لا نستطيع أن نختزل حياة الراحل عبد الحسين عبد الرضا في مقالات، أو لقاءات مع زملائه ومعجبيه، أو كل من تعامل معه فنياً، أو في حياته العامة والخاصة؛ لأنه كوَّن له أهلاً وعائلة في كل بيت أطلَّ عليهم من خلال أعماله. الرعيل الأول كان متابعاً له، فأتذكر نحن جيل الستينات كبرنا معه ونحن نتابعه بشغف طيلة مسيرته الفنية، والأطفال كبروا وأصبحوا أمهات وآباءً وهناك من أصبح مُسناً، والأجيال الجديدة أحبته وأخذت تتابعه وتبحث عن قديمه وتتعرف على فنه منذ البداية؛ نظراً لمحبتهم له. ولا يختلف اثنان على أنه قامة فنية كبيرة، ترك لنا إرثاً فنياً ثقافياً حضارياً لا يُستهان به، فكان مترجماً فنياً لكل أزمة تمر بها البلاد، ومنها أزمة سوق المناخ، وصولاً إلى مرحلة الغزو الصدامي، وأُطلق عليه الرصاص قبل وصوله المسرح أثناء عرض «سيف العرب»، لكن العناية الربانية أنقذته حينها. نجد كل أعماله الفنية هادفة، وحتى الضحك هادف لاستنباط العبرة والحكمة وحلول مشاكل مجتمعية. كان يحترم فنه كثيراً والستارة تفتح في وقتها المحدد من دون تأخير، كان له سحر جذب الجمهور لما يملك من ذكاء فطري، فتجده في كل ليلة يبتكر موقفاً مضحكاً جديداً إهداء لجمهوره الذي جاء ليحضر عرض مسرحيته، ليشاهدوا العملاق الذي يترجم وطنيته على معشوقته خشبة المسرح، فتجده ينسى معاناته الصحية ويبدأ العطاء بلا حدود. واشتهر بصوته الجميل بالغناء فأصبح ملك تلك الاسكتشات، وغنى بكثير من اللهجات، المصرية واللبنانية والعراقية والهندية، وأجادها بجدارة. نحن نقول إنه فنان شامل، فهو يستحق لقب الأسطورة، لأنه الكوميدي السياسي والاجتماعي، تميز بطرحه اللاذع، لأنه مؤمن برسالته، فكان شجاعاً، وكثيراً ما يتجاوز ليثري النص بما يملكه من عفوية الأسلوب وسرعة البديهة، فنجد الارتجال ملازماً له في كل فنه. حاول أن يشتري أهرامات مصر في مسلسله «درب الزلق» وكان هو نفسه هرم الفن الكويتي. وعلى الرغم من ظروفه الصحية القاسية فإننا نجده يتفقد الفنانين ويسأل عن أحوالهم الصحية والمادية، وكان كريم اليد والكلمة والابتسامة، لأنه يحمل بين ضلوعه إنسانية عظيمة، ولم يبخل على الجيل الجديد بإعطائهم فرصاً ذهبية لمشوارهم الفني. نعم، تميز ولمع نجمه لأكثر من 50 عاماً وحافظ على نجوميته ولم يتكبر على أحد، وإن غضب لم يجرح مشاعر أحد قط. لقد نذر نفسه ووقته لإسعاد الآخرين فأصبح أبو الملايين من متابعيه ومحبيه، فأصبح «مدرسة إعلامية» تحوي الدراما والتراجيديا والكوميديا بجانب التزامه واحترامه الوقت، وكان صادقاً مع نفسه والآخرين. وجلّ اهتمامه هو توصيل رسالة «حب الوطن»، فرسم الابتسامة على شفاهنا، والأجمل من ذلك كله أنه كُرِّم على حياته، وآخر تكريم له كان مسرحاً يحمل اسمه في منطقة السالمية، واليوم نجد «عزوبي السالمية» قد رحل، وعزاؤنا بصمته الخالد. التقيته شخصياً عام 1998 وعام 2014، وفي المرتين يتحدث معي عن حبه للوطن ويشكر الله على نعمة الأمن والأمان والرفاهية التي نعيش بها ككويتيين.. إلخ. لقد كانت له كاريزما وحضور خاص به، لذا من الصعب أن يُقَلد أو يُستنسخ. فودع لندن مرتين في مسرحية «باي باي لندن» والأخيرة حين ودّع مسرح الحياة من لندن أيضاً، لذا استحق لف جسده الطاهر بعلم الكويت ونقل جثمانه بطائرة أميرية ليستقر في مثواه الأخير «تراب الوطن»، وعزاء رسمي في مسجد الدولة الكبير. رحمك الله يا أبا عدنان وأسكنك فسيح جناته. نفيعة الزويد
مشاركة :