يعجبني أن أخرج قليلا على النص وأقول لكم إنّ كلّ رجل يغسل جواربه بيديه هو رجل طالق، لكن الأمر ليس بهذا اليقين، فأنا أقوم بهذا الفعل ومازلت مسجلا على ذمة الزواج.العرب علي السوداني [نُشر في 2017/08/19، العدد: 10727، ص(24)] وهذه واحدة من قنصات الليل الهادئ البديع، مجلبة الشجن والحزن الشفيف. إنها غرفة حارس المدرسة المضاءة. سأعترف بأنني في تناص لذيذ مع عنوانين قصصيين عتيقين، واحد لموسى كريدي وهو غرف نصف مضاءة والثاني لمحمد حياوي وغرفة مضاءة لفاطمة. موسى مات وحيّاوي أنتج السنة البائدة رواية خان الشابندر. تلك معلومة لا صلة بينها وبين ما أنا ذاهب إليه صوب غرفة الحارس، وقد أكون ذكرتها بباب الحشو المفيد، أو تحت ضغط انحراف المخيال وذكريات مقهى حسن عجمي ببغداد الحلوة التي شيّبت قلبي ورأسي وكبدي. في الواقع أنا لا أعرف شيئا كثيرا عن هذه الغرفة القريبة من قوة نظري، لكن بمقدوري رؤية بعضها من خلال الشباك المفتوح قليلا. سرير صغير يظهر سياجه الذي تتكئ عليه مخدة وردية، ومنضدة تنزرع فوقها علبة سكائر وزجاجة ماء وكتاب مقلوب على بطنه. الشباك مصنوع من حديد قام الحداد بخلق بعض الحركات الجميلة عليه وهي عبارة عن وردات ونجمات وقضبان ناتئة. ساعة ينطفئ قنديل الغرفة النازل من سقفها مثل جثة مشنوق، ستكون ومضات التلفزيون خيارا آخر لقوة التوقعات. أغلب الظن أن الحارس هو من صنف عتاة التنابلة، فهو لا يتحرك كثيرا وقد يحتاج إلى ست ساعات ليفتح غطاء زجاجة الماء ويحتسي منها حسوة بطيئة. قبل انطفاء الضوء كنت قد رأيت زوجا من جوارب سود ترفرف على قضيب الشباك، وهذه المشاهدة الرائعة قد دلتني على أن هذا المخلوق ليس من أهل المدينة التي فيها المدرسة العتيقة. يعجبني أن أخرج قليلا على النص وأقول لكم إنّ كلّ رجل يغسل جواربه بيديه هو رجل طالق، لكن الأمر ليس بهذا اليقين، فأنا أقوم بهذا الفعل ومازلت مسجلا على ذمة الزواج. عند هذا السطر الفائض من الكلام أظلمت الغرفة، مثل حانة صغيرة لفظت آخر زبائنها المفلسين، ومع هذه الطعنة الغادرة سيكون بمستطاعي مواصلة الكتابة عن هذا الرجل المسكين الذي أُنصتُ الآن لصوت سعاله المرير. ثمة بصقة خلف كل نوبة سعال، وبرأيي أن الحارس يقوم بتوزيع بصقاته اللزجة فوق أرض الغرفة، لأن معاش أخير الشهر قد لا يعينه على شراء مناديل ورقية، وأرجو أن لا يتوهم أحدكم ويفترض أنني قد كرهت الكائن المسالم بسبب هذا الفعل الجبان. صوت جديد عنوانه صرير باب ثقيل وتفسيره يعني أنه قد فتح باب الغرفة وذهب إلى المرحاض، وهذا فعل قد ينطوي على حماقة كبرى، إذ كان عليه أن يتبول قبل أن يسدل البطانية فوق جسمه الطويل. أنا أيضا سأنام. بي رغبة كاسرة للبكاء. علي السوداني
مشاركة :