أن تزهد في مالك فهذه سمة المؤمنين، أما أن تزهد في كل مالك وعلمك وخبرتك وتقضي حياتك في طاعة الله واهباً دنياك للفقراء والمحتاجين، فهذه قمة العطاء والخير والبر والإنسانية. قلة هم الدعاة الذين يزهدون في الحياة الدنيا، فلا تجذبهم أضواء الإعلام ولا تغريهم المكافآت المالية المجزية أو المتابَعات المليونية أو شهرة أو مكانة، عن إكمال مسيرتهم بتواضع وعزة نفس وأخلاق رفيعة. قصة عبد الرحمن السميط الإنسانية بدأت عندما كان طالباً في المرحلة الثانوية في الكويت. شدت انتباهه حالة العمال الفقراء وهم ينتظرون المواصلات في الحر الشديد، فجمع هو وأصدقاؤه بعض المال لشراء سيارة قديمة ليوصل هؤلاء العمال مجاناً رأفة بحالهم. هكذا كان الدكتور السميط - رحمه الله - إنساناً بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ نبيلة. كان يقرأ بشغف منذ صغره، هدفه كان نبيلاً وهو البحث عن الحقيقة. درس كل مراحل الطب، ووهب وقته وعلمه الغزير ونصف عمره لمساعدة أطفال إفريقيا. كان بإمكانه العمل والاستقرار في ليفربول أو مونتريال أو لندن، حيث العيش الرغد، ولكن شغفه بالدعوة ومساعدة الفقراء تغلب على بهرجة الحياة الدنيا، فجال في أدغال موزمبيق وكينيا وملاوي و40 دولة إفريقية أخرى، ينشر الإسلام ويقدم الأعمال الخيرية للمحتاجين بكل تقوى وسخاء. كان همه الأول مداواة المرضى، وتضميد جراح المنكوبين، ومواساة الفقراء والمحتاجين. أثناء حياته في إفريقيا، تعرض لمحاولات قتل عديدة من قبل الميليشيات المسلحة، وتعرض للسع البعوض وشح الماء وانقطاع الكهرباء. عندما كان يتفقد أحوال المرضى في مستشفى الصباح في الكويت، كان يسأل عن ظروفهم وأحوالهم الأسرية والاجتماعية والاقتصادية. لم يكن يتوانى عن الوقوف إلى جانب المعوزين وأصحاب الحاجة بعيداً عن كاميرات التصوير والأضواء. لم يسع لاستقطاب المغردين وملايين المتابعين من خلال الإثارة الإعلامية، بل استقطب المتطوعين لتدشين مشاريعه الإنسانية. كان بإمكانه الاستمتاع بالراحة والرفاهية في بلده الكويت، ولكنه أقام في إفريقيا مع زوجته في بيت متواضع في قرية صغيرة يمارسان الدعوة للإسلام والأعمال الخيرية بنفسيهما. قدما كل ما بوسعهما لمساعدة اليتامى، وإطعام الجائعين، وإغاثة المساكين. ما الذي دفعه للسفر والترحال والعيش الصعب في أدغال إفريقيا؟ كان يبني مشروعه الإنساني النبيل؛ نشر الدعوة وتوفير الطعام والدواء للفقراء والمحتاجين. يُحْكَى عنه أنه لم يطعم المسلم ويحرم الكافر بجانبه، بل جعلهما سواء لأنهما مشتركان في الإنسانية. كان زاهداً فى حياته، بشوشاً في حديثه، نبيلاً في لسانه، وراقياً في أسلوب خطابه. رحم الله الدكتور عبد الرحمن السميط وأسكنه فسيح جناته.
مشاركة :