رب ضارة نافعة حكمة قديمة يتداولها العامة عند المحن والابتلاءات هذا ما آلت إليه الأوضاع في قطر بعد الحصار الجائر الذي فرضته دول عربية على الدوحة في الخامس من يونيو الماضي والذي جاء مفاجئا ومتزامنا مع شهر رمضان المبارك الذي يفترض فيه التقوى والاخلاص في العمل وصلة الأرحام. ومع بداية الحصار استنفرت مؤسسات الدولة كل قواها وبدأت العمل الفوري بجدية وتفان تحت القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى من أجل توفير كافة الاحتياجات ولم يشعر المستهلك، سواء مواطناً أو مقيماً بأي نوع من النقص في السلع والحاجيات في السوق منذ بداية الأزمة، وتعكف وزارة الاقتصاد والتجارة على خلق مشاريع جديدة لدعم المنتجات الوطنية، وبالتالي مساعدة أصحاب تلك المنتجات على زيادة مبيعاتهم والتوغل في السوق أكثر، وزيادة الاعتماد عليها وتقليل حجم الاستيراد. وأبهرت دولة قطر العالم بالإجراءات التي تتخذها لمواجهة الحصار، على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والرياضية في جهود متسارعة لتعزيز أمن واقتصاد البلاد.دبلوماسية قطر تضع دول الحصار? في مأزقنجحت الدبلوماسية القطرية، منذ بدء أزمة الحصار، أن تحقق كثيراً من النجاحات، التي أظهرت مدى ضعف خطوات ومنطق دول الحصار، ووضعتها تحت ضغط دبلوماسي عالمي، في ظل حالة من التخبط لوزراء خارجية الدول المحاصرة، والذين كان اجتماعاهم في القاهرة والمنامة، محط سخرية كثيرين لضعف المنطق، مقابل دبلوماسية راسخة، استطاعت قطر أن تقدمها، من خلال وزير الخارجية سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني. وعرضت «الجزيرة» في تقرير أهم الخطوات الدبلوماسية منذ بدء الحصار، جاء فيه: بلغة دبلوماسية هادئة وجولات مكوكية وخطاب إعلامي متوازن، نجحت الدوحة في سحب البساط من تحت أقدام دول الحصار، ما دفع الأخيرة بعد شهرين من التصعيد والوعيد للتحول إلى الدفاع والتبرير، خصوصاً بعد أن اتضح أن الأزمة بنيت على دوافع ملفقة. وقاد سعادة وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الحراك الدبلوماسي، حيث حافظت الدبلوماسية القطرية في خطابها على الهدوء والترفع والمحاجة القوية المبنية على الوقائع للرد على الادعاءات، بينما كانت دول الحصار تمارس سياسة الضغط، أملاً في تحقيق الانفجار فأخرجت أوراق قوتها جميعاً. استوعبت الدوحة الصدمة، وأوجدت بدائل حالت دون إحداث خلل في حياة المواطنين، وبالسرعة ذاتها طرق المسؤولون القطريون أبواب مراكز صنع القرار العالمي شرقاً وغرباً. حظي الموقف القطري بدعم واضح من أنقرة وباريس وبرلين، وأفلحت الدبلوماسية القطرية في تحييد مواقف دول كبرى مثل روسيا والصين وبريطانيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، كما أبقت دولاً إفريقية على الحياد. وبالنتيجة، أجمع المجتمع الدولي على أنه لا سبيل غير الحوار للخروج من الأزمة، وهو ما دفع دول الحصار لإرسال مسؤوليها إلى العواصم الكبرى، للتشويش على حراك قطر الدبلوماسي، ولكن دون جدوى. وعندما طرحت تلك الدول 13 مطلباً رفضتها الدوحة جميعاً ودعت إلى حوار دون إملاءات، ودون تدخل في سيادتها وفي حرية الرأي والتعبير على أراضيها. والتقطت الدبلوماسية القطرية مطلب إغلاق قناة الجزيرة ومزاعم تمويل الإرهاب، فكشفت النوايا المبيتة لقمع حرية الإعلام ووقعت مذكرة تفاهم مع واشنطن لمكافحة تمويل الإرهاب، ما