في حزيران (يونيو) الماضي انخفضت أسعار المنازل في سبع مناطق من أرقى أحياء العاصمة البريطانية لندن، ففي منطقة الحي المالي تراجعت أسعار الوحدات السكنية الفاخرة 2. 5 في المائة، تلتها منطقة «ويستمنستر» حيث ساعة جرينتش الشهيرة ومجلس العموم البريطاني، وكذلك منطقة "ماي فير" محل سكن عديد من أثرياء العالم، وقدرت نسبة الانخفاض بـ 2.4 في المائة. ورغم هذا، وخشية البعض من حدوث موجه عامة من التدهور في أسعار الوحدات السكنية في لندن؛ فإن هذا لم يحدث، بل على العكس تماما استعادت السوق عافيتها سريعا، وحملت أنباء جيدة لأصحاب العقارات الفاخرة بأن الأسعار ستقفز 4 في المائة العام المقبل، وستصل نسبة الزيادة إلى 6 في المائة في المنازل الفاخرة في الأحياء الراقية. ويشرح لـ «الاقتصادية» المدير العام لشركة "هارت" العقارية، لاسال جونسون، الوضع بالقول: "تدفق الاستثمارات الأجنبية في شكل شراء الأجانب وحدات سكنية أحدث فارقا في الوضع العقاري، فقطاعات واسعة من المستثمرين الروس والصينيين والخليجيين وتحديدا من السعودية والإمارات؛ ينتهزون فترة انخفاض أسعار الوحدات السكنية في الأحياء الفاخرة، ويشترون مساكن باهظة الثمن". وأشار أيضا إلى وجود أثرياء من دول "لم نعتَد أن نجدهم" يتملكون في لندن حاليا، ودخلوا الأسواق بقوة، من أبرزهم أثرياء من اليونان ونيجيريا وفرنسا. ويضيف: "أخيرا اشترى أحد الأثرياء العرب منزلا في منطقة نايتبريدج بسعر 11 مليون جنيه استرليني، لكن انخفاض الأسعار في حزيران (يونيو) الماضي أدى إلى تراجع السعر بنحو 750 ألف جنيه. هذه صفقة رابحة، لهذا على الحكومة تقديم تسهيلات للأثرياء الأجانب لشراء وحدات سكنية في لندن". استثمار عديد من أثرياء العالم لأموالهم، عبر شراء عقارات في لندن، كنوع من أنواع الاستثمار الآمن، خاصة في فترة الأزمة الاقتصادية التي اندلعت عام 2008م؛ لا يروق لبعض أصحاب الأنشطة التجارية في الأحياء الراقية. ويقول لـ «الاقتصادية» المتحدث الإعلامي باسم بلدية "كينسينجتون وتشيلسي"، سميث وايت: "تلقينا أخيرا شكاوى من أصحاب المحال التجارية في الحي من أن انتشار عمليات بيع الوحدات السكنية للأجانب يؤدي إلى خسائر اقتصادية لهم، فمعظم هذه الوحدات السكانية يشتريها أصحابها ولا يقيمون فيها، وبالطبع لا يتم تأجيرها، فملاكها يزورون لندن في فترات محددة من العام، وهو ما ينعكس سلبا على حجم النشاط التجاري في الحي، فإذا أخذنا في الاعتبار المبالغ الضخمة التي تدفع شهريا كإيجار لتلك المحال وتكلفة العاملين، فإنه يمكننا فهم شكوى أصحاب تلك المحال التجارية". الاعتراضات لا تقف عند حدود أصحاب المحال التجارية، بل أيضا لدى بعض المواطنين البريطانيين. ويقول الطبيب أحمد خان لـ «الاقتصادية»: "رغم أني أحقق دخلا مرتفعا إلا أني لم أفلح حتى الآن في شراء المنزل الذي أرغب في منطقة ماي فير، فالأسعار ترتفع بشكل سريع بسبب إقبال المستثمرين والأثرياء الأجانب على الشراء في تلك المنطقة". وهو اعتراض مماثل من الصحفي روجر آرثر، الذي أبدى لـ «الاقتصادية» امتعاضه مما سماه "الاستيلاء التدريجي على لندن من قبل الأجانب"، وقال: "الرأسمالية البريطانية التقليدية تنسحب الآن من لندن لتسكن المناطق الريفية، والرأسماليون البريطانيون الجدد من العاملين في قطاع الخدمات والاتصالات والتكنولوجيا وأصدقاؤهم من المستثمرين والأثرياء العرب والروس والصينيين والأفارقة يشترون أفخر المساكن في أرقى أحياء لندن، وهو ما يجعل الاستقطاب الطبقي بين الأغنياء والفقراء في لندن يتزايد، فالطبقة المتوسطة لم يعد في مقدرتها السكن في الأحياء الراقية لارتفاع الأسعار نتيجة الإقبال المتزايد للأجانب على شراء العقارات". المشترون الأجانب الذين اقتنوا أغلى الوحدات السكنية المعروضة للبيع في لندن مثلوا نسبة 38 في المائة من إجمالي الوحدات المبيعة في العام الماضي، وذلك مقابل 23 في المائة عام 2005م، وذلك وفقا للبيانات التي أعلنتها وكالة "رويترز" للأنباء، نقلا عن شركات عقار بريطانية، مؤكدة أن نصف هذه الوحدات المبيعة لأجانب أقام فيها أصحابها. وقد اشترى الأجانب نحو 65 في المائة من المنازل التي يتجاوز سعرها خمسة ملايين جنيه