جان جيرودو.. المسرح خشبة الأساطير الحية

  • 7/25/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» إذا أردنا المتعة فعلينا بالمغامرة والخيال والغرابة، هذا أهم ما يميز كتابات الكاتب الفرنسي جان جيرودو (29 أكتوبر 1882- 31 يناير 1944) على الرغم من أنه ليس كاتباً عادياً، يمكن أن نطبق عليه نظرية أدبية بعينها، وهو لا يندرج تحت مذهب فني معين، يمكن أن نخضعه لمقاييسه، وفي هذا الشأن يقول مارسيل بروست: «الحقيقة هي أنه من آن لآخر يطل علينا كاتب مبتكر، ولنسمه إذا شئتم جان جيرودو، وهذا الكاتب الجديد يكون عادة صعب القراءة، عسير الفهم، لأنه يربط بين الأشياء بعلاقات جديدة». في فرنسا ليلة 10 مايو سنة 1928 عرضت لجيرودو مسرحية «سيجفريد» على مسرح الشانزيليزيه، وكانت تلك هي الليلة التي تربع فيها على عرش الأدب المسرحي؛ حيث كتب أكثر من 30 كتاباً، ما بين رواية وقصة ومذكرات ومسرحية ودراسة أدبية وسياسية، وظهر معها مقدمات تعرض لتاريخ حياته بالتفصيل، منذ أن ولد لعائلة متواضعة، كان أبوه يعمل جابياً للضرائب، إلى أن اشتغل مدرساً بجامعة هارفارد في الولايات المتحدة، ثم عمل دبلوماسياً وجندياً بالجيش؛ حيث أصيب أثناء الحرب العالمية الأولى، وفي عام 1940 اعتزل الحياة الأدبية في فيشي بعد دخول النازي فرنسا، وكان جان كوكتو قد وصفه بأنه يبدو محصناً من مفاجآت القدر، لكن الموت استطاع أن يحطم الدرع، الذي يحتمي به في عام 1944. السمة المشتركة التي تميز شخصيات جيرودو، هي أنها شخصيات مبتكرة، تفكر تفكيراً جديداً، وفي أغلب الأحيان يكون هذا السلوك نابعاً من ذات الشخصية؛ إذ تقدم عليه ولا يهمها أن يقرها الآخرون على ما تفعله، وأوضح مثال على الشخصية المبتكرة شخصية إليكترا، التي عالج مادتها أكثر من مؤلف، فكل مسرحية من مسرحيات جيرودو، تقدم لنا صورة لهذا البطل المبتكر الغريب، المغامر، الخيالي والواقعي في الوقت نفسه. «المسرحية العظيمة فيض من المزايا، وإذا كان القارئ يبحث عن إيحاءات وتجليات، فإن المشاهد لا يبحث إلا عن اللذة والمتعة» بهذا يخرج جيرودو على الرأي الذي يرى أن المسرحية لا يمكن الحكم عليها إلا فوق خشبة المسرح، وقد يكون هذا الرأي سليماً إلى حد ما، لأن قراءة المسرحية شيء ومشاهدتها شيء آخر، وكل عملية من هاتين العمليتين لها أوجه متعتها وجمالها، فالقراءة عملية ذهنية، أما المشاهدة فهي عملية حسية، وما نسعى إليه بالقراءة، لا نحصل عليه بالمشاهدة، فالمشاهدة متعة، والقراءة استكشاف، ومسرح جيرودو يمكن عرضه، ويمكن قراءته، إنه يخاطب الذهن، كما يخاطب الإحساس، وقد يكون مرجع ذلك إلى أن جيرودو بدأ روائياً، فجاء مسرحه متضمناً ما تقدمه القراءة من إيحاءات ذهنية، وما يحققه العرض من متعة حسية. إن ما نطلبه من المسرح ليس تمثيلاً للحياة ونسخاً لها، وإنما تخيلاً للواقع وتوهماً له، إن عالم جيرودو أقل العوالم اتفاقاً مع عالمنا، فهو يبدو نقيضاً لقوانيننا، غريباً عنها، لكنه عالم حقيقي، إلا أن حقيقته ليست هي الحقيقة الدارجة، وإنما هي وليدة الذهن، لذلك على الذهن وحده أن يبحث عن هذه الحقيقة، ويتعرف إليها، إن جيرودو في مسرحه ينجز ما لايزال في عالمنا مجرد محاولة، وذلك تبعاً لرأي د. حمادة إبراهيم في ترجمته لمسرحية «بين بين». يستطيع جيرودو، أن يتصور ما لا يرى، وما لا يتصوره بشر، إلا في الخيالات والأوهام، لذلك كان طبيعياً ومنطقياً أن يتجه إلى الأسطورة الإغريقية، فيجد فيها الصور، التي يمكن أن تتجسدها أفكاره، إلا أن هذه الأساطير التي اعتقدنا أنها نضبت، لم يلبث جيرودو عند تناولها أن أضفى عليها من روحه وشاعريته، فإذا بها تفيض حياة، وكان ضرباً من التحدي أن يطرق مؤلف مثل هذه الموضوعات، فمسرحيته «إليكترا» تختلف عن سابقاتها الإغريقيات، كما أن حرب طروادة تختلف عن ملحمة هوميروس، إن الأصول لم تكن بالنسبة لجيرودو، سوى نقطة انطلاق، سرعان ما يكسبها أبعاداً جديدة.

مشاركة :