يشتد الصراع بين حركتي «فتح» و «حماس»، يومياً، ويزداد تعقيداً وخطورة على الأرض والمشروع الوطني، وأوضاع ملايين الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها. وبعد عقد من الانقسام السياسي والجغرافي والاجتماعي، رأسياً وأفقياً، لا يبدو في نهاية النفق أي ضوء لإنهائه، وإعادة ترميم النسيج الوطني والاجتماعي والاقتصادي المفسخ، والاستعداد لمواجهة خطط الحكومة الإسرائيلية ومشاريعها القائمة على تهويد القدس والضفة الغربية برمتها والحؤول دون قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة. وعلى رغم توقيع عدد من اتفاقات المصالحة في عواصم عربية عدة، إلا أن خطراً جديداً داهماً يقترب رويداً رويداً، يتمثل في فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة نهائياً، ما يعني تدمير المشروع الوطني، وليس فقط حل الدولتين، وبأيد فلسطينية هذه المرة. وتسابق حركتا «فتح» و «حماس» الزمن من أجل اقصاء كل منهما الأخرى عن المشهد السياسي، بدلاً من البحث عن قواسم مشتركة للشراكة الوطنية والسياسية، وتعزيز الوحدة الجغرافية لجناحي الدولة العتيدة المنتظرة، الضفة وغزة. وجاءت مبادرة «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، التي قدمتها لقيادة الحركة، وتم تسريبها الخميس الماضي لـ «إحداث فراغ سياسي وأمني» في قطاع غزة لتوجيه «ضربة استباقية» الى الرئيس محمود عباس، أو حتى «قلب الطاولة» في وجهه، ووجه إسرائيل والإقليم والمجتمع الدولي أيضاً. وترى «حماس» أن عباس يسير بخطى حثيثة نحو فصل الضفة عن غزة، وتجريد الحركة من «الشرعية» التي تتمتع بها من خلال غالبية كبيرة في المجلس التشريعي، و «تجفيف» منابعها المالية، وإلقاء أعباء مالية واقتصادية جديدة على كاهلها كونها الحاكم الفعلي في قطاع غزة. وتعتقد الحركة، ومعها جهات أخرى، أن عباس «يخطط» لحل المجلس التشريعي، ليس من خلال القانون الذي لا يعطي صلاحية حله لرئيس السلطة، بل من خلال مرجعية السلطة المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية. وبعدما عزف عباس عن حل المجلس التشريعي بمرسوم رئاسي، وضع مستشاروه أمامه، وفق مصادر عدة، خطة بديلة تقضي بعقد جلسة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني في مدينة رام الله «بمن حضر»، نظراً الى رفض وغياب فصائل مثل الجبهتين «الشعبية» و «الديموقراطية لتحرير فلسطين»، وانتخاب لجنة تنفيذية ومجلس مركزي جديدين. ومن ثم يُصدر المجلس المركزي، وهو حلقة تشريعية وسيطة بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، قراراً بحل المجلس التشريعي فقط، أو حل السلطة الفلسطينية برمتها، كونه المسؤول عن تأسيسها في اجتماع عقده في تونس عام 1993 عقب توقيع اتفاق أوسلو. ووفق التسريبات يسعى عباس الى «قلب الطاولة» في وجه «حماس» وحليفها الجديد القيادي المفصول من «فتح» محمد دحلان، عدو عباس اللدود، وحلفاء آخرين محتملين، ومنع عقد جلسة للمجلس التشريعي لحجب الثقة عنه أو عزله. وتأتي هذه الخطوات، إن صحت، استكمالاً للعقوبات والخطوات، التي شرع عباس في اتخاذها قبل ثلاثة أشهر، ولا تزال مستمرة حتى الآن، ضد «حماس» وقطاع غزة، لإرغام الحركة على حل اللجنة الإدارية الحكومية، التي تُعتبر بمثابة حكومة الأمر الواقع، وفك تحالفها مع دحلان. وفي خضم هذا الصراع المحموم غير المسبوق، وقرار السلطة الفلسطينية إحالة 6145 موظفاً مدنياً في قطاع غزة على التقاعد المبكر، والتسريبات الأخيرة بإحالة أكثر من ستة آلاف طبيب ومعلم الى التقاعد الإجباري، لخلق أزمة جديد للحركة التي تحكم القطاع منفردة منذ 2007، جاءت مبادرة «كتائب القسام» لـ «قلب الطاولة» في وجه الجميع. وجاء تسريب مصدر في «حماس» لوكالة «الأناضول» التركية مضمون المبادرة المؤلفة من أربع نقاط مثل إلقاء حجر ضخم في بركة مياه كبيرة راكدة، وفي وقت بدت فيه «حماس» تتلقى ضربات عباس من دون أن تتمكن من وقفها أو تلافي آثارها الكارثية. وتتلخص المبادرة، وفق الوكالة، «في إحداث حال فراغ سياسي وأمني في قطاع غزة، قد يفتح الباب على مصراعيه لكل الاحتمالات بما في ذلك حدوث مواجهة عسكرية مع الاحتلال» الإسرائيلي. وبموجب الخطة «تتخلى حركة حماس عن أي دور في إدارة القطاع» علماً أنها ترفض بعناد حل لجنتها الإدارية قبل تراجع عباس عن إجراءاته، على أن «تُكلّف الشرطة المدنية بدورها في تقديم الخدمات المنوطة بها، وتقوم بعض المؤسسات المحلية بتسيير الشؤون الخدماتية للمواطنين»، فيما ستُكلف الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية، التي تديرها الحركة «بمتابعة الأمور الميدانية المدنية فقط». كما تنص الخطة على أن «تُكلف كتائب القسام، والأجنحة العسكرية التابعة للفصائل الفلسطينية بملف السيطرة الميدانية الأمنية». ويرى مراقبون ومحللون وعارفون ببواطن الأمور أن الحركة لن تقبل بتنفيذ هذه الخطة، وأنها تحاول توجيه رسائل شديدة الخطورة الى إسرائيل وعباس ومصر والأردن والمجتمع الدولي من أنه لا مناص من رفع الحصار عن الحركة وقطاع غزة، وإلا «انتظروا الفراغ» أو الفوضى وهدم المعبد أو كما يقولون بالعامية: «عليّ وعلى أعدائي».
مشاركة :