بين عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء الدكتور زيد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن الشثري في بحث فقهي؛ أهم المسائل المتعلقة بزكاة التمر والعنب وما يماثلهما، وطرق إخراج الزكاة، والنصاب في كل منهما. وقال الشثري: "فرض الله زكاة الخارج من الأرض، وأهمها الزروع والثمار، وفي هذه الأيام يُخرِج أهل المزارع زكاة التمر، ويكثر السؤال عن أحكام زكاته، فرأيت مناسبة جمع ما يتعلق بهذه المسألة من أحكام، مشيراً إلى الكلام على زكاة العنب والتين؛ لأنهما يتفقان مع التمر في الوقت وفي بعض الأحكام. وأضاف أنه سيكون الحديث عن هذا الموضوع في المسائل الآتية: أولاً: بيان وجوب زكاة التمر والزبيب وغيرهما: قال الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ..." ﴿٢٦٧﴾ سورة البقرة. وهذا يشمل الزكاة المفروضة وصدقة التطوع. ويقول عز وجل "وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِۖ وَلَا تُسْرِفُواۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " (١٤١). سورة الأنعام. جاء عن أنس بن مالك، وابن عباس، أنهما قالا في قوله تعالى: "وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ": إنها الزكاة المفروضة. وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري، عن النبي ﷺ أنه قال: "ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة"، والمقصود بالصدقة: الزكاة، ودل الحديث على وجوب الزكاة في التمر إذا بلغ خمسة أوسق. ثانياً: نوع الثمر الذي تجب فيه الزكاة: تجب الزكاة في الحبوب والثمار بشرطين: 1- أن يكون مما يكال، ويحصل الكيل بالصاع ونحوه. 2- أن يكون مما يدخر، فلا تجب الزكاة في الفواكه التي يتسارع إليها الفساد. وهذا على الراجح من أقوال أهل العلم، وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. ثالثاً: زكاة الرطب والعنب والتين: الأصل إخراج زكاة التمر من التمر والزبيب من الزبيب؛ لما جاء في حديث عتاب بن أسيد، أن رسول الله، بعثه وأمره أن يخرص العنب كما يخرص النخل وأن يأخذ زكاة العنب زبيباً كما يأخذ زكاة النخل تمراً. أخرجه أبو داود والنسائي وحسنه الترمذي والألباني. وأما الرطب فالأصل إخراج زكاته تمراً ومثله العنب تُخرَج زكاته زبيباً، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وقيل: يجوز إخراج زكاة الرطب منه وزكاة العنب منه، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، خاصة إذا علمنا أن بعض التمور جرت العادة على أكلها قبل أن تكون تمراً وهو اللون، مثل البرحي، فتخرج زكاته منه ولا يجب إبقاء نصيب الزكاة حتى يكون تمراً. واختلف في التين، فقيل لا تجب فيه الزكاة؛ لأنه ليس مما يكال ويدخر، وهو رأي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وقيل: تجب فيه الزكاة؛ لأنه يجفف ويدخر، وهو رأي العلامة ابن عثيمين رحمه الله، وقد جرت العادة على تجفيفه وادخاره دون تسارع الفساد إليه. واختلف في زكاة العسل، والراجح أنه ليس فيه زكاة؛ لعدم ثبوت النص مع وروده، ولعدم تقدير نصاب زكاته، وإن زكى فهو أفضل كما قال الشيخان ابن وابن عثيمين رحمهما الله، وأما إذا اتخذ العسل للتجارة، فيجب عليه زكاته زكاةَ عروض التجارة. رابعاً: شرطا وجوب زكاة التمر وغيره: تجب زكاة التمر ونحوه بشرطين: 1- بلوغ النصاب: وهو خمسة أوسق، والوَسْق ستون صاعاً فالنصاب هو ثلاثمائة صاع، ولمعرفة النصاب بالصاع، يتم كيل بر جيد بالصاع ثم وزنه بالموازين الحديثة، ولذلك اختلف في تقدير الصاع بالموازين الحديثة، وأقرب ما قدر به هو أن الصاع يساوي "2035" جراماً، "كيلوين وخمسة وثلاثين جراماً"، "300×2035=610,5" كيلو، فمن ملك ستمائة وعشرة ونصف كيلو من التمر أو الزبيب ونحوهما، فيجب عليه أن يخرج زكاته. وإذا كان عنده نخل في بيته وعنده نخل في مزرعته أو في بيت له آخر فيجمعه معه لتكميل النصاب، ويخرج زكاتهما جميعاً، وإذا لم يكن عنده سوى النخل الذي في البيت، فإن بلغ نصاباً أخرج زكاته. ويَضُم أنواع التمر بعضها إلى بعض لتكميل النصاب، ولا يجمع التمرَ إلى الزبيب أو الأجناس المختلفة الأخرى بالاتفاق. 