وضع دول الحصار أمام عاصفة من التنديد الإعلامي الغربي، لا سيما مع فتح ملفات انتهاكات حقوق الإنسان ودعم الإرهاب في تلك الدول. ومنذ الساعات الأولى للأزمة، سارعت الكويت إلى التواصل مع الأطراف كافة، وشدَّ من أزرها ما لقيته من دعم إقليمي ودولي للسير قدماً في وساطتها، حيث أدرك أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح أن تداعيات هذه الأزمة كبيرة ومؤثرة على أمن البيت الخليجي واستقراره. وتعرضت الكويت لحملة إعلامية قاسية، بسبب تحملها عبء هذه الوساطة، إلا أنها تجاوزتها لمعرفتها بمآرب وأهداف القائمين عليها، حيث قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت إبراهيم الهدبان لـ «الجزيرة» إن الكويت تحرص على البقاء على الحياد، لأنه يجب على الوسيط أن يبقى مقبولاً من الطرفين. وأضاف أن الكويت ترفض مبدأ الإقصاء، وأن موقفها ساهم في تهدئة الخلاف، وأقنع جميع الأطراف بضرورة الاستماع لصوت العقل، معتبراً أنه إذا طال زمن هذه الأزمة فقد تصل إلى نقطة اللاعودة. ورأى الهدبان أن الأزمة بلغت حداً خطيراً جداً، عندما امتد أثرها إلى مستوى المواطنين، حيث أخذ المغردون بالنيل من رموز دول الخليج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى أنه حتى بعد توصل الدول إلى الصلح مستقبلاً، فقد يبقى أثر هذا الخلاف في النفوس. تغطية احتياجات الأسواق ومنتجات وطنية بجودة عاليةوعلى الصعيد الاقتصادي يتحدث المعنيون عن خطط طويلة الأمد، أعدت وتنفذ بالتوازي مع الخطط العاجلة، من أجل منع أي نقص في الأسواق القطرية، ويتحدث سكان قطر عن اكتشافهم لمنتجات وطنية بجودة عالية خلال الحصار، لم يعرفوا بوجودها من قبل. وقررت قطر أن تولي وجهها شطر البحر، بعد أن قطع جيرانها أواصر العلاقات فجأة، بقرار أصدرته كل من السعودية والبحرين والإمارات ومصر، يقضي بغلق المنافذ البرية و خطوط الملاحة الجوية. ومنذ الأيام الأولى للحصار، توقع المحاصرون أن غلق الحدود والمجال الجوي سيكون وسيلة ضغط لترضخ الدوحة لقائمة المطالب، وراهنت على أزمة غذائية تخلو فيها رفوف المجمعات من المنتجات، وهو ما أكده المسؤولون بأنه بعيد المنال، وأن هناك خططاً مدروسة تحول دون وقوعه. كذلك نتج عن هذا الحصار نقض لمواثيق واتفاقيات دولية، وهو ما دفع وزارة الاقتصاد والتجارة القطرية لتقديم شكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد دول الحصار. لكن في المقابل يشير مسؤولون إلى أن الأزمة أتت بما لم تتوقعه تلك الدول، ويشير المختصون إلى أن التحرك السريع لتأمين المنتجات الغذائية بالتوازي مع الخطط طويلة الأمد، أعطى لقطر خطاً دفاعياً يبقيها في منأى عن أية تبعات قد تؤدي لأزمة غذائية. وقد وضعت مبادرات كثيرة نصب أعينها من أجل إيجاد بدائل محلية للبضائع القادمة من دول الحصار، ولقيت أيضاً مشاريع وطنية دعماً حكومياً وترحيباً من المستهلكين. وأكد مستثمرون ورجال أعمال أن الحصار الجائر الذي تمارسه بعض الدول المجاورة منذ أكثر من شهرين على قطر أثبت مدى قوة ومتانة الاقتصاد القطري، ورفع من عزيمة رواد القطاع الخاص على توسعة مشاريعهم وتطوير مجالات عملهم بمزيد الاستثمار في القطاعات الصناعية والتجارية، سعياً منهم إلى مزيد تنويع الاقتصاد القطري.