لقد صدر الحكم فلا جدوى من الاستئناف أو الإنكار أو حتى الجدال، الرجال هم أكثر رومانسية من النساء، هو حكم نهائي قائم على دراسة إحصائية تم نشرها ضمن كتاب The Normal Bar، وقد شملت هذه الدراسة سؤال آلاف الأشخاص من الجنسين حول هذا الموضوع؛ حيث بلغ عدد الأسئلة أكثر من ألف وثلاثمائة سؤال، شملت كافة الجوانب المتعلقة بمفهوم الرومانسية كما هو متعارف عليه، وتمت معالجة الإجابات إحصائياً للوصول إلى نتائج واقعية يمكن الاعتداد بها (على سبيل المثال فإن من النتائج الإحصائية التي تم التوصل إليها أن ثمانية وأربعين بالمائة من الرجال قد وقعوا في الحب من النظرة الأولى، في حين انخفضت النسبة لدى النساء لما دون ثمانية وعشرين بالمائة). الدراسة أو المشروع والكتاب الذي تمخض عنها قامت بها سيدة الأعمال الريادية كريسانا نورثرب (وشهد شاهد من أهلها)، بالتعاون مع البروفيسور ببر شوارتز، وهو عالم اجتماع في جامعة واشنطن، والبروفيسور جيمس شوارتز مدير مركز العلوم الاجتماعية في جامعة جورج ميسون. أما وقد صدر الحكم فربما من المجدي أن نحاول تفسيره لا الجدال حول مدى صحته، وخصوصاً أنه يبطل الخرافة المتعارف عليها بأن النساء هن الأكثر رومانسية والأصدق عاطفة، فمن منا معشر الرجال من لم يتم اتهامه بأنه قاسي القلب أو خالي المشاعر أو بليد الإحساس؛ لمجرد أنه نسي ذكرى الزواج أو لم يظهر إعجابه بالحذاء الجديد التي ترتديه الزوجة. أنا شخصياً أعتقد أن هذا التناقض بين نتيجة الدراسة وما هو متعارف عليه مرده الفرق بين الجنسين في ترسيم حدود الرومانسية، وبصورة أكثر تحديداً التفرقة بين الغاية والوسيلة العاطفية، إن من المؤكد أن للتبادل العاطفي أو ما يسمى "الحب" طقوساً تتراوح ما بين تبادل الهدايا إلى تبادل القُبل، وأنا أعتقد أن الإناث هن أكثر ميلاً للخلط بين العاطفة ذاتها وبين طقوسها، فعلى سبيل المثال تصبح الهدية أو القُبلة لدى المرأة جوهر العاطفة ذاتها، وليست أحد طقوسها كما يراها الرجل الذي يعتقد أن هذه قشور لا تؤثر على جوهر العلاقة. إضافة لما سبق فإنني أرى أن هناك جانباً آخر مهماً لتفسير نتائج هذه الدراسة، فالرجال أميل إلى كبت عاطفتهم باعتبار أنها شكل من أشكال الضعف أو ربما اجتناباً لما يرونه ذُل الرفض، وخصوصاً أنهم في العادة هم المبادرون لبدء العلاقة العاطفية، هذا لا يعني أنهم أقل عاطفة أبداً ولكنهم فقط أكثر تحفظاً وكتماناً. وحسب هذه الدراسة، فإن احتمال الخيانة العاطفية للرجل هو أقل بكثير من احتماله لدى المرأة، ولكن ولأغراض تحري الدقة فإن كثيراً من الرجال الذين شملهم البحث لم يروا في العلاقة الجسدية العابرة خيانة عاطفية، في حين أن النساء كن دائماً يرينها كذلك، وهذا ما يحيلني لموضوع شائك آخر أرى أنه ذو علاقة وثيقة بهذا الطرح، وهو أنه فيما يفصل الرجل بين العاطفة والعلاقة الجسدية والالتزام الاجتماعي (الزواج)، فإن أغلب النساء يرينها جميعاً وجوهاً أو تجليات