ينظم «النادي الرياضي للمكفوفين وضعاف البصر» في برلين جولة أسبوعية للمكفوفين تمنحهم الفرصة لركوب الدراجات، لكن ذلك يكون بمساعدة أحد المبصرين الذي يقوم بقيادة الدراجة. وحسب تقرير لوكالة «د.ب.أ» فيبدو أن تلك الجولة تتمتع بإقبال كبير.وفي بداية كل جولة تصطف عشر من الدراجات ذات المقعدين - بعد قياس ضغط الإطارات، وضبط ارتفاع المقعد، وفحص الفرامل، أمام مرآب في برلين انتظارا للانطلاق. يستخدم هذا النوع من الدراجات راكبان، أحدهما خلف الآخر.يجلس ديرك على المقعد الأمامي لإحدى هذه الدراجات، وفي المقعد الخلفي يجلس زميله يورجن. وربما لا يلاحظ الشخص العادي أن ديرك مبصر وأن يورجن كفيف، ما لم يكن هناك الرمز الخاص بـ«ذوي الإعاقة البصرية» على مؤخرة الدراجة، وهو عبارة عن دائرة صفراء مع ثلاث نقاط سوداء.ويشارك ديرك، وهو قائد الدراجة الذي يجلس في الأمام، في الرحلة، انطلاقا من حبه ركوب الدراجات والتعرف على الآخرين.ويقول ديرك، البالغ من العمر 54 عاما: «إن كون الشخص كفيفا، أو يعاني من ضعف في الإبصار، لا يهم بالنسبة لي». من ناحية أخرى، يخرج يورجن (61 عاما) من منزله بقدر ما يستطيع، ويقول: «إن ركوب الدراجات ذات المقعدين، هو الرياضة الوحيدة تقريبا التي يمكنني القيام بها».ويحب يورجن حقيقة أن هذه الدراجات لا يمكن ملاحظتها بشكل واضح، حيث يقول: «إننا لا نريد أن نخرج للإعلان عن حقيقة أننا مكفوفون».يمتلك يورجن دراجة ذات مقعدين خاصة به، يركبها مع شريكة حياته، والتي ذهب معها مؤخرا لركوب الدراجة في جزيرة يوزدوم ببحر البلطيق.وأثناء خروجهما لركوب الدراجة، يفهم كل من يورجن وديرك أحدهما الآخر من دون أن ينطق أي منهما بكلمة تقريبا. ويقوم الثنائي بقيادة الدراجة تحت أشعة الشمس والسماء الزرقاء، حيث يسيران في متنزه جرونفالد الكبير في جنوب غربي برلين، مرورا بالبحيرات وأكشاك بيع المرطبات.وفي بعض الأحيان، يتوقف المارة ويحدقون في قافلة الدراجات ذات المقعدين.وأحيانا، يصرخ أحد الأشخاص محذرا - «احترس - هناك عمود»، فينتبه الدراجون وينحرفون بعيدا عنه. وعندما يحتاجون إلى عبور الطريق، ينزل جميع الدراجين من فوق الدراجات ويقومون بدفعها، في الوقت الذي يتوقف فيه سائقو السيارات ويسمحون لهم بالمرور.وكانت منظمة الصحة العالمية قدّرت في عام 2014 عدد من يعانون من إعاقة بصرية بـ246 مليون شخص، إضافة إلى 39 مليون كفيف في جميع أنحاء العالم.وفي ألمانيا، لا يتم استخدام الدراجات ذات المقعدين للمكفوفين في برلين فقط، لكن أيضا في مدن أخرى مثل كولونيا وهامبورج وأوفنباخ ودارمشتات وشتندال.