تعجز الكلمات عن وصف حالة الحزن التي يعيشها أهل الكويت والعالم العربي برحيل الفنان الكبير والعملاق عبد الحسين عبد الرضا الذي أضحك الملايين ورسم البسمة على وجوهنا منذ بداياته الفنية.. إنه فنان بكل ما تعني الكلمة من إخلاصه لفنه وعطائه المستمر وحبه ووفائه لجمهوره... أبو عدنان، الإنسان والفنان، أسعدنا بأعماله وبطلته المميزة وروح الدعابة التي تميز بها وملكة الحضور وسرعة البديهة التي عُرف بها.. فالحزن عميق على رحيل فنان له في كل صفحات الذاكرة مكانة... فاليوم وللمرة الأولى يبكينا عبد الحسين عبد الرضا .. تاريخ حافل بالنجاحات لم يأتِ نجاح وشهرة العملاق الفنان الراحل عبد الحسين عبد الرضا من فراغ، بل هو ممثل مبدع بالفطرة، استطاع أن يرسم لنفسه أسلوباً في الأداء الفني. اشتهر بنقده الساخر للأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة في المنطقة العربية الذي تضمنته عديد من أعماله المسرحية والتلفزيونية. يعتبر الفنان الراحل من رواد فن التمثيل في منطقة الخليج العربي وأحد قلائل الممثلين في الخليج الذين تجاوزوا الخمسين عاماً في التمثيل منذ بداياته به. فهو من مؤسسي الحركة الفنية في الخليج ضمن فنانين من بينهم سعد الفرج وخالد النفيسي وغانم الصالح وعلي المفيدي وإبراهيم الصلال. ولد الفنان الراحل عبد الحسين عبد الرضا في دروازة عبد الرزاق بفريج العوازم في منطقة شرق في الكويت عام 1939. والده كان يعمل بحاراً وهو الخامس بين إخوته. درس في الكويت في مدرستي المباركية والأحمدية وعمل في وزارة الإرشاد والأنباء «التي تسمى اليوم وزارة الإعلام» في قسم الطبع، ثم سافر في بعثة إلى مصر على نفقة الوزارة عام 1956 لتعلم فنون الطباعة، ومن ثم سافر في عام 1961 في بعثة إلى ألمانيا لاستكمال الدراسة في فنون الطباعة. تدرج في عمله حتى وصل إلى منصب مراقب عام قسم الطباعة في وزارة الإعلام عام 1959 واستمر في العمل ليتقاعد في 1979. متزوج وله 5 من الأبناء. الفنان الراحل من أسرة فنية، فشقيقه الراحل أمير عبد الرضا فنان تشكيلي، وقدم أيضاً مسرحيات وأوبريتات في فن الدمى. وابن شقيقه الممثل علي محسن وابن عمه المطرب الراحل غريد الشاطئ. بداياته الفنية تعود بداياته الفنية إلى ستينيات القرن الماضي، حيث شارك في أول عمل مسرحي باللغة العربية الفصحى بعنوان «صقر قريش» في عام 1961 أمام المخرج زكي طليمات، وتوالت بعدها الأعمال من مسلسلات تلفزيونية ومسرحيات لينطلق في فضاء الفن ويحقق شهرة كبيرة في الوطن العربي. قدم للمسرح نحو 33 مسرحية من أشهرها «باي باي لندن» و«بني صامت» و«على هامان يافرعون» و« 30 يوم حب» و«ضحية بيت العز» و«سيف العرب» و« فرحة أمة» و«سوق المناخ» و«مراهق في الخمسين» و«عزوبي السالمية» و«سيف العرب» و«قناص خيطان». وفي التلفزيون، شارك في تمثيل عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية لأكثر من 30 مسلسلاً من بينها «درب الزلق» الذي يعد من أشهر الأعمال الخليجية على الإطلاق الذي لا يزال المسلسل الأول بالخليج مع سعد الفرج وخالد النفيسي وعبد العزيز النمش وعلي المفيدي. كذلك مسلسل «الأقدار» إلى جانب «العتاوية» و«درس خصوصي» و«قاصد خير» و«الحيالة» و«التنديل» و«سوق المقاصيص» و«حبل المودة» و«ديوان السبيل» و«زمان الإسكافي» و«شرباكة» و«العافور» و«أبو الملايين»، وكان آخر ظهور له في مسلسل «سيلفي 3» في رمضان عام 2017. كما قدم في الإذاعة عدداً من المسلسلات من بنيها: «بوعليوي في رمضان» و«يوميات العيدروسي» و«الكذب عيب» و«راعي الديوانية» «وعد الحر» و«سواها البخت» و«رفعت الجلسة». وفي مجال الأفلام التلفزيونية قدم عدداً من الأفلام وهي: «الانحدار» و«إذا فات الفوت» و«نهاية ظالم» و«اللي ما يطيع يضيع» و«لعبة الأقدار» و«إجازة» و«الكرسي الثاني عشر». إبداعاته الفنية لم تقتصر على التمثيل المسرحي والتلفزيوني فحسب، بل إلى جانب التمثيل خاض تجربة الغناء والتلحين والكتابة والإنتاج، فقد شارك في أداء عدد من الأوبريتات الغنائية، فضلًا عن تقديم بعض الأغاني في عدد من أعماله المسرحية... من أبرز الأوبريتات «مداعبات قبل الزواج» و«شهر العسل» و«بساط الفقر» و«صايم» و«والله زمن»، فهو يتميز بجمال الصوت ما أعطاه تميزاً عن الفنانين من جيله. الجدير بالذكر أن الفنان الراحل قدم أغنية بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش للكويت بعد التحرير بعنوان (مستر بوش) مع الفنانة حياة الفهد وداوود حسين. كما كتب عدداً من الأعمال المسرحية والمسلسلات التي مثل فيها من بينها «سيف العرب» و«فرسان المناخ» و«عزوبي السالمية» و«30 يوم حب» و«قاصد خير» و«درس خصوصي» وغيرها. الفنان عبد الحسين عبد الرضا هو أحد مؤسسي (فرقة المسرح العربي) عام 1961 و(فرقة المسرح الوطني) عام 1976، كما قام في عام 1979 بتأسيس (مسرح الفنون) كفرقة خاصة، وفي عام 1989 أسس (شركة مركز الفنون للإنتاج الفني والتوزيع). تفرد من نوع خاص في الثنائيات كان الفنان عبد الحسين عبد الرضا عاشقاً لعمله ومحباً لجمهوره يبحث دائماً عن الجديد من الأفكار والأعمال.. فمن وقت لآخر يفاجئ جمهوره بعمل فني مختلف. فقد كان من أوائل الفنانين الذين قدموا في الساحة الفنية الثنائيات ونجحت بشكل كبير، فمن منا لا يتذكره مع الفنانة سعاد عبد الله في أوبريت (مداعبات قبل الزواج) أو (بساط الفقر) وغيرها من الأوبريتات التي جمعتهما.. وكذلك شكل ثنائياً ناجحاً مع الفنان القدير سعد الفرج؛ لعل أشهر أعمالهما مسلسل (درب الزلق) ومسلسل (الأقدار). وكذلك في بداياته كون ثنائياً ناجحاً مع الفنان الراحل عبد العزيز النمش ومذكرات «أم عليوي». التكريم والتقدير الحديث عن الراحل الفنان العملاق عبد الحسين عبد الرضا لا ينتهي.. فهناك دائماً الكثير في الذاكرة، كإنسان دمث الخلق، متواضع، وبسيط أو كفنان موهوب ومبدع وأسطورة بين أبناء جيله. قدم مختلف الشخصيات وتفنن في الأداء، وبرع في طرح قضايا المجتمع من عدة زوايا بأسلوب كوميدي هادف... إنها مسيرة حافلة بالعطاء والنجاح والتميز فكان لا بد أن يتم تكريمه بشكل يليق بمشواره الطويل.. تم تكريمه من قبل عديد من الجهات الرسمية في الوطن العربي من بينها: نجم المسرح الأول 1980 بالكويت، جائزة الريادة الأولى للمسرح 1987 بقرطاج في تونس، رائد المسرح العربي 1988 في القاهرة، شهادة تقدير من قاعدة الملك عبد العزيز الجوية بمناسبة مهرجان القاعدة الرمضاني الأول بالمملكة العربية السعودية في 1984، جائزة سلطان العويس 1997 من الإمارات العربية المتحدة، شخصية العام في عديد من الاستفتاءات، جائزة تقدير من مهرجان الخليج للإنتاج التلفزيوني بالبحرين 1997 للدور الريادي في مجال العمل التلفزيوني من جهاز تلفزيون الخليج، جائزة الدولة التقديرية في الكويت 1998، جائزة تقدير من وزارة الثقافة الأردنية خلال «مهرجان المسرح الأردني التاسع 2001»، شهادة تكريم الرواد في مهرجان المسرح الخليجي من مجلس التعاون الخليجي 2006، جائزة تكريم للعمالقة الذين أثروا الفن العربي من جامعة الدول العربية 2006، تكريم من المعهد العالي للفنون المسرحية بمناسبة يوم المسرح العالمي 2008 في الكويت، جائزة المشوار الفني من جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا في الكويت 2015، وجائزة حلف الحبتور للفنون بالإمارات 2017. وكان آخر تكريم وتقدير له يعبر عن مكانته في قلوب بلده الكويت وجمهوره إطلاق اسمه على مسرح عبد الحسين عبد الرضا في السالمية. كما تم تكريمه في ملتقى الكويت الدولي للكاريكاتير الذي اعتبر الأول من نوعه في الدول العربية، حيث اختير الفنان الراحل عبد الحسين عبد الرضا كشخصية الملتقى، وأبدع الرسامون المشاركون برسمه شخصياً أو رسم أحد أعماله الفنية التي أبدع بها. أزمات صحية تعرض الفنان الراحل عبد الحسين عبد الرضا لعدة أزمات صحية منها كانت عام 2003 عندما تعرض لأزمة قلبية أثناء تصويره لمسلسل «الحيالة» نقل على إثرها إلى المستشفى وتبين إصابته بانسداد في الشرايين، ليسافر إلى لندن لإجراء جراحة عاجلة وعاد بعد شفائه لإكمال تصوير المسلسل. كما تعرض لأزمة حادة في عام 2005 إثر إصابته بجلطة في المخ أدخل على أثرها العناية المركزة في الكويت ونقل بعدها للعلاج في ألمانيا. وبعد الانتهاء من مسلسل العافور أجرى عمليتي قسطرة للقلب في لندن عام 2015. وفي 9 أغسطس 2017 نقل إلى المستشفى في لندن، حيث قد تعرض لوعكة صحية شديدة وأدخل العناية المركزة حتى وافاه الأجل في 11 أغسطس 2017 عن عمر يناهز ال 78 سنة في إحدى مستشفيات لندن مودعاً جمهوره العربي الذي أبكاه للمرة الأولى. لقد رحل عبد الحسين عبد الرضا إلا أنه لم يرحل عنا، فأعماله الخالدة في الذاكرة لا تنسى ولا تمحى. وكل دعوانا أن يتغمد الله الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. «وإنا لله وإنا إليه راجعون».