الرمادي (العراق) - في عموم مناطق محافظة الأنبار غرب العراق لا سيما المناطق الريفية أو المجاورة للمدن الرئيسة شكلت العشائر قوة سميت بالحشد العشائري، أسندت إليها مهمة حماية مناطقها ومسك الأرض، بعد عمليات التحرير التي تنفذها القوات الأمنية الرسمية. ينضوي أكثر من 25 ألف مقاتل تحت لواء الحشد العشائري، عدد ليس بالقليل فهو قريب من عدد قوات الشرطة في عموم محافظة الأنبار، والذي يقترب من 28 ألف منتسب، هذا العدد لو وجد آلية مركزية تسعى إلى احتوائه وتأهيله وتدريبه لأصبح قوة لا يستهان بها، وسيمثل سندا قويا للقوات الأمنية من الجيش والشرطة. ويبدو أن الانقسامات التي يعيشها أفراد وقيادات الحشد العشائري أسهمت في تخلخل منظومته التي جعلت منه ضعيفا لا يقوى على المناورة خارج مناطق سيطرته، والتي أصبحت منطقة نفوذه، وسطوته، وربما أعلى مستويات طموحه. هذه الانقسامات أفرزت تشكيل الفصائل بحسب العشائر والمناطق، وحتى الأحزاب التي تدعم بعض الفصائل في بعض مناطق السيطرة، وربما مناطق القاعدة الجماهيرية التي يراد احتكارها لمصالح حزبية. قضاء حديثة المثال الأبرز على سيطرