مدينة فاضلة على فيسبوك لا تعرف النساء والسياسة بقلم: أحمد حافظ

  • 8/16/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

مدينة فاضلة على فيسبوك لا تعرف النساء والسياسة تحولت المجموعة المغلقة “جت في السوستة” إلى مجتمع قائم بحد ذاته، يسعى إلى نبذ كل ما يؤدي إلى الانقسام والتعصب والعنصرية، رغم أنه يقتصر على الرجال فقط، وبات نقطة تواصل بين المصريين في كل أنحاء العالم.العرب أحمد حافظ [نُشر في 2017/08/16، العدد: 10724، ص(19)]دولة للذكور فقط القاهرة - للوهلة الأولى، يظن أيّ متصفح على موقع فيسبوك، أن المجموعة المغلقة "جت في السوستة" مخصص للأحاديث الجنسية، والتحدث في كل شيء غير مباح كتابته على العموم عبر الصفحات الشخصية، أو مجرد تجمع ذكوري للهرب من النساء، لكنه ما يلبث أن يجد دولة أخرى داخل المجموعة، قائمة على التواصل والتعارف وخدمة الغير والمساعدة في الأزمات وجمع التبرعات. من صفحة خاصة على فيسبوك أسسها صاحبها ليسأل أصدقاءه سرًا عن علاج لمرض أصيب به في أحد أعضائه التناسلية، إلى أكبر تجمّع ذكوري على مواقع التواصل، تجاوز عدد مشتركيه الرجال أكثر من مليون شخص خلال 3 أشهر فقط، هي قصة تأسيس مجموعة “جت في السوستة”، على يد المحامي المصري محمد جيري. وأطلق جيري على المجموعة اسم “جت في السوستة”، في إشارة إلى مكان سترة الخصية التي كان السؤال عن أمراضها سببا في إطلاق الصفحة، ليجد مؤسس المجموعة أن خصوصية المجموعة بعيدًا عن العنصر النسائي لها الكثير من المزايا، منها حرية التحدث في كل شيء، وفي مقدمة ذلك العلاقات الجنسية. حظيت المجموعة بشهرة واسعة خلال أسابيع قليلة، وانضم إليها بشكل يومي الآلاف من الرجال، وبعدما كان مخصصًا للمزاح والتحدث بين مشتركيها في نواحي ترفيهية وجنسية ونكات، قام مؤسسها بتغيير ثقافة النشر داخل الـ”جروب”، ووضع قائمة بالمحظورات، وهي منع الحديث في السياسة وكرة القدم والدين، باعتبارها أكثر الأشياء التي تسبب انقسامًا مجتمعيًا، وهذا ما يتعارض مع سياسة المجموعة التي تستهدف الوحدة والترابط. وساهمت حادثة في إذاعة صيت المجموعة عاليا، بعد تعرض إسلام البيلي، وهو مواطن مصري مقيم في السعودية لأزمة كادت تودي به إلى السجن عندما اختلت عجلة قيادة السيارة في يده، وتسبب في إحداث أضرار بـ6 سيارات أخرى، ما جعل الشرطة توقفه ويتم تحديد مبلغ كبير كغرامة لإصلاح السيارات التالفة، وتم سجنه عندما لم يستطع الوفاء بالغرامة كاملة. وأرسل البيلي مشكلته على صفحة المجموعة، ليجد تجاوبا واسعا حيث تبرع أعضاء مصريون في المجموعة للتفاوض مع أصحاب السيارات وجمعوا مبلغ الغرامة وأفرجوا عن الشاب.المجموعة تمثل رسالة قوية بأن إبعاد الدين والسياسة عن تصنيف الناس يقوي المجتمع ويتميز أعضاء المجموعة، بلهفتهم لخدمة بعضهم البعض، وتسبب الترابط الاجتماعي والإنساني بينهم في زيادة عدد المشتركين في المجموعة، ورصدت “العرب” وجود مصريين مغتربين في دول أوروبية يتواصلون مع بعضهم البعض في دول الاغتراب عن طريق المجموعة. وما يثير الدهشة، أن الغالبية من المشتركين في المجموعة لا يعرفون بعضهم ولم يلتقوا أبدا، لكنهم اتخذوا شعار “سوستجي” ليكون نقطة التعارف والتواصل الجاد والمساعدة اللامحدودة فيما بينهم، بغض النظر عن الدين أو الفكر، وهي السمة التي لم تعد موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تحوّل بعضها، بل أغلبها، إلى منصات سب وقذف وخوض في الأعراض. وأسس عدد من مشتركي الصفحة محال تجارية ومطاعم ومقاهٍ تحمل اسم “السوستجية”، أو “جت في السوستة”، فضلا عن صناعة ملابس مطبوع عليها نفس الاسم، وكل ذلك بأسعار خاصة لأعضاء المجموعة. وقال محمد جيري مؤسس الـ”جروب” في منشور ثابت نشره قبل أيام، إن فكرة اقتصار الأعضاء على الرجال فقط لا تستهدف العنصرية أو الحط من العنصر النسائي، بقدر ما تمثل استكمالًا لبناء تأسس على التحدث في أمور ذكورية لتجنّب الحرج مع السيدات بشأن الموضوعات المثارة من جانب الأعضاء، ومع الوقت استمرت هذه السياسة، وتحوّل الـ”جروب” من جنسي إلى إنساني يقوم على الحب والمودة والدعم والمساندة. ويرى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، إن هذا التجمع الذكوري الضخم، بحاجة إلى دراسة اجتماعية واسعة لمعرفة أسباب التهافت على الاشتراك والانضمام إليه. وكتب شريف عبدالمنعم “الجروب أثبت ببساطة أننا نعيش في مجتمع نريد فيه أي كيان يحترمنا كبني آدميين”، فيما قال هيثم مبارك “جروب أعضاؤه عبارة عن كوكتيل عجيب من كل المستويات الفكرية والمادية والوظيفية.. كلهم اتفقوا أننا نبقى رجال مع بعض ونساعد بعض بدون ما نعرف بعض، لقد كنّا نشتاق لمجتمع مثل هذا”. وعلّق شريف سمير على خبر وصول أعضاء الـ”جروب” إلى المليون بقوله “شيء طبيعي.. أنت تبعد التعصب السياسي والديني والرياضي عن أي بلد وترى بعدها الناس تحب بعضها مثل الجروب بالضبط وأكثر.. الجروب عبارة عن مدينة فاضلة لا يسكنها الأحزاب ونواب البرلمان ووزراء الحكومة والنشطاء السياسيين والإعلاميين”. ورأى ناجي بدر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإسكندرية، أن الانتشار السريع للمجموعة والتعامل الراقي بين المشتركين فيه، محاولة من الشباب للهرب من الوضع الاجتماعي السيء لمجتمع آخر منغلق تسود فيه المودة والرحمة والمساعدة وانتشال الآخرين من أزماتهم من خلال قانون وعرف خاص بهم وجدوا أنه يؤدي إلى المزيد من التماسك المجتمعي ولا يقصي أحدًا على أساس ديني أو سياسي، وهي مشكلة مختلف المجتمعات، أن يكون هناك استقطاب لأي سبب، وهذا سر نجاح هذا التجمع الشبابي. أضاف لـ”العرب” أن المجموعة تمثل رسالة قوية بأن إبعاد الدين والسياسة عن تصنيف الناس في المجتمع هو دليل قوته وتقدمه وتماسكه، والقضاء على كل من شأنه يغذي الاحتقان يمثل البنيان المتكامل والراسخ لأي دولة أو مجتمع.

مشاركة :