لموضوع واحد، ففي حين أنه من السهل على كثير من الرجال أن يحبوا امرأة بإخلاص ويمارسوا علاقة جسدية (عابرة) مع أخرى، فإن هذا التمايز غير وارد عند معظم النساء، فهن يصررن على اجتماع هذه العلاقات في شخص واحد، (وقد أجريت بعض الأبحاث لدراسة هذا الموضوع من منظور "تطوري" خلصت إلى أن مردّ هذا الفرق هو اختلاف آلية التكاثر بين الرجل والمرأة؛ حيث إن الرجل الذي ينتج مئات الملايين من الحيوانات المنوية مبرمج ليتبع استراتيجية توزيع بذوره على أكبر مساحة ممكنة، في حين أن استراتيجية المرأة قائمة على رعاية البذرة الواحدة، والتأكد من توفر ظروف نموها، وذلك لمحدودية البذور المتوفرة للتكاثر لديها مقارنة مع الرجل). وفي هذا السياق اسمحوا لي هنا أن أقحم انطباعاً شخصياً حول هذا الموضوع، فأنا أرى أن كثيراً من الذكور، وخصوصاً ممن هم في مقتبل العمر وحين تتدفق عاطفتهم تجاه فتاة ما، فإنهم كثيراً ما يحبون لغاية الحب فقط دون التفكير في تأطير هذه العاطفة اجتماعياً أو تحديد غاية لها، فالحب -بالنسبة لبعضهم على الأقل- هو أقرب ما يكون للحظة التجلي الصوفية التي تطلب لذاتها لا لأي غاية أخرى، في حين تصر الفتاة على تأطير هذه العلاقة اجتماعياً وحياتياً، وتحديد إلى أين ستؤدي منذ البداية، ويبدو لي -وربما كنت مخطئاً- أنه بالنسبة للرجل، فإن العلاقة الأولى أو ما يسمى الحب الأول هو التجربة الأهم في طريق تطوره العاطفي، وفي كثير من الأحيان، فإن هذا التطور يتثاقل أو يتوقف عندها، وعلى الرغم من أن مثل هذه التجارب المبكرة لا تؤدي في الغالب لأي نوع من الارتباط طويل المدى لأسباب واقعية، فإن تأثيرها قد يبقى مع الشخص ويجعله أقل قدرة على الدخول في تجارب أخرى منزوعة الدسم العاطفي، في حين أن العاطفة الأنثوية متجددة ودائمة. وهنا أود أن أطرح وجهة نظر شخصية أخرى لم تتطرق لها الدراسة، أنا أرى أن العاطفة درجات يعتمد صعودها على الشخص نفسه ذكراً كان أو أنثى، فليس جميع الناس قادرين على بذل وتلقي العاطفة بنفس الطريقة والكمّ، وربما تكون أسباب هذه الفروقات بيولوجية وراثية أو مكتسبة من البيئة (فمثلاً تميز عشاق بني عذرة عن غيرهم من العرب في إخلاصهم ووفائهم ورومانسيتهم كما تشي بذلك قصائد شعرائهم كجميل بثينة وغيره)، وربما يكون السبب أن جزءاً كبيراً من التجربة العاطفية هو إسقاط ذاتي مصدره الشخص المعني وتخيلاته، وبالتالي فإن الأشخاص الأكثر وعياً وحساسية وخيالاً هم الأكثر ميلاً للتطرف العاطفي، وهنا أتذكر مقولة أحدهم بأنه لا يستقر العشق إلا في قلب من يستحقه (قد يكون السبب في هذا الانطباع أن مثل هؤلاء هم الأكثر قدرة وتأثيراً في التعبير عن عاطفتهم ليس إلا). وأخيراً وليس آخراً أود أن أختم هذه المدونة باعتراف: لقد قضيت العمر أبحث عن امرأة تشاركني ماضيّ فلم أجد، فكلهن أردن أن يشاركنني مستقبلي، فلا أنا وجدت ولا هنّ فعلْن. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :