تشويه العلمانية تعويذة الإسلاميين لضمان البقاء بقلم: حميد زناز

  • 8/18/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

العلمانية ليست تلحيدا للمجتمع كما يدعي الإخوان ولا هي إقصاء ولا معاداة للدين الإسلامي أو غيره بل بالعكس هي التي تضمن فردية الإيمان – أو عدم الإيمان- وحميميته.العرب حميد زناز [نُشر في 2017/08/18، العدد: 10726، ص(13)]علمانيو تونس ينتصرون على التشويهات التي لحقت بهم الجزائر - كانت العلمانية ومازالت في معظم البلدان العربية والإسلامية عرضة لتشويهات كثيرة، فنتازية تارة ومضحكة في أغلب الأحيان، فكتابات وخطب الإخوان تحرّف الأسس الفلسفية والسياسية للكلمة لتجعل منها ذلك الغول الذي يتربّص بالإسلام وبالمسلمين. فهم ينظرون إلى العلمانية على أنها غزو ثقافي ويضعونها دوما في خانة المتعارضات مع الإسلام ويكفّرون من نادى بها بل وأصبحت على ألسنة الإسلاميين شتيمة وكبيرة من الكبائر التي يلصقونها بخصومهم الديمقراطيين. وفي كتابه “الإسلام والعلمانية وجها لوجه”، لم يترك يوسف القرضاوي رذيلة إلا وألصقها بالعلمانية، وليس هذا فحسب بل راح يقوّل العلمانيين العرب ما لم يقولوه على الإطلاق وراح يختلق الأقوال اختلاقا، فيكتب في الصفحة 57 “انتهز بعض العلمانيين فرصة الترجمة الخاطئة لكلمة ‘العلمانية’، محاولين جعلها مرادفة لـ’العلمية’، وقالوا: إن العلمانية تعني استخدام العلم والعقل، موهمين بذلك – أو مصرّحين- بأن الإسلام ضد العقل والعلم!”، وهو كلام مختلق تماما لا نجد له أثرا في كتابات العلمانيين العرب والقرضاوي نفسه لم يذكر أين قرأ مثل هذا الكلام ومن قاله؟ ولا يكتفي بالافتراء بل يمر بسهولة إلى ممارسة مهنة التكفير، كاتبا بأن العلماني “الذي يرفض ‘مبدأ’ تحكيم الشريعة من الأساس ليس له من الإسلام إلا اسمه، وهو مرتد عن الإسلام بيقين، يجب أن يستتاب وتزاح عنه الشبهة وتقام عليه الحجة، وإلا حكم عليه القضاء بالردة وجُرّد من انتمائه إلى الإسلام أو سحبت منه ‘الجنسية الإسلامية’ وفُرق بينه وبين زوجته وولده، وجرت عليه أحكام المرتدين المارقين في الحياة وبعد الوفاة”. إنها دعوة صريحة للقتل راح ضحيتها الكثير من المثقفين والسياسيين العرب مشرقا ومغربا على رأسهم محمود محمد طه وفرج فودة وشكري بلعيد وغيرهم. أما زعيم النهضة التونسية راشد الغنوشي، الذي حاول أن يظهر في الأيام الأخيرة بوجه غير متطرف وبربطة عنق، فقد شيطن العلمانية خلال عقود، مرددا أنها نزعت القداسة عن كل شيء بتجريد كل نشاط اجتماعي أو خلقي من المقدس، بل طردت المقدس من الوجود. والعلمانية في رأيه ليس اختفاء الدين والأخلاق والحق والعدل والله بل اختفاء للإنسان أيضا. وبكلمة واحدة العلمانية هي فلسفة موت الإنسان بالنسبة إلى راشد الغنوشي. والسؤال كيف يمكن لرجل يدعي التقوى أن يحاول تشويه العلمانية عمدا؟ ونفس السؤال يمكن طرحه حول المفكر الإسلامي إسماعيل محمد حنفي الذي يعرّف العلمانية على أنها “إبعاد الدين عن الحياة أو فصل الدين عن الحياة أو إقامة الحياة على غير الدين سواء بالنسبة إلى الأمة أو الأفراد!” أما عيد بطاح الدويهيس، فنقرأ كتبه من عناوينها “عجز العقل العلماني” ومحمد شاكر الشريف يعنون كلامه المطول (كي لا أقول كتابا): “العلمانية وثمارها الخبيثة”. وهؤلاء كغيرهم من الإسلاميين لا ينتقدون العلمانية في كتاباتهم بل ينتقدون تعريفهم وتصورهم هم للعلمانية. وكتابات من هذا الطراز هي المسؤولة عن المغالطات التي ترسّخت في أذهان الإسلاميين والتي ترى في المطالبين بفصل الدين عن السياسة كفارا ومروجين لشرب الخمر وتشجيع البغاء وغيرها من التهم المضحكة، وكل ذلك من أجل الهروب من النقاش والمحاججة العقلية ومحاولة جر الحوار إلى مستنقع الشتم والسباب. لا يظهر على الشاشة مرة دون أن يردد بوق الإخوان وأمير قطر، فيصل القاسم عبارته المغرضة “البلدان العربية التي طبقت العلمانية”، وتلك أكبر أكذوبة يروجها الإخوان ويربطون حتى بين استبداد بعضها والعلمانية ولذلك يطالبون بتطبيق الشريعة وإقامة الدولة الدينية لإصلاح الأوضاع، متجاهلين أنهم بذلك سيخلقون مشاكل أخرى أخطر قد تنسف الدول العربية القائمة اليوم وتؤجج الصراع بين الأديان والطوائف والمذاهب وتفتح الأبواب واسعة لحروب أهلية طاحنة. العلمانية ليست تلحيدا للمجتمع كما يدعي الإخوان ولا هي إقصاء ولا معاداة للدين الإسلامي أو غيره بل بالعكس هي التي تضمن فردية الإيمان – أو عدم الإيمان- وحميميته. هي نمط تفكير سياسي واجتماعي متناسب مع شروط العصر الذي نعيش فيه. نظام العلمانية قادر على ضمان المواطنة المتكافئة والمساواة وحرية المعتقد وحقوق الإنسان وذلك لسبب بسيط، وهو ممارسة الدولة ومؤسساتها للحياد الإيجابي بوقوفها على نفس المسافة من كل العقائد والفلسفات والأعراق والطوائف دون أن تعادي واحدة منها. مَن مِن الإسلاميين يقبل اليوم أن تعود فرنسا العلمانية إلى الحكم الديني كما كان سائدا في القرون الوسطى، وتُلزم المسلمين الذين يعيشون على أراضيها باعتناق المسيحية؟ في النظام العلماني لا تفرض الدولة عقيدة على من يرفضها. فهل يقبل إخوان الغرب مثلا الذين يريدون العودة إلى الذمية وفرض الشريعة على أقباط مصر أن يتصرف معهم الغربيون بنفس الأسلوب؟ متى يشفى الإخوان من اللائكوفوبيا، رهاب العلمانية المزمن؟

مشاركة :