استرليني. في مواجهة اعتراضات البعض على شراء الأجانب وحدات سكنية في لندن، فإن شركات بيع وشراء العقارات لديها وجهة نظر مختلفة عن ذلك، تقول رئيسة قسم الرهن العقاري في شركة سافيلز، أيما لدينجتون: إن هذه الاعتراضات على المستثمرين الأجانب وشرائهم وحدات سكنية في لندن اعتراضات قاصرة". وأضافت في حديثها لـ «الاقتصادية»: "أولا مشترياتهم العقارية تمثل تدفقات مالية ضخمة للغاية للاقتصاد البريطاني الذي يعد في أمس الحاجة لهذه الأموال، وقدرت مشتريات الأجانب العقارية في بريطانيا العام الماضي بنحو ثلاثة مليارات جنيه استرليني، بينها 2.2 مليار استثمرت في شراء المنازل الفاخرة". وتابعت: "أغلب المشترين الأجانب من الأثرياء، ومن ثم لا يلجأون لطلب قرض عقاري من المصارف البريطانية، وبهذا لا يضعون ضغوطا مالية على المصارف، ويستطيع البنك تخصيص مزيد من الأموال للبريطانيين الراغبين في شراء منزل". وحول الاتهامات التي يوجهها أصحاب المحال التجارية في المناطق الفاخرة لعملية بيع منازل للأجانب، تضيف ايما: "في المتوسط يقضي هؤلاء الأثرياء ثلاثة أشهر في لندن سنويا، في هذه الأشهر الثلاثة يفوق متوسط إنفاقهم ما ينفقه المقيم في سنة، أضف إلى هذا أنهم لا يمثلون ضغوطا على البنية الأساسية للمنطقة التي يقيمون فيها بنفس معدل استهلاك الأشخاص المقيمين طوال العام". وفي ظل الضغوط التي يمارسها بعض أصحاب الأنشطة التجارية على أعضاء مجلس العموم، فإن بعض الأصوات البرلمانية في بريطانيا تتعالى حاليا لفرض مزيد من الضرائب على الأجانب الذين يقومون بشراء وحدات سكنية ولا يقيمون فيها، على أن تخصص تلك الضرائب لدعم الأنشطة التجارية في الأحياء والمناطق التي تنتشر فيها ظاهرة شراء الأجانب منازل. ويعترض الدكتور روبرت بلاك، المستشار السابق لوزير المالية البريطاني في حكومة رئيس الوزراء الأسبق جون مايجر على هذا الاقتراح، وقال لـ «الاقتصادية»: "هناك شكوى دائمة من قبل الأجانب الراغبين في الاستثمار أو الإقامة بأن معدلات الضرائب الراهنة مرتفعة، وزيادة معدلات الضرائب ستؤدي لنفور الأثرياء من المجيء أو الإقامة في لندن". وأضاف: "الآلية الأفضل لتصحيح الأوضاع هي ترك الأمر لآليات السوق لتصحيح أي خلال قد يحدث، فتدخل الدولة بمزيد من الإجراءات قد يترك مؤشرات سلبية تتجاوز حدود العقارات، وترسل رسائل للمستثمرين الأجانب أن لندن ستتخذ إجراءات متشددة تجاه الاستثمارات الأجنبية". وكان وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن قد رفع ضريبة الدمغة العقارية من 5 في المائة إلى 7 في المائة على المنازل التي تزيد أسعارها على مليوني استرليني، ما أدى إلى انخفاض الطلب المحلي على هذه الفئة من العقارات، لكن مشتريات المستثمرين الأجانب هي ما أدت إلى إيجاد حالة من التوازن النسبي في الطلب على هذه الفئة من المنازل. ويعرب اقتصاديون عن خشيتهم من أن يؤدي الارتفاع الراهن في سعر العملة البريطانية مقارنة بالدولار واليورو إلى تغير التوجهات الإيجابية الراهنة في الأسواق العقارية، وإيجاد قوة دفع سلبية تدفع بالمستثمرين العقاريين من الأجانب بعيدا عن الأسواق البريطانية. ويعلق لـ «الاقتصادية» المسؤول في شركة مورجان ستانلي للاستثمار، آدم فرانك، على الوضع المستقبلي قائلا: "إذا كان البعض يعترض حاليا على شراء الأجانب وحدات سكنية في بريطانيا، فإن عمليات الشراء ربما تتقلص مستقبلا إذا استمر الاسترليني في الارتفاع، وقامت الحكومة بعد الانتخابات العامة في 2015 برفع ضريبة الدمغة العقارية. إذا تزامن هذان العاملان فمن المؤكد أن معدل إقبال الأجانب على شراء العقارات في بريطانيا قد يتراجع". إلا أن المدير العام لشركة "هارت" العقارية، لاسال جونسون، قال لـ «الاقتصادية»: إنه وإن حدث هذا، فلن يؤثر كثيرا في إقبال الأجانب على الشراء في بريطانيا، وأضاف: "لندن جذابة للغاية للسكن والإقامة فيها، وإذا كان لدي رصيد في البنك يقدر بـ 200 مليون استرليني، وأرغب في شراء منزل في لندن بعشرة ملايين استرليني، ونتيجة لزيادة الضرائب وارتفاع سعر العملة البريطانية، فإن قيمة المنزل أصبحت 12 مليونا، بينما زوجتي وأبنائي يريدونه فسأشتريه بلا شك".
مشاركة :