رغم وجود الكم الهائل من القاصين في المملكة وأيضا ضعف الجانب النقدي لما يصدر من إبداعات يمتلك القاص عبدالجليل الحافظ، من خلال التجريب القصصي خيالا واسعا وتفكيرا مختلفا في إيجاد نصوص غير متكررة أو متشابهة وكان ذلك واضحا من خلال مجموعته القصصية «عتمة» والتي تحكي عن إنسان يعيش بيننا أو كان يعيش بيننا أو لعله يعيش في دواخلنا. يقول القاص عبدالجليل الحافظ: الكتابة القصصية هي تلك المرآة التي ننظر من خلالها إلى دواخلنا ليس كأفراد، بل ككيان إنساني مجتمعي، فما يفرق بين القصة والشعر، أن الشعر كائن فردي أما القصة فهي كائن إنساني لا يعيش وحده، ولا يمكنه أن يستمر دون الوجود الإنساني الكلي، لهذا فالقصة هي مرآتنا التي نرى من خلالها أنفسنا داخل المجتمع أو نرى فيها المجتمع وفق الزوايا التي نرسم من خلالها حروفنا وكلماتنا، فلا شيء يستهوينا إلا ذلك البصيص من النور الذي تمنحه لنا الكتابة القصصية. ويؤكد أن القاص في كتابة القصة القصيرة والقصة، هو في واقعه شجرة مغروسة في مكان ما، لهذا فهو يمد ظلاله على المكان وكلما مد ظله وظل أغصانه أكثر كان المكان في نصه أكثر رحابة وأكثر وصفًا وأدق تعبيرًا، ولا أعني هنا مطلقًا طول الوصف وكثرة الحكي عن المكان، فنحن لا نحتاج إلى أن نسمي المكان لكي نعرفه ونحدده، ألفاظنا التي تنطق على ألسنة شخصيات القصة هي ابنة المكان ونابعة منه، حتى لو تشابهت البيئة واختلفت البقعة الجغرافية إلا أن الألفاظ ستحدد لنا مكاننا بدقة، فعلى سبيل المثال في بيئة زراعية كالأحساء حينما يتحدث المزارع الأحسائي عن (من التمر) فهو يتحدث عن وزن قرابة 260 كيلوغراما، ونظيره المزارع القطيفي حينما يذكر ذات العبارة (من التمر) فهو يتحدث عن وزن لا يتجاوز الـ(20) كيلوغراما.المكانة المستحقة كذلك حينما نتحدث عن البيئة الصحراوية ونريد أن نذكر (فطر الكمأة) ففي صحراء المملكة العربية السعودية سنقول (الفقع) أما في الصحراء الكبرى في ليبيا والجزائر فسنذكر لفظ (الترفاس) لهذا فإن المكان له أثره ليس فقط من ناحية وصفه بل حتى في الألفاظ التي تستخدم داخل النص والتي يتحاور بها الشخصيات داخل النص. وبالنسبة للكتابة القصصية يرى أننا ما زلنا مصرين نحن كتاب القصة على أن القصة لم تأخذ المكانة المستحقة لها في الساحة الثقافية مع العدد الكبير لكتاب القصة في المملكة فلو قمنا بعمليات إحصائية للمناشط المنبرية للأندية الأدبية وجمعيات الثقافة على مستوى المملكة بل وحتى على مستوى الصوالين الأهلية نجد أن نصيب القصة لا يتعدى أمسية أو أمسيتين في العام الواحد للمؤسسة الواحدة وهذه الأماسي تدور فقط حول يوم القصة العالمي بل إن بعض المؤسسات تبخل على القصة أن تعطيها جانبًا في هذا اليوم المخصص لها دوليًا. ويضيف عن مظلومية القصة في عالم النقد: للأسف الشديد من النادر جدًا أن نجد أحدًا من النقاد يعني نفسه لأجل دراسة نقدية محكمة لمجموعة قصصية بل وحتى كتابة مقال عابر عنها لكبار كتاب القصة وليس فقط للشباب حيث كل الجهود تنصب نحو الشعر أو الرواية.كتابة مخاضية وعن تجربته الإبداعية يقول: إنها تنصب نحو القصة القصيرة والقصيرة جدًا، وفي هذه أصبح مهتمًا بنوع وليد من القصة القصيرة جدًا وهي القصة المكونة من ست كلمات (ق 6 ك) وهو الآن كما يقول بصدد إصدار مجموعة صغيرة من هذا النوع تحتوي على 50 نصًا من القصة من 6 كلمات أخذت منه جهد ثلاث سنوات في كتابتها. حيث اعتبر أن الكتابة القصصية هي كتابة مخاضية صعبة ولا يمكن الاستسهال في كتابة القصة، وأن أبقى عشرين عامًا دون إصدار جديد خير من أن أصدر غثاءً كغثاء السيل يضر أكثر مما ينفع، وللأسف الشديد أن هذا الغثاء أصبح منتشرًا لدى كثير ممن يزعمون كتابة القصة القصيرة جدًا. ويربط الحافظ العلاقة الأبدية بين القاص والبيئة: القاص هو ابن بيئته ومكانه وابن الثقافة التي عاش وتربى عليها لا يستطيع أن ينسلخ منهما بل من السهل عليه الانسلاخ من لحمه وجلده أكثر من الانسلاخ من بيئته وثقافته، لهذا فإن أحد المكونات الثقافية لأي قاص هي حكايات الأرض التي ينتمي إليها، وحكايات الجدات أيام الزمن الجميل الذي عشناه والتي لن تتكرر، وللأسف إن حكايات الجدات انتهت في كثير من البيئات والمنازل بسبب قدوم جهاز اللعنة التلفاز. وينتقد الحافظ المشهد الثقافي ويقول: المشهد الثقافي للأسف في كثير من جوانبه يعيش على الشلليات والتي للأسف لم تخدم الأدب بل سهلت وصول أشخاص لا يملكون أي جوانب أدبية إلى حضور المؤتمرات وغير ذلك.
مشاركة :