يلقي الزعماء الأكراد في مسألة انفصال اقليمهم عن العراق باللائمة على شركائهم في العملية السياسية من الزعماء الشيعة الذين فشلوا في إقامة عراق جديد، يكون قادرا على احتواء مكوناته العرقية والطائفية بطريقة عادلة. وهي كلمة حق يٌراد بها باطل كما يُقال. فالزعماء الأكراد يريدون في الحقيقة أن يفصلوا عراقا يكون مناسبا لحجم أطماعهم في الإدارة المستقلة عما صار يُسمى في أدبياتهم بالعراق العربي وفي الوقت نفسه فإنهم يرغبون في استمرار ذلك العراق في تمويل مشروعهم القائم أصلا على الانفصال النهائي. كان واضحا ومنذ كتابة الدستور الجديد بعد الاحتلال الأميركي إصرار الأكراد على أن بقاءهم في عراق موحد هو أمر مؤقت تفرضه الظروف الإقليمية أكثر من أن يكون استجابة منطقية للقانون الذي يملي عليهم أن يكونوا جزءا من كيان جغرافي موجود ومعترف به دوليا. لقد وصل الامر بهم إلى الحديث عن احتلال عراقي، كما لو أن كردستان كانت موجودة دولة مستقلة قبل تأسيس دولة العراق بحدودها الجغرافية الحالية. وهو ما لا يستقيم تاريخيا. أولا لأن العراق كان موجودا قبل سايكس بيكو بآلاف السنين. وثانيا لأن الأكراد لم يسبق لهم أن أسسوا يوما ما كيانا سياسيا خاصا بهم ومستقلا من أي نوع وبأي حجم، حتى لو كان ذلك الكيان قرية صغيرة. لذلك فإن تعلقهم بفشل الزعماء الشيعة في بناء دولة حجة لانفصالهم هو في حقيقته عذر أقبح من ذنب. ذلك لأن حجم مساهمتهم في ذلك الفشل لا تقل عن حجم مساهمة الشيعة. لقد ادار الأكراد ظهورهم للعراق ولم يكن يهمهم سوى الحصول على حصتهم في الغنيمة. وهذا ما فعلته الأطراف الأخرى تماما. وهو ما يعني أن تقاسم الحصص هو القاسم المشترك الذي اجتمع حوله أفراد الطاقم السياسي الذي عينه المحتل الأميركي تحت شعار مسعى إقامة عراق جديد. لم يكن غريبا والحالة هذه أن الأكراد لم يطرحوا مشروعا وطنيا، يكون بديلا عن مشاريع الفتنة والاقتتال والنزاعات. بل كانت لديهم دائما تحالفاتهم العلنية والسرية مع الطرف الشيعي من أجل تصفية الطرف السني. كانوا حريصين على أن لا يقوم عراق عربي قوي ومتماسك، يكون في إمكانه الوقوف أمام رغبتهم القديمة في الانفصال. كان الانفصال عن العراق هو مشروعهم الوحيد الذي لم يكفوا عن طرحه باعتباره ضمانة لخلاصهم من تلك الفوضى التي صارت عنوانا للعراق الجديد. غير أن تلك الفوضى التي صنعتها السياسات الطائفية بما انطوت عليه من عزل وتهميش وتغييب وتمييز ما كان لها أن تتسع وتخرج عن نطاق السيطرة لولا أن الطرف الكردي كان قد باركها بوقوفه متفرجا لا لأن الأمر لم يكن يعنيه حسب، بل وأيضا سييسر له مسألة هروبه من عراق حوله العرب إلى جحيم تنتظر الكثير من الحطب. في كل أدبياتهم لا ترد جملة تقول "إن العراقيين فشلوا في إقامة دولة تجمعهم وتعبر عن آمالهم في المواطنة والحرية والعدالة الاجتماعية بسبب النزعة الطائفية التي تمكنت من زعائمهم". في تلك الجملة ما يدينهم، فهم كانوا دائما حاضرين وزراء ونوابا وقادة عسكريين ومفتشين ووكلاء وزارات في بغداد. الأنكى من ذلك أن منصب الرئيس في دولة العراق قد حسم لهم. وكما يبدو فإن ذلك المنصب قد حل مشكلة كردية حيث انفرد حزب البرزاني بالإقليم الكردي فيما صار ممثل حزب الطالباني رئيسا للعراق. يوم قامت الحرب الأهلية كان الرئيس كرديا وكذلك يوم تم تسليم الموصل لداعش. اما الضباط الكبار الذين سلموا الموصل فقد لجأوا في لحظة الذعر والخوف من الشعب العراقي إلى كردستان التي احتضنتهم. كل هذا الفشل الذي خاض فيه الأكراد لن يكون سببا مقنعا بالنسبة للولايات المتحدة أولا ولإيران وتركيا ثانيا لإقامة دولة كردية. ومن غير موافقة الولايات المتحدة لن ترى كردستان النور. يوم فرضت الولايات المتحدة منطقة لحظر الطيران العراقي عام 1991 لم يكن الهدف إنسانيا خالصا وهو ما فهمه الزعماء الأكراد يومها وتعاملوا معه بطريقة إيجابية. وقد لا يكون في نيتهم اليوم اغضاب الولايات المتحدة، غير أنهم يجربون فلربما غيرت الولايات المتحدة سياستها. المشكلة تكمن في أنهم يلعبون بعقول وعواطف الناس البسطاء، في الوقت يغلقون فيه الباب نهائيا في اتجاه ولادة دولة في عراق موحد. فاروق يوسف
مشاركة :