الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا.. علامة فارقة في (الكوميديا) الخليجية والعربية.. ويمكن التوقف طويلاً.. والإعادة كثيراً لبعض أعماله مثل مسلسل: (درب الزلق) الذي رصد بدايات (الطفرة الخليجية) التي على شموليتها لكل دول الخليج.. لم تنعكس تحولاتها السلبية بشكل واضح إلا على المجتمع السعودي الأكثر عدداً في سكانه.. والأكثر تبايناً في مشاربه الاجتماعية والطبقية. ومن ثم تأتي (الكوميديا السوداء) في مسرحية (باي باي لندن).. التي قام الدكتور محمد عبد يماني - رحمه الله - وزير الإعلام السعودي.. الذي حضر أحد عروضها الحية عام 1982.. بمنع عرضها في المملكة.. لأن (الكوميديا السوداء) فيها عكست سلبيات (الطفرة الخليجية) بامتياز.. وبطريقة ما زالت تضحكنا إلى اليوم. كان النفط محوراً أساسياً فيها.. فبعد أن كان (المغامر) الخليجي.. يجد في مدينة البصرة متنفساً لمغامرته.. حولته (الطفرة) الكاسحة لأن يجوب الدنيا من أقصاها إلى أقصاها وليست (لندن) سوى إحدى محطات مسلكيات ذلك التحول. والفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا.. عرف عنه أنه (فنان فطري).. وكوميديان أصيل من طراز خاص جداً.. تنطبق عليه مقولات (ستانسلفسكي) المسرحي الروسي العظيم الذي أخرج مسرحية (الخال فانيا) للكاتب الروسي العظيم انطوان تشيخوف وفشلت فشلاً ذريعاً بعد عرضها الأول.. بعد أن ألقى في (فريق العمل) ما يشبه (المحاضرة).. أكد خلالها أن مفتاح نجاح (الخال فانيا) لا يمكن أن يتم إلا إذا أحب (فريق العمل) انطوان تشيخوف نفسه. قدم لهم مفاتيح حب الكاتب كمدخل لحب العمل.. وبعد العرض الجديد استمر عرض تلك المسرحية لمدة عشرين عاماً تنقلت في كل أرجاء الاتحاد السوفياتي.. قبل أن تعرض في معظم دول العالم التي اعتبرت تشيخوف هو الامتداد الطبيعي لشكسبير.. ووضع ستانسلفسكي نظرية تقول إن على الممثل أن يكون موهوباً وليس مثقفاً.. أي بمعنى أن عليه أن يستخدم موهبته وليس ثقافته حتى يكون ممثلاً جيداً.. وهذا هو الفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا.. الذي يعتبر أكثر من أحسن استخدام موهبته بين كل فناني الخليج.. ويمكن أن نعتبر الفنان السعودي ناصر القصبي هو الامتداد الطبيعي له بعد أن تخلص من أثر المدرسة المصرية عليه خصوصاً أثر الفنان الكبير (سمير غانم). عبدالحسين عبدالرضا.. صنع في الكوميديا كل شيء.. مثل.. وغنى مع النجمة سعاد عبدالله.. في (اسكتشات) صاغ معظمها الفنان القدير (أحمد باقر) وساهم في كتابتها شعراء من طبقة الشاعر (فايق عبدالجليل) الذي كتب اسكتش: (عنتر وعبلة) وغيره الكثير.. وهو - أي عبدالحسين - ينتمي إلى ما يمكن نعتبره (كوميديا سوداء).. تقوم بإضحاكنا على ما ترصده من أخطائنا.. وتعيد تقديمه إلينا - دون مبالغة - لنضحك عليه كأنما هي تدعونا للضحك على أنفسنا. غير أن المقارنة مع (ناصر القصبي) التلميذ النجيب لعبدالحسين.. تأتي لمصلحة المعلم الكبير.. لأن القصبي.. لم يملك الجراءة على الخوض في الإشكالات الحاضرة.. أو بنت الحاضر.. التي يمكن أن تجعل من قدرته على الإضحاك نوعاً من (الكوميديا السوداء) التي نحن في أمس الحاجة لمثلها كوسيلة للنقد الذاتي الذي يقول: - هاكم شوفوا.. من أنا.. ومن أنتم..؟!
مشاركة :