ارتفاع احتياط مصر من النقد الأجنبي ليس نتيجة حتمية للإصلاحات الاقتصادية

  • 8/16/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

أعلنت الجهات الرسمية أخيراً بارتياح كبير عن ارتفاع احتياطات مصر من النقد الأجنبي إلى أكثر من 36 بليون دولار، وهو المبلغ ذاته الذي كانت عليه قبل ثورة كانون الثاني (يناير) 2011. وبذلك ارتفع أكثر من 20.5 بليون دولار خلال سنة واحدة بعدما سجل مجموع الاحتياط 15.5 بليون دولار فقط في تموز (يوليو) 2016. واعتبر رئيس الوزراء المصري إسماعيل شريف أن هذا الارتفاع مؤشر على قدرة الاقتصاد المصري على تأمين الحاجة إلى الاستيراد، كما يعني أن الاقتصاد قد تعافى وإن الإصلاحات الاقتصادية التي أقدمت عليها الحكومة في 2016، بطلب من صندوق النقد الدولي، نجحت وأعطت ثمارها. لا شك في أن ارتفاع الاحتياط الأجنبي لأي بلد مؤشر جيد لأنه يؤمن القدرة على تأمين الاستيرادات لفترة معقولة لا تقل في الغالب عن ستة أشهر. وما عدا ذلك يظل المعنيون في قلق عن كيفية تأمين الواردات. أما ربط الزيادة بنجاح الإصلاحات الاقتصادية وتعافي الاقتصاد المصري، فهو استنتاج مبكر لسببين: الأول، لا بد من معرفة كيف حصلت الزيادة في الاحتياطات. والثاني، لا يتوقع تعافي الاقتصاد المصري ونجاح الإصلاحات في سنة واحدة، بل يتطلب ذلك عادة وقتاً أطول وسياسات اقتصادية، خصوصاً مالية ونقدية، داعمة. فإذا حصل الارتفاع في الاحتياطات نتيجة لعوامل اقتصادية كزيادة الصادرات من السلع والخدمات وزيادة تحويلات العاملين في الخارج وتدفق الاستثمارات الأجنبية أو انخفاض الواردات غير الضرورية نتيجة لترشيد الاستيراد وزيادة الإنتاج المحلي، وهو ما سعت الحكومة الى تحقيقه من قرار تعويم الجنيه، عندها يرتبط ارتفاع الاحتياطات بتحسن الوضع الاقتصادي وبدء الإصلاحات الاقتصادية إعطاء ثمارها. أما اذا حصل الارتفاع نتيجة لانخفاض عام في الواردات بما فيها الضروري مما يؤثر سلباً في الأداء الاقتصادي لقطاع الإنتاج والأعمال وعلى القوة الشرائية لغالبية المصريين، أو حصل بسبب ارتفاع حجم القروض السيادية و/أو نتيجة لعوامل سياسية كزيادة الودائع من بعض الدول لمساعدة مصر في هذه المرحلة، فهنا لا يمكن اعتبار زيادة الاحتياط مؤشراً الى تعافي الاقتصاد وبدء الإصلاحات الاقتصادية بإعطاء نتائجها. يشير بعض المصادر الرسمية الى أن مكونات الاحتياط المصري الحالي هي 12 بليون دولار سندات حكومية، و10 بلايين تحويلات المصريين العاملين في الخارج، و4 بلايين وديعة سعودية، و4 أخرى وديعة قطرية، ومثلها من الإمارات، وبليونان وديعة كويتية. وقال خبراء مصرفيون أن قفزة احتياط النقد الأجنبي لدى البنك المركزي في نهاية تموز الماضي كانت متوقعة في ضوء القروض الأجنبية التي حصلت عليها مصر وترشيد الواردات. ويذكر أن حجم اكتتاب الأجانب في أذونات الخزينة منذ تحرير سعر الصرف حتى 25 تموز الماضي بلغ 13 بليون دولار مع ارتفاع العائد عليها إلى 22 في المئة وهو سعر مرتفع جداً. وزادت صادرات مصر خلال النصف الأول من العام الجاري أكثر من 1.2 بليون دولار مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. وفي المقابل انخفضت الواردات 10 بلايين دولار من 34 إلى 24 بليوناً، أي بنسبة انخفاض أكثر من 30 في المئة. وعلى أثرها انخفض عجز الميزان التجاري من 24 بليون في النصف الأول من 2016 إلى 13 بليون في الفترة ذاتها من السنة الحالية، أي بنسبة انخفاض 46 في المئة. وانعكس الانخفاض الكبير في حجم الواردات إيجاباً على قيمة الاحتياطات الأجنبية، ولكنه أثر سلباً في مستوى معيشة المصريين وعلى الأداء الاقتصادي لقطاع الأعمال. فخفض الدعم على المحروقات والكهرباء وتطبيق ضريبة القيمة المضافة إلى جانب تعويم الجنيه، تسببا بارتفاعات كبيرة في الأسعار تركت غالبية المصريين تعاني من انخفاض القوة الشرائية ومنها الطلب على الواردات. وقد زاد ارتفاع معدلات التضخم السنوية إلى أكثر من 30 في المئة الضغوط على المصريين الذين تعيش غالبيتهم حياة تقترب من خط الفقر. ويشير بعض الخبراء الى أن معدل التضخم السنوي بلغ في تموز الماضي 34.2 في المئة وهو الأعلى في تاريخ مصر على مدى 100 سنة. وهذا يعني أنه يقضي على ثلث قيمة الجنيه المصري وثلث المدخرات. وحذرت إحدى الخبيرات المعنيات بدراسة الفقر في مصر من أنه تنامى في الفترة الأخيرة ليصل إلى 35 في المئة من مجموع السكان وفقاً الى تقديراتها، في مقابل 27.8 طبقاً للبيانات الرسمية. وفي الوقت ذاته أثر ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة وتراجع القوة الشرائية للمستهلكين سلباً على أداء قطاع الأعمال والإنتاج المحلي. اذ تدهور أداء بعض الشركات الغذائية المقيدة في بورصة مصر. فهوت أرباح شركة «إيديتا» وهي أكبر شركة غذائية متخصصة في صناعة الكعك والبسكويت بنسبة 88 في المئة بعد الضرائب، في الربع الثاني من السنة الحالية مقارنة بالفترة ذاتها من السنة السابقة. كما تراجعت أرباح شركة «جهينة» للصناعات الغذائية بنسبة 8.6 في المئة بعد الضرائب. ويتوقع المراقبون أن تستمر الشركات في معاناتها من ضعف الأرباح خصوصاً أنها تحاول عدم رفع أسعارها للحفاظ على حصتها السوقية. ويعاني قطاع الأعمال في شكل عام من تحديات كبيرة أعقبت قرارات التعويم ورفع الدعم خصوصاً عن المحروقات، ورفع أسعار الفائدة. فزيادة التضخم ورفع كلفة الاقتراض وانخفاض الطلب أدت إلى تعليق الكثير من الشركات خططها التوسعية. كما تواجه الشركات التي عليها ديون بالعملات الصعبة أخطاراً. وتشهد الصناعات التي تعتمد على المدخلات المستوردة انخفاضاً في رأس المال العامل بنسبة النصف. يذكر أن حجم الاحتياطات الأجنبية الحالي لن يبقى ثابتاً، اذ قد يتعرض للانخفاض في العام المقبل، لأن على مصر تسديد 12.9 بليون دولار من الديون الخارجية وفوائدها إضافة إلى إعادة نحو 10 بلايين ودائع خليجية وليبية في 2018. * كاتبة متخصصة بالشؤون الاقتصادية

مشاركة :