كل متطرف فاسق سابق والعكس صحيح

  • 7/21/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

هل أسعفك الوقت والإتاحة لتشاهد "اليوتيوب" الذي يظهر لبنانيا يحرض ابنه الصغير جدا على أن يضرب طفلا آخر، لا لسبب وجيه وإنما هي نعرة طائفية عنصرية مقيتة. لقد أراد هذا الرجل ـ حين لم يحسن الإرادة ـ أن يربي ابنه "عباس" على مقت الآخر الذي يغايره ـ ربما ـ في المذهب وفي الجنسية. لو شاهدت هذا اليوتيوب ستلاحظ أن الطفل عباس الصغير جدا والبريء جدا لا يدرك سببا موجبا للضرب، لكن والده يحضه على الفعل كلما فترت همته أو كلما تعطف قلبه على الطفل الذي يبكي مستجديا رغم أن نفسه لا تدري بأي ذنب ضربت؟! لم يكتف هذا الأب بالفعل، ولكنه تولى تصوير الحادثة، ثم قام بتسريبها ـ فيما أظن ـ يتزين بها عند أصحابه لكنها خرجت من حدودها الدنيا إلى أن أصبحت قضية رأي عام في لبنان وخارجه، وللأسف فهذا الأب يظهر أنه فخور وسعيد بهذا الصنيع، بل أظنه يحتسب الأجر فيما فعل. • هدد الداعشيون نصارى الموصل ما لم يغادروها وأعطوهم مهلة محددة، وبالفعل غادر المسيحيون مدينتهم الموصل تباعا ثم قام رجال داعش بهدم واحدة من أقدم كنائس الدنيا في الموصل. • التطرف لا ملة له ولا مذهب، فقد أسهم غلاة السنة والشيعة في قتل إخوانهم المسلمين أكثر مما فعلوا في حق غيرهم، وهذه ليست مأخذة مني على عدم قتلهم لغير المسلمين. • لدي قناعة مترسخة أن الغلاة والمتطرفين ورافعي لواء التدين على نحو من التشدد، إنما يصدرون في سلوكياتهم تلك تطهيرا ـ بزعمهم ـ وتعويضا واستتابة لما كانوا عليه من تفريط في العقيدة والممارسة ولو أمعنت النظر في سيرة المتطرف لوجدته قد أسرف على نفسه، فإنه ينقلب إلى أقصى الطرف، وإلى الزاوية الأبعد عند مكانه الأول، وهكذا ينبت التشدد من الإسراف الذي يقود إلى الإسراف من الجهة الأخرى. أعرف بعض من كانوا لا يؤدون شعائر الدين لا يصلون ولا يصومون، بل ويحقرون المتمسكين بهذه الطقوس في الحضر والسفر، ويسرفون على أنفسهم في وطء المحرمات، ثم تجدهم فجأة وقد عادوا إلى جادة الدين، لكنهم يغادرون منطقة التوازن والمحطة الوسطى إلى أبعد محطة وهي محطة الغلو والتشدد والتطرف. إنهم يذهبون إلى أقصى نقطة في المسافة من الدين، حيث المنحنى الأخير فيمكث بعضهم هناك وعلى حين غرة، ولأنه على طرف الطريق وحافة الهاوية فإنه يسقط فجأة فإذا هو خارج هذا الطريق، وأولئك هم الخوارج الذين يجدون أنفسهم خارج السائد، وخارج الطريق العام، بل لا يلبثون أن يجدوا أنفسهم قلة قد زاغوا عن الطريق السوي وتاهوا في مدارج التفريعات والتحويلات. ولأنهم قلة معدودة ولأنهم بعيدون في أقصى المسافة، فإنهم يشعرون بالوحدة وبالتالي بالوحشة، ولهذا يحقدون على أولئك البعيدين عنهم، ويتوحشون في عزلتهم فيتطرفون في سلوكياتهم ويسرفون في مغالاتهم. إذا رأيت غاليا متشددا وبمنطق الأمور وفق هواه ومشيئته فاعلم يقينا أنه يعاني من عقدة الذنب على ما كان عليه من نزق وفسق و"دشارة". ثم إذا رأيت مفرطا في دينه وغاليا في الانفتاح وذاما ومتخليا عن كل الشعائر الدينية؛ فأعلم أنه كان متطرفا ومتشددا دينيا لكنه أرهق نفسه بتشدده وبكثرة موانعه فأصابه الملل، وكما يقال: "ما شاد الدين أحد إلا غلبه"، والعامة يقولون: "جادة الدين طويلة" يقولونها على من يغالي ويشدد على نفسه، والذين يفعلون ذلك هم الذين يجافون الدين ويهجرونه بعد أن يشددوا على أنفسهم. • ما دخل الرفق في شيء إلا زانه، والتوسط في الدين وفي السلوك هو من باب الرفق، وهو سبيل الراشدين ووصية الأنبياء.

مشاركة :