أثار إنذار "الدولة الإسلامية" في العراق (داعش) موجة غضب في صفوف المسيحيين اللبنانيين ونشر الذعر حول مصير الأقليات في المنطقة العربية. وكان لافتا جدّا عدم صدور أيّة بيانات استنكار وشجب من قبل القيادات المسيحية السياسية في تنافر واضح جدّا مع القاعدة الشعبية التي باتت خائفة على مصيرها. وقال رئيس الرابطة السريانية حبيب افرام ل"الرياض" أمس بأنه متفاجئ بكيفية انتهاء مسيحيي العراق وسط صمت مطبق". وأشار افرام:" ثمّة مسؤولية كبرى ملقاة على الدول الإسلامية من أجل مجابهة هذه الحالات المتطرفة الشاذة على غرار "داعش" لأنها تسيء الى صورة الإسلام السمحة، فالإسلام الشرعي لا يقبل العنف ويدعو الى احترام الآخرين من هنا نناشد الدول المعنية برفع الصوت ضدّ هذه الظاهرة". وكتب رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع على صفحته على "الفايسبوك" تعليقا على الإنذار الذي وجّهته "داعش" الى المسيحيين العراقيين في مدينة الموصل بتخييرهم بين اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو الموت بحدّ السّيف إذا بقوا في المدينة بعد انتهاء الإنذار ظهر السبت:"أستهجن بشدة التعرض للمسيحيين وجميع الأقليات من شيعة وتركمان وصابئة وأزيديين وسواهم في مدينة الموصل ومناطق نفوذ داعش". ورفض جعجع "مثل هذه التصرفات المقيتة التي تناقض كل المفاهيم الإنسانية والوطنية والاجتماعية كما تناقض المفهوم الديني الذي عبر عنه كبار العلماء والفقهاء المسلمين من مختلف المذاهب، على قاعدة "لا إكراه في الدين"، علما بأن وجود المسيحيين وسائر الأقليات في العراق هو وجود تاريخي، ولم يتعرضوا منذ صدر الإسلام لما يتعرضون له اليوم وبهذا الشكل السافر من قبل داعش". ووجه "نداء عاجلا إلى المجموعات المعتدلة في الموصل، كي تعمل على وقف ممارسات داعش وتغلب الاعتدال على التطرف الأعمى، حتى لا تذهب بجريرة هذا التطرف، الذي يخدم أكثر ما يخدم الأنظمة الجائرة، التي تبحث عن أي مبرر لاستمرارها"، حاثا دول المنطقة وعواصم القرار على "وضع حد لتصرفات داعش، والسعي إلى إقرار السلام والعدالة والمساواة كبديل عن الأنظمة الجائرة وعن الحركات التكفيرية والإلغائية معا" وأمس صدر عن بطريرك بابل عن الكلدان لويس رفائيل ساكو نداء وزعه مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك أشار فيه الى أنّ " استيلاء الجهاديين الإسلاميين على الموصل واعلانهم دولة اسلامية، وبعد ايام من الاستكان والترقب، انعكس سلبا على مسيحيي المدينة والمنطقة المجاورة، وكانت اول بوادر هذا الانعكاس خطف راهبتين وثلاثة ايتام اطلق سراحهم بعد 17 يوما، استبشرنا خيرا بهذا التطور واعتبرناه بارقة امل وانفراجا، واذا بنا نتفاجأ بآخر المستجدات، وهي توزيع الدولة الاسلامية بيانا تدعو فيه المسيحيين صراحة الى اعتناق الاسلام، واما دفع الجزية من دون تحديد سقفها، او الخروج من مدينتهم ومنازلهم بملابسهم دون اية امتعة، وافتت ان منازلهم تعود ملكيتها منذ الان فصاعدا الى الدولة الاسلامية. وكانوا في وقت سابق قد كتبوا على بيوت المسيحيين حرف (ن) اي نصارى، كما كانوا قد كتبوا على بيوت الشيعة حرف (ر) اي روافض، ومن يدري ماذا بعد في الايام المقبلة حيث ان نظام الدولة الاسلامية مبني على ما يدعون انه الشريعة ومن ضمنها اعادة تعريف الهويات على اساس ديني ومذهبي". أضاف البطريرك:" إن هذه الاشتراطات تسيء الى المسلمين والى سمعة الدين الاسلامي الذي يقول بأن "لكم دينكم ولي ديني"، و"لا اكراه في الدين"، وانها نقض لألف وأربع مئة سنة من تاريخ العالم الاسلامي وحياته وتعايشه مع ديانات مختلفة وشعوب مختلفة شرقا وغربا احترم عقائدها وتآخى معها، وكم تقاسم المسيحيون في شرقنا بالذات ومنذ ظهور الاسلام الحلو والمر واختلطت دماؤهم في الدفاع عن حقوقهم وأرضهم وبنوا سوية حضارة ومدنا وتراثا، وحرام ان يعامل المسيحيون بالرفض والطرد والملاشاة ولا يخفى ما لذلك كله من نتائج وخيمة على التعايش بين الاكثر والاقليات، لا بل بين المسلمين انفسهم على المدى القريب والبعيد وإلا فالعراق مقدم على كارثة انسانية وحضارية وتاريخية". وقال البطريرك:" إننا نطلق نداء حارا اخويا ملحا وخطيرا ونناشد اخواننا العراقيين الذين معهم، ان يعيدوا النظر في استراتيجيتهم ويحترموا الناس الابرياء العزل، من كافة القوميات والديانات والمذاهب، فالقرآن الكريم يوصي باحترام الابرياء ولا يدعو الى الاستيلاء على ممتلكات الناس عنوة، ويجير الارملة واليتيم والمعدم والاعزل، ويوصي حتى الى سابع جار. كما نهيب بالمسيحيين في المنطقة اعتماد العقلانية والفطنة، وان يحسبوا حساباتهم بشكل جيد ويفهموا ما يخطط للمنطقة ويتكاتفوا بالمحبة ويتدارسوا معا وسوية وبتضامن، سبل بناء الثقة بأنفسهم وبجيرانهم والالتفاف حول كنيستهم ويصبروا ويتحملوا ويصلوا الى ان تعبر العاصفة".
مشاركة :