2- أن يكون النصاب مملوكاً له وقت الوجوب: ووقت الوجوب بالنسبة للتمر عند احمراره أو اصفراره، فإذا باع مالك النخل التمرَ بعد احمراره أو اصفراره، فإن الزكاة تجب على البائع وليس على المشتري، وتجب الزكاة حتى وإن كان مالك المزرعة أو مستأجرها مديناً؛ لأن الحق ثابت في الثمر، والله يقول: "وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ"، وإذا حصلت جائحة بعد ذلك للتمر وهو على رؤوس النخل، فلا يلزمه إخراج زكاته؛ لأن الحق إنما يثبت عند سلامته، أَمَا وقد أصابت ماله جائحةٌ ولم ينتفع به، فليس عليه زكاة. خامساً: مقدار الزكاة، له ثلاثة أحوال: الحال الأولى: أن يكون الاعتماد في السقي على الأمطار ومياه الأنهار، دون استعمال الآلات في ذلك، فيجب إخراج العشر من تمر ونحوه، وهو ما يعبر عنه الفقهاء بـ: "ما سقي بلا مُؤْنة". الحال الثانية: أن يكون الاعتماد في السقي على ما يخرج من مياه الآبار عن طريق الآلات والمعدات، فيجب إخراج نصف العشر، وهو ما يعبر عنه الفقهاء بـ: "ما سقي بمُؤْنة". ودليل هاتين الحالتين ما جاء في صحيح البخاري عن سالم بن عبداالله عن أبيه، عن النبي، قال: "فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَرِياً العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر". الحال الثالثة: أن يكون نصف السنة كالحالة الأولى ونصف السنة كالحالة الثانية "نصف السنة بمؤنة ونصفها بغير مؤنة"، فيجب إخراج ثلاثة أرباع العشر، قال ابن قدامة رحمه الله: لا نعلم فيه خلافاً. وقد يكون الاعتماد في غالب السنة على السقي بمؤنة لكن تأتي أمطار وسيول في أوقات متفرقة كأوقات الشتاء، فإن العبرة بغالب السنة، إلا لو قدر أنه بلغ ما يُسقى بمياه الأمطار خمسة أشهر مثلاً، فما قارب الشيء يعطى حكمه. سادساً: نوع التمر الذي تُخرَج منه الزكاة: لا يجوز أن يُخْرَج في الصدقة الرديء، كما قال الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ" ﴿٢٦٧﴾ سورة البقرة. والأصل إخراج الزكاة من كل صنف من التمور على حدة، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة، كما حكاه في الإنصاف، لكن هذا الأمر يشق على المزكي أحياناً، فيخرج من التمر المتوسط، فإذا كان عنده تمر طيب وتمر متوسط وتمر رديء، فيخرج من المتوسط، ولا يجوز أن يخرج من الرديء، ولو أخرج من الجيد، فهذا أفضل؛ اتباعاً للتوجيه الرباني في الآية السابقة. وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة، فلا بأس به، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله رجحها أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وفي الوقت الحاضر أصبح عمل بعض الناس على هذا الأمر، وقد يكون هو الأنسب للفقراء. سابعاً: طرق إخراج الزكاة: 1- أن يتم خرص التمر بعد بدو صلاحه على رؤوس النخل، ثم يحدد المزكي عدداً من النخلات للزكاة تساوي القدر الواجب. 2- أن يتم جذ التمر "الصرام"، ثم يقوم بكيل التمر وإخراج القدر الواجب. 3- أن يتم بيع التمر على رؤوس النخل بعد بدو صلاحه، ثم يخرج القدر الواجب من الثمن. 4- أن يقوم المالك أو المستأجر ببيع التمر بعد جذه "الصرام"، ثم يقوم بكيل التمر "وزنه" وإخراج القدر الواجب منه. وإذا قدرت لجنة الجباية الزكاةَ بناء على الخرص، ثم بعد جني الثمرة تبين أنه أكثر فيجب أن يخرج زكاة الزائد، وإذا تبين أنه أقل فلا يخرج إلا على قدر ما ثبت عنده.
مشاركة :