ناء قلبه بأحمال الحياة وهموم الوطن، فامتطى صهوة الغيم فارساً مترجلاً وصعد نحو السماء راحلاً. امتطاها من دون أن يمنح فرصة لوداعه بشكلٍ يليق وحجم قامته وسعة قلبه. رحل صدعاً في جدار ذاكرة الكويت وشمساً سقطت في جوف الغياب تاركاً إيانا جياعاً لضوئه، بعد أن أشبعنا رغم الأسى فرحاً وضحكاً. كان بخفة روحه وشخصيته المتفردة وقفشاته المرتجلة مصنعاً للضحك. كان لاعباً بارعاً في المشي على حبل نقده الساخر من دون أن يسقط، وساحراً فطناً وملهماً يُخرج من قبعات الحزن برشاقة وعفوية أرانب فرح. كان بساطنا السحري الذي يقتص لنا من همومنا اليومية، ويسافر بنا من دون ابتذال إلى عالم من الضحك الجميل. كان يتقن اختيار النواصي التي يغني على أرصفتها ملامساً هموم الناس من دون تفرقة أو تصنيف. وكان الذي عزف باحتراف على أوتار التجار والبسطاء والعازبين والمتزوجين على حد سواء. كان مهندساً فذاً في بناء آمال شاهقة الارتفاع رغم كل الخيبات المحيطة بنا، وإسكافياً ماهراً كثيراً ما أعاننا على المشي قُدماً رغم خشونة الطريق ووجع العثرات. لم يقف على خشبة المسرح ممثلاً، بل كان يجسد باحتراف الواقع بثوبه الساخر على خشبته من دون تمثيل أو تزييف. هو مؤسس وسفير للفن الكويتي والدراما الخليجية والكوميديا الراقية البعيدة عن الإسفاف والتهريج. هو سدرة الفن حلوة الأوراق التي تفيّأت بظلها الكويت وحافظت على هوية أرضها. السدرة الوفية لجذورها، التي ازدادت بها الكويت بسوقاً من الخليج إلى المحيط. أضحكنا كثيراً ثم أبكانا برحيله، بمختلف أعمارنا وفئاتنا وأطيافنا ومشاربنا، ولكن سرعان ما جففت دموعنا شمسه التي أضاءت يوبيلاً ذهبياً من العطاء سيدوم بريقه إلى الأبد في قلوبنا وعلى جدار تاريخ الكويت. أثبت بمسيرته أن الفن ثقافة ورسالة، وأن الفن إذا ارتقى وسما يصبح بستانياً حاذقاً في زراعة الفرح والمحبة والتسامح والتعايش بين الناس رغم كل اختلافاتهم. فقد آلف بفنه القلوب ودَوْزَن أوتار الحياة وعبّأها كبالونات الأعياد بالفرح، ما عجز عن فعله الكثيرون. رغم رماح الكراهية المترصدة، والمتزلفة إلى الدين، كان وسيبقى رسولاً للمحبة. ورغم القتل والحرب والتهجير كان وسيبقى داعية حياة وسلام ووطن، ومدرسة إنسانية تعلم ويتعلم منها الأجيال. لو كل القلوب حولنا مثل قلبه الذي أنهكته في النهاية الرحلة لصارت سماؤنا أكثر زرقة وهواؤنا أكثر نقاوة واتسعت بنا رغم كل اختلافاتنا الحياة. عبد الحسين عبد الرضا، أيقونة حياة.. فنان بحجم وطن.. إنسان امتلك قلباً عاشقاً بين حناياه شمس، وإن غيّبه الموت لن تغيب أبداً! أسيل عبدالحميد أمين aseel.amin@hotmail.com
مشاركة :