لم يقل أحد أن بإمكان المقاومة الفلسطينية المتسلحة بحجر ونبالة وصواريخ بدائية الانتصار على خامس جيش في العالم، لكن كم كان مخجلا أن يواجه سكانا عزلا ويسقط له قتلى وأسرى من فرق نخبته العسكرية، كم كان مذلا وضع سكان واحة الأمان (إسرائيل) داخل الملاجئ، كم كان مكلفا تعطل اقتصادها وحجم خسارتها وانكشاف عدوانها أمام الرأي العام العالمي والمظاهرات التي اجتاحت دول العالم تنديدا بوحشيتها، كم كان مبهجا عودة الوعي للشباب العرب بقضيتهم والاهتمام بها. لكن بعيدا عن كل هذا، ماذا عني أنا وأنت، ماذا قدمنا بجانب الدعاء والتعاطف. شرح ذلك يطول، لكن يمكن ابتساره بالاعتراف ببضعة أخطاء استراتيجية، بدايتها اعتبار مشكلة فلسطين قضية عربية محضة، ثم تحجيمها كقضية فلسطينية خالصة، حتى انتهت قضية إنسانية عامة، سهل هذا عدة اختراقات بدءا بكامب ديفيد مرورا باسلو وشروم الشيخ العديدة في مسلسل مفاوضات لتمرير الاستيطان ودعم الحصار لخلق كانتونات فلسطينية، من ضمنها قطاع غزة الذي كان الإسرائيليون يودون قذفه في البحر ثم عادوا يريدون ضمه للصدر بعدما اكتشف العلماء أنه يعوم على بركة ضخمة من الغاز الطبيعي. لم يعد احتلالا وحسب، ولا حصارا فقط، صار استغلالا وسرقة لمصادر ثروة وطنية، لذا صرح سفير (إسرائيل) في واشنطن عن عملية برية لتجريد غزة من السلاح ومن ثم تسليمها صوريا للسلطة في الضفة. خطأ منهجي آخر تخلينا عن فلسطين لآخر استعمار على وجه البسيطة، فتولدت لدينا حالة لا مبالاة تتستر بالتعاطف وتتسربل الحزن على الفلسطينيين، هم ليسوا بحاجة تعاطفنا ويستحقون منا أكثر من الدعاء، ونحن نستحق أن نفهم حقيقة القضية، لأنها تخصنا قبل الفلسطيني الأسير الجائع المحاصر. من السهل التهرب بتحميل قادة القضية بالضفة والقطاع المسؤولية، مع أنها قضيتنا فوق خصوماتهم، ألا يخصنا الأقصى الأسير، أول القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى نبينا عليه السلام الذي بشرنا بالنصر النهائي فيها، أليس هو احتلال واستيطان لأرض عربية، أليس هو حصار بغرض التجويع والتركيع لإخواننا في الدين والعرق واللغة والتاريخ والجغرافيا والبيولوجيا والانثروبولوجيا وكل علوم الأرض الأخرى. خطأ معرفي آخر الظن أن (إسرائيل) تريد سلاما وحدودا آمنة، بينما هي مؤمنة أنها حرب وجود لا حرب حدود لخلق شرق أوسط جديد على مقاسها. مرة أخرى بعيدا عن كل هذا وفي خضمه، لنعد إلى ما يمكن أن نقدمه أنا وأنت، ليس المطلوب حمل بندقية والتوجه للحدود، برغم أن هذا هو طريق الجهاد الحق لطالبه ولمن يفتي به، ليس المطلوب القيام بمظاهرات ومهرجانات تأييد، المطلوب أبسط من ذلك بكثير، أهون حتى من أضعف الإيمان، المطلوب أن تظل القضية قضيتك وألا تموت على يدك، أن تناصرها في كل محفل، أن تورثها لمن تعول وتشرحها لمن تحب كحق ينتظر التحقيق وواجب ينتظر القيام به، أن تحفظها من التلوث الإعلامي والسياسي والأيدولوجي.
مشاركة :