صلاح هاشم يؤكد أن قضايا الفقراء باتت مرضا عنكبوتيا أو سرطانيا متشعبا

  • 8/15/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يعبر هذا الكتاب الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة "الفقراء الجدد سوسيولوجية القهر والحيلة" للباحث د. صلاح هاشم عن نسق فكري خالص يحاول أن يصف العلاقة بين الدولة والفقراء من خلال جملة من الأفكار المركزة التي كتبها الباحث في صورة مقالات خلال عامي 2015 و2016 مشيرا إلى أنها كتبت في أوقات متفرقة وعبرت عن أحداث متباينة مرت بها مصر خلال العامين، إلا أنها تشكل في مجملها موضوعا للنقاش الفكري والجدل، حول العلاقة الساخنة بين الدولة والشعب فيما يتعلق بسياسات القهر وفنون الحيلة. ولا يعتبر الكتاب نسيجا مختلفا عن سابقيه من الكتب التي تناول فيها الباحث قضايا الفقراء، الذي أكد أنه في كل دراسة بحثية أجراها وفي تلك القضايا حقها "ولكن يبدو أن قضايا الفقراء باتت مرضا عنكبوتيا أو سرطانيا متشعبا لا يمكن وصفه أو الحديث عنه في كتاب واحد، أو دراسة بحثية واحدة". فقراء الكتاب - كما أوضح الباحث - ليسوا الفقراء الذين وصفهم المناضل الشيوعي هنري مايو "بأنهم من سلالتين مختلفتين"، وخول لكل سلالة منهما السلطة الكافية في التعامل مع الأخرى، بل واختزل استمرار تعايش السلالتين في الوطن الواحد في قدرة كل منهما على التحايل على قهر الأخرى. وإنما الفقراء هنا "هم عامة الشعب الذين لا يختلفون عن ملاك المال والسلطة سوى في جودة الحياة". لا يهتم الباحث بمناقشة مفاهيم الفقر، إلا أنه يركز بشكل كبير على طبيعة الممارسات والتدابير التي تتخذها الدولة في التعامل مع الفقراء والتي رغم أنها تبدو بريئة في ظاهرها، بيد أنها تدفع في أحايين كثيرة إلى الإبقاء على الفقراء. ورأى الباحث أن قليلا من المفكرين أولئك الذين يوافقون على اعتبار نقص القوة في التأثير على النسق السياسي أو لمواجهة سياسات التحيز والاقصاء هو تعرف كامل للفقر، إذ إن الفقراء عادة ما يفتقرون إلى القوة، والقوة أيضا عادة ما تستمد من مصادر مختلفة، كالوجاهة والسيطرة والسلطة والنفوذ، إذًا فهم يفتقرون إلى القوة بكل معانيها، فهم لا يملكون الموارد ليصبحوا من الوجهاء، ولا يمكنهم معاقبة الآخرين اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا سياسيا إلا من خلال الانتخابات. هذا في حالة إذا كانت الانتخابات نفسها تتم بطريقة نزيهة. القضية الأساسية التي يتناولها الباحث تدور حول التهميش والإقصاء المتعمد لطوائف الفقراء على مدار التاريخ وفي شتى ملفات التنمية وفي مختلف قطاعات الحياة، وما إذا كانت الدولة بالفعل وعلى مدار تاريخها الطويل تبنت سياسات اجتماعية واقتصادية جادة لمحاربة الفقر، أم أن سياساتها كانت تستهدف في الأساس محاربة الفقراء. أيضا تطرح بعض مقالات الكتاب تساؤلات أهمها: هل استكان الفقراء لاستبعاد الحكومات أم أنهم قاموا بثورات اجتماعية عديدة ومارسوا حيلا عديدة للتعايش مع السلطات المجحفة للحكومات وذلك ليس لشيء سوى ليعيشوا في وطن آمن؟ ورأى الباحث أن وجود الفقراء ييسر الممارسة السياسية ويعمل على استقرارها، فمن المعروف أن مشاركتهم السياسية كانت ضعيفة، وبالتالي فإن اختياراتهم السياسية كانت محدودة، حيث يضطرون إلى بيع أصواتهم إلى مرشحي حزب بعينه. وفضلا عن ذلك فإن وجود الفقراء يتيح الفرصة للأغنياء لكي يشغلوا أنفسهم بعديد من الأنشطة الاقتصادية التي تعود عليهم بالفائدة، فالخدم مثلا يجعلون الحياة أكثر يسرا لمستخدميهم ويتيحون لهم الفرصة لمزيد من الغنى والقوة، كما أنهم يدفعون نسبة عالية من دخولهم في الضرائب، وهم بالتالي يساهمون أكثر من غيرهم في الخدمات الحكومية التي يستفيد منها عادة الجماعات الأكثر امتيازا في النظام. وأضاف "أن الفقراء يدعمون المستحدثات في الممارسات الطبية، حيث يستخدمون كحقل للتجارب في المستشفيات التعليمية والبحثية، وإذا كانت التقارير تؤكد أن مصر بها أكثر من 37 مليونا، فماذا لو استمرت الحكومة في تحاملها على الفقراء؟ وماذا لو تمكن عمال النظافة والصرف الصحفي وسائقو النقل العام وعمال المصانع من تنظيم أنفسهم وأضربوا عن العمل؟ عموما التحدي الحقيقي الذي يواجه دولة السيسي واستقرارها يتمثل في كيفية التعامل مع قضايا هذه الفئات واحتياجاتهم، بما يضمن استمرارهم في أعمالهم في ظل رفع أجورهم، وتحسين أحوالهم المعيشية، وإذا كانت هذه هي المعادلة الأصعب فهل سوف يتحامل السيسي على الفقراء؟" وأشار الباحث إلى أن الدولة استخدمت على مدى التاريخ أسلوبين لـ "تركيع" الشعوب، الأول: "تجهيل الشعب كما حدث قديما في العصر الروماني وحديثا في عهد الخديوي إسماعيل، والثاني يكمن في قهر الشعب وتجويعه من خلال تطبيق حزمة من السياسات الضريبية التي تستنزف قدرة الشعب على إشباع احتياجاته أو لجعله منشغلا عن أمور الحكم والسياسة بالبحث عن لقمة العيش. ولفت إلى أن معظم الأنظمة الضريبية التي اتبعتها الأنظمة الحاكمة لم تفض إلى تحسن ملحوظ في حياة المصريين بل عادة ما كانت تنقلهم من سيء إلى أسوأ. فعادة ما كانت هذه الضرائب تتعرض للسرقة والسطو من كبار المسئولين في الدولة والقائمين على جبايتها دون رادع أو رقيب، مما تسبب في إفلاس الدولة وإصرارها إلى فرض المزيد من الضرائب تحت مسميات مختلفة، رغم أن الدولة لم تعد قادرة على تقديم خدمات تستحق أن يجمع لها ضرائب، وعموما فإن لم يقابل فرض الضرائب بتحسن في حياة الشعوب، فإن فرضها يعد نوعا من الاستعباد. وأوضح الباحث "في مصر قام الشعب بثورتين تصور في كليهما أن تغيير النظام هو الحل، وأن النظام متجسد في شخص واحد أو جماعة واحدة، وحقيقة الأمر أن المشكلة ليست في الشخص الحاكم، وإنما في النظام الذي تدار به البلاد، والذي يجعل الحاكم دائما أسدا، فإذا كانت الثورات العربية قد أطاحت بحكام مفسدين، قإن الواقع يشهد أنها فشلت جميعها في الإطاحة بالأنظمة المستبدة. والتنمية في مصر لا تزال متخلفة يجرها قطار تقوده "أرانب" حكومات تركب نفس القطار المتجسد في سياسات بالية، عجزت عن فهم حقيقة التنمية وآليات تحقيقها، فأصبحت مصر دولة تقوم التنمية فيها على الاقتراض والاستدانة: فتقوم الدولة بالاقتراض من الخارج لتقرض بالداخل، وتتحول الدولة من مسئول أول عن التنمية إلى وسيط تقترض أموالا من الخارج لتقرضها لمواطنيها بـفائدة أعلى بالداخل وتصبح معضلة التنمية في مصر تكمن في إمكانية تحرير الدولة من استراتيجية "الدائن المدين". وقال "لما كان الفقر في مصر يزداد حدة، لدرجة أن هناك فئات سكانية عريضة تجاوزت خط الفقر ووصلت بجدارة إلى خط الاحتياج، فإن الحديث عن المجاعة بات ملحا، لما قد تفضي إليه المجاعات من فرص لزيادة حدة التفاوت الطبقي، الذي يكرس لإقصاء فئات عديدة عن المشاركة وحتى الانتفاع العادل من موارد الدولة ويسمح بإنتاج فئات جديدة من العبيد في مجتمع يدعو إلى احترام قيم المواطنة. وأكد الباحث أنه في حال استمرار الحكومة والنظام في تجاهلها لجملة الاحباطات التي يعيشها المصريون الآن، واستهانت باستهانتهم للموت وإن لم تتمكن الحكومة من إعادة تشكيل معنى الحياة لديهم فإن أرصدة الديون لن تتوقف عن التزايد، وعجلة التنمية لن تتحرك إلى الأمام، فالمصريون ليسوا بحاجة لوجبة غذاء بقدر حاجتهم إلى "أمل" يربطهم مجددا بالحياة، أو إلى "حلم" يشاركون في تحقيقه.   محمد الحمامصي

مشاركة :