انتعاش حركة السياحة والسفر في قطر رغم الحصار شهد النصف الأول من العام الجاري نموا في أعداد السائحين الزائرين لدولة قطر مع توقعات بارتفاع هذا العدد خلال الفترة المقبلة خاصة بعد الإعلان عن إعفاء مواطني 80 دولة من الحصول على تأشيرة دخول للبلاد. ورغم الحصار المفروض على دولة قطر منذ الخامس من يونيو الماضي إلا أن حركة السياحة لم تتوقف في قطر لتشهد الفترة الماضية تزايدا في أعداد السياح وهو ما تؤكده نسب إشغال الفنادق التي يتم تسجيلها خاصة خلال فترة عيد الفطر المبارك حيث بلغت نسبة الإشغال الفندقي 95 بالمائة. وتعمل الهيئة العامة للسياحة في قطر على العديد من المبادرات والحملات الترويجية والبحث عن أسواق جديدة لاستقطاب السياح وتنويع المنتج السياحي بما يضمن ازدهار قطاع السياحة في قطر الذي لم يتضرر بالحصار بل على العكس شهد نشاطا ملحوظا في ظل الأزمة الحالية. كما نجحت كتارا للضيافة في الاستحواذ على منتجع «بيرجنستوك، بحيرة لوسيرن» في سويسرا والذي يعد من أشهر الوجهات السياحية العالمية بما يقدر بحوالي مليار دولار أميركي، والذي تعمل على تطويره وسيتم افتتاحه نهاية هذا الشهر. وبعثت دولة قطر رسالة تحدٍّ جديدة للدول المحاصرة لها، وذلك حين واصلت توسيع آفاقها الدولية من جديد، حيث عزز مطار حمد الدولي يوم أمس رعايته البلاتينية لنادي بايرن ميونيخ الألماني لكرة القم لغاية عام 2023.أبطال قطر يلفتون أنظار العالم نحو الدوحة وفي الجانب الرياضي تواصل دولة قطر السير في طريقها وفق خطط مرسومة دون الالتفات للآخرين للنهوض بالبلاد بدءا من الفوز بحق تنظيم بطولة كأس العالم 2022 والعمل الدؤوب على استكمال كافة تجهيزات المونديال والبنى التحتية التي يقول عنها خبراء بأنها ستبهر العالم بإمكانيات غير مسبوقة كذلك قنوات «بي إن سبورت» ورعاية الخطوط الجوية القطرية للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" ونادي برشلونة الإسباني. كما نجح نادي باريس سان جيرمان المملوك لجهاز قطر للاستثمار في حسم صفقة انتقال اللاعب البرازيلي نيمار دا سيلفا بصفقة هي الأغلى في العالم بقيمة قدرت بـ 225 مليون يورو ما أحدث ضجة عالمية وهو ما وصفته وكالة أسوشيتد برس الأميركية بأنها رسالة من قطر لحلفائها الأجانب والمستثمرين بأن الأمور تجري على طبيعتها بعد شهرين من الحصار من قبل السعودية والإمارات. وتسلمت قطر، أمس الأول، علم بطولة العالم لألعاب القوى، بعد اختتام نسخة لندن 2017، وستكون الدوحة المدينة المضيفة للنسخة التالية لثالث أكبر تجمع رياضي على مستوى العالم، وذلك في عام 2019، وستقام منافساتها في استاد خليفة الدولي، لتكون النسخة الأولى على الإطلاق من هذه البطولة تُقام في منطقة الشرق الأوسط. وكعادته تفوق الصقر القطري معتز برشم على صفوة الواثبين العالميين المشاركين في نهائي بطولة العالم لألعاب القوى في لندن عن جدارة واستحقاق، مسجلاً أفضل ارتفاع أمام العارضة (2.35م)، محققاً إنجازاً عالمياً جديداً للرياضة القطرية، مؤكداً به موهبته وقدراته العالية، وعلو كعبه على بقية الأبطال العالميين، في اختصاص الوثب العالي. كما توج السوبرمان القطري ناصر بن صالح العطية بطلاً للنسخة 14 من رالي «باها المجر» ــ الجولة الثامنة من بطولة كأس العالم للراليات الصحراوية ــ لفئة السيارات (تي 1) (فيا كروس كانتري)، بعدما أنهى السباق ــ مع ختام المرحلتين الرابعة والخامسة وامتدت المسافة 206.40 كلم ــ متصدراً للترتيب العام بفارق 3.38 دقيقة عن أقرب ملاحقيه.;
مشاركة :