من ناحية أخرى، يقول راينر ديلجادو، وهو مسؤول في «النادي الرياضي للمكفوفين وضعاف البصر»: «لن يكون بالإمكان العمل في الصباح بالعمل على دراجة ذات مقعدين للمكفوفين... لكن ذلك يعطي الفرصة - بالفعل - للمكفوفين وضعاف البصر لقضاء وقت فراغهم بطريقة مختلفة. وعلى الطريق نحو بناء مجتمع شامل، فإن ذلك هو مشروع صغير، لكن بالنسبة للأفراد المعنيين، من الممكن أن يكون له قيمة كبيرة».ويترأس شتيفن كروشفيتز وصديقته ليان تاتشكوفسكي الآن نادي قيادة الدراجات ذات المقعدين للمكفوفين في برلين، الذي تأسس في عام 1996. ويشار إلى أن شتيفن يعاني من العمى في عينه اليسرى، كما أن نسبة القدرة على الإبصار المتبقية في عينه اليمنى لا تتجاوز 30 في المائة.ويقول شتيفن: «أحيانا انتبه لما يحيط بي بقدر أكبر من المبصرين».أما ليان (51 عاما) التي تستخدم عصا بيضاء للتنقل من مكان إلى آخر، فلا يمكنها التمييز، إلا بين النور والظلام. وتعني قيادة الدراجة ذات المقعدين بالنسبة لها الكثير. وفي إحدى المرات بعد تعرضها لحادث في العام الماضي، فكرت في التوقف عن قيادة الدراجات، لكنها قالت: «بعدما تغلبت على خوفي... عدت لركوب (الدراجات) مرة أخرى، ويعتبر يوم الخميس (الذي أقود فيه الدراجة) أفضل من أي يوم آخر من أيام الأسبوع».ويقدم النادي بضع قواعد لتجنب وقوع أخطاء أثناء ممارسة أنشطة قيادة الدراجات ذات المقعدين. ويعتبر استخدام الخوذة الواقية من الحوادث، أحد هذه القواعد. كما يتعين على راكبي الدراجات الحصول على بعض التوجيهات والإرشادات الأولية؛ وذلك لأن الدراجة ذات المقعدين أكثر حساسية من الدراجة العادية، وبخاصة عند تغيير السرعات.وليس كل مبصر قادرا على قيادة الدراجات، فإن الثقة والعمل الجماعي ضروريان. ويجب على قائد الدراجة ومن يرافقه التواصل كثيرا، في حال اضطرار لاستخدام المكابح أو التوقف، إذا ما كان هناك تل شديد الانحدار، أو إذا ظهر عائق مفاجئ.وبالنسبة للمبصرين، فمن الممكن أن يصعب تخيل فكرة عدم القدرة على الرؤية، فهؤلاء الذين يحاولون ركوب الدراجة مع غلق أعينهم لا يتمكنون من القيام بذلك لفترة طويلة.ويشكل هاينز وكريستين أيضا ثنائيا متعاونا بشكل جيد، حيث يقول هاينز عن مساعدته في قيادة الدراجة: «إنها محترفة».وتحب كريستين الإيقاع الأسرع. حيث تقول: «أستمتع بالسرعة، رغم احتمالات مواجهتك عثرات في بعض الأحيان، ثم تشق طريقك إلى أعلى الجبل مرة أخرى».«اليوم شعرت بضربات الحصى بالفعل. لقد كان الهواء محملا بالأتربة».ويصف يورجن، الذي يركب وراء ديرك، كيف يستقبل الأصوات والروائح والهواء.وقبل وقت قصير من نهاية الرحلة، يزيد الدراجون من سرعتهم مرة أخرى، حيث يسجل مقياس السرعة قراءة تزيد على 30 كيلومترا في الساعة.وبعد مرور ساعتين وقطع مسافة لنحو 30 كيلومترا، يعود الدراجون إلى نقطة البداية، وذلك بعد أن تنجح الدراجات ذات المقعدين في قطع الرحلة بإتقان، ثم يتم تخزينها بعيدا في المرآب الخاص بالنادي، استعدادا للقيام بالرحلة المقبلة.
مشاركة :