خالد القشطيني: الأحزاب الدينية أم المشاكل

  • 8/18/2013
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

ما جرى في مصر هو حلقة أخرى من سلسلة عالمية للمشاكل والمآسي التي تترتب على زج الدين في السياسة. شهدت ذلك كل المجتمعات شرقا وغربا ومرت به أوروبا لقرون وتمخض عن سنوات طويلة من الحروب الطائفية والمجازر الدموية حتى وعوا إلى ضرورة استبعاد الدين من السياسة فاستقامت أمورهم وساروا نحو هذا الازدهار الرائع الذي نحسدهم عليه. كيف وعوا إلى هذه الحكمة؟ جرى هذا التطور نحوها عبر التقدم الفكري والعلمي لعهد النهضة في القرن الخامس والسادس عشر ثم الحركة العقلانية التي سادت في القرن الثامن عشر وأخيرا سيادة العلم على كل شيء في القرن التاسع عشر. الحركات الإسلاموية تدك الآن العالم الإسلامي دكاً من نيجيريا ومالي إلى باكستان وأفغانستان. ويتحمل الإخوان المسلمون مسؤولية كبرى عنها. لقد عانت مصر الكثير من الويلات بسببهم وارتكب الكثير من الجرائم والاغتيالات منذ أن ظهر شبحهم في العشرينات. هل نسينا حريق القاهرة؟ حيثما رفعت الأحزاب الإسلامية لواءها سالت الدماء تحته وفاحت رائحة البارود وعم الفقر والدمار والتخلف. راجعوا ما تقوله إحصائيات الأمم المتحدة عن مصائب العالم الإسلامي. كل هذه الأسلحة التي ضبطتها الشرطة المصرية أمام أعين المراقبين الدوليين المستقلين في اعتصاماتهم تكشف عن زيف ادعائهم بالتخلي عن العنف. كيف إذن قُتل خمسون رجلا من رجال الشرطة؟ كل حركات الإسلام السياسي تؤمن بالسلاح والقتل وتتعامل بالبندقية والخناجر. إذا شئنا حقا النهوض وحل مشاكلنا فلا بد من تصفية هذه الحركات. ما قامت به السلطات المصرية الآن خطوة أولى نحو ذلك. ويجب أن نستوحي الخطوات التالية مما فعله الأوروبيون قبلنا كما أشرت لنتعلم مما تعلمه الآخرون. هذا ما يجعلني أؤكد دوما على ضرورة تدريس تاريخ أوروبا في مدارسنا وعلى صفحات كتبنا ونشرياتنا. سنجد عندئذ أنه لا بد من التركيز والتوسع بتدريس العلوم والفنون والأفكار الحرة في معاهدنا وطرح كل هذه النظريات والمستجدات العلمية والفكرية ومناقشتها في إطار حرية الفكر. عندما سيطلع شبيبتنا على ما توصل العالم الناهض إليه من المكتشفات والاستنتاجات ستنهار أعمدة الإسلام السياسي بكل ضبابياته وظلماته ومخادعاته ويبدأ الناس بالتفكير العقلاني والسعي العلمي ويأخذ الدين شكله الحضاري والإسلامي التقليدي القائم على اعتبار الإيمان علاقة شخصية بين المخلوق والخالق. سيتفرغ حكماء مصر قريبا لسن دستور جديد. سيزدادون حكمة ودراية بالاستنارة بما توصلت إليه الأمم الناهضة من مبادئ واستبعدته من أفكار. الدستور الأميركي مثال جيد للمراجعة ولرسم منهج مدني لإدارة الدولة بما حقق للأميركيين هذا الانسجام بين سائر الطوائف والقوميات وأعطاهم هذه القوة الضاربة في سائر الميادين، وكله من دون التخلي قط عن معتقداتهم وممارساتهم الدينية.

مشاركة :