مثلما فَعَلَ منذ سنوات قليلة عدد من مطاعم الوجبات السريعة في بعض دول الخليج العربي في تنظيم حملات تعريفية بالمنتجات، يستعد بعض المطاعم في مصر لإطلاق حملات مشابهة. وهو أمر محمود ينفع البائع والمستهلك، خاصة إذا كان الهدف هو صحة الإنسان، وهي أثمن رأس مال. تقوم الحملة على أسئلة الجمهور الذي يتفاعل مع منصة إلكترونية خاصة بالمطعم صاحب المبادرة وإجابات المسؤولين في الشركة. قبل ذلك قامت إحدى شركات المطاعم المشابهة منذ أكثر من عشر سنوات بمبادرة أطلق عليها «الباب المفتوح» وتقوم على أساس السماح للزبائن بدخول مطابخها ومشاهدة أسلوب تحضير الوجبات السريعة والاطمئنان إلى الالتزام بالشروط الصحية اللازمة. ودفعني الفضول الصحفي والشخصي إلى اختبار هذه التجربة. طلبت الإذن لي بالدخول إلى المطعم ومشاهدة تقطيع اللحوم وحفظها ومراحل تجهيز الوجبات التي تؤكل في المطعم مباشرة والوجبات التي ترسل إلى المنازل. فسألتني العاملة التي قابلتها عما إذا كنت مندوباً عن وزارة الصحة أو وزارة العمل أو جمعية حماية المستهلك. فقلت لها لا هذا ولا ذاك ولا تلك. أنا طلبت «أوردر» وأنتظر دوري في تجهيزه، وخطر في «عقل بالي» كما يقول العُمدة صلاح السعدني أن أجرب هذه «التجربة الحضارية» التي أعلن عنها المطعم. طلبت مني الأخت أن أستريح ريثما تأخذ الإذن، ودَلَفَتْ إلى الداخل، بينما تسلمت بعد دقائق «وجبتي العائلية» التي ينتظرها جياع الشعب في المنزل، وحين طال غيابها حملتُ الكيس مغادراً وأنا أشيد بهذه «التجربة الحضارية»! الأصل في هذه المبادرة، على قدر فهمي، أن يسمحوا لأي مستهلك بالدخول فوراً إلى «كواليس» المطعم لمشاهدة التنظيف والتقطيع والحفظ والخلطة ومدى الالتزام بالشروط الصحية، وأولها نظافة العامل نفسه. أهم معيار في هذه التجربة: الشفافية. لكنها كانت في إجازة. ثم فهمت بعد ذلك أن تنظيف وتقطيع وإعداد الخلطة لا يتم في المطعم الذي يُسخّن «الأوردر» المطلوب أو يقليه أو يشويه ويبيعه، وإنما تأتي اللحوم مقطعة ومُتبلة بالخلطة «السرية» والسلطات جاهزة من «مصنع العلامة التجارية» وتحفظ في الثلاجات. أي إنني لو دخلت المطبخ لن أجد إلا الثلاجات في انتظاري وسيفتحون أبوابها على مصاريعها لأشاهد قطع اللحم مقطعة وجاهزة، وكل ما يفعله العمال هو قليها ووضعها في الخبز مع السلطات والبطاطس وقنينة المياه الغازية.. وأبوك الله يرحمه، وبالهنا والشفا. هذا لا يعني أنني أشكك في نظافة هذا المطعم أو ذاك، فمثل هذه المطاعم لها شهرتها العالمية وسمعتها الشعبية التي دفعت الرئيس الأمريكي السابق أوباما إلى اصطحاب زوجته وابنتيه مراراً لتناول «ساندويتشات» سريعة ولذيذة في الشوارع. وللرئيس الحالي ترامب صور وافق على نشرها وهو جالس في طائرته الشخصية يتناول أفخاذ الدجاج وصدورها بالشوكة والسكين، مع أن الناس في كل العالم يأكلون الدجاج بأياديهم! ولا نجد مسلسلاً تلفزيونياً عربياً يخلو من عشاء أو غداء تتصدر مائدته دجاجات «محمرة» يمسك «رب العيلة» واحدة منها بين أصابعه و«يشلخها» إلى قسمين؛ يضع الأول في فمه، والثاني في طبق خطيب ابنته، حتى يتأكد الخطيب أن الدجاج حقيقي «بحق وحقيق» وليس «بلاستيك» بعد ارتفاع أسعار الدواجن إلى أسعار غير مسبوقة. الجديد في المبادرة الجديدة «من حقك أن تعرف» أنها تجيب على 400 سؤال أعدها المسؤولون في المنصة الرقمية عن المواد الخام المستخدمة لطمأنة المستهلكين بشأن طرق تحضير الأطعمة والرد على الشائعات المتداولة طبياً عن أضرار الأكلات السريعة. أما إذا أردت حضرتك أن تسأل سؤالاً من «عندياتك» فعليك أن تكتب اسمك الكامل وعنوانك وبريدك الإلكتروني وموقعك الإلكتروني ورقم هاتفك وأغنيتك المفضلة. ومن حقك أن تسأل عما إذا كانت هذه الوجبات الجاهزة لا تتعفن في الثلاجات، أو إنها قد لا تتوافق مع معايير الحلال والحرام، أو كما تنفي الشركة نفسها على النت شائعة أن العمال ينظفون الخس في غسالات الملابس! ومن بين أسئلة الجياع: هل لديكم دليل عملي على عدم تعفن أطعمتكم؟ لماذا لا يرتدي عمالكم القفازات؟ هل يحتوي الخبز على دهن نباتي؟ نرى بعض عمالكم لا يغسل يديه بين الوجبة والأخرى.. فماذا تقولون؟ كيف تُقطعون البطاطس بهذا التساوي؟ لماذا شكل البيض المقلي لديكم ليس كما نراه في بيوتنا؟ هل تؤثر السرعة على اكتمال القلي؟ كيف نتأكد من جودة لحومكم؟ لماذا لا تتضمن وجبة الأطفال التي تقدمونها فاكهة مثل الولايات المتحدة؟ لماذا أغلقت آيسلندا ودول أوروبية أخرى مطاعمكم في عام 2009؟ هل مكعبات الثلج التي تستخدمونها مع المشروبات الغازية من مياه الحنفيات أو من المياه المعدنية؟ وأيهما أفضل أن آكل عندكم أو في البيت؟ وأنا أكتب هذا المقال قرأت في الصحف عن مطعم أوروبي ابتكر وجبة رئيسية تتكون من الصراصير المقلية التي تقدم مع شرائح البطاطس والخضار. وهكذا لا يحق لنا الشكوى إذا اكتشفنا في ساندويتش اللحم أو الدجاج أو البطاطس «صرصار حبنا».
مشاركة :