الاستخدامات، مثل تحسين التنسيق بين السيارات والشاحنات بلا سائق. ويمكن تخليص روبوتات المصانع من الكابلات، مما يتيح لخطوط التجميع أن تكون أكثر مرونة. ويمكن وصل المنازل بالأنترنت لاسلكياً، مما يُدخل التنافس إلى سوق الكابلات الخاضع لاحتكار القلة. وهنالك حتى، حديث عن الجراحة الروبوتية عن بعد. ومع ذلك، وفقاً لبعض المحللين، فإن المشكلة مع حالات الاستعمال المشوقة هذه، ليست فقط أنها تخمينية؛ فحتى لو أصبحت حقيقة واقعة، فلن تتطلب القفز إلى الجيل الخامس وترقيات الشبكات التي تعوّل نوكيا عليها. الطلب على البيانات اللاسلكيةتصر قيادة «نوكيا على أن الطلب على بيانات لاسلكية أسرع وأكثر ثراء، وأكثر انتشاراً في كل مكان، سوف يستمر في الازدياد. كما تحاول الشركة أيضاً التحرك تدريجياً عائدة إلى عالم أعمال الإلكترونيات الاستهلاكية. ففي العام الماضي قامت بشراء شركة فرنسية تدعى ويثيمكس، وتصنع أجهزة لمراقبة اللياقة البدنية، وموازين حرارة، وشاشات لمراقبة الأطفال، وهي الآن تحت العلامة التجارية لنوكيا. وقد بدأت الشركة للتوّ ببيع 40 ألف كاميرا من كاميرات تصوير الواقع الافتراضي، تسمى أوزو، التي تستهدف الآن صانعي الأفلام المحترفين.. وإذا استطاعت القائمة المتنامية لأدوات وألعاب نوكيا جعل الناس يستخدمونها، ويطالبون بالمزيد من البيانات فسيكون ذلك أمراً رائعاً بالنسبة إلى مهندسي الجيل الخامس. وإذا تمكنت الشركة من خلق المنتجات التي يريد الناس العاديون شراءها مرة أخرى، فسوف يجعل ذلك الأمور أفضل».

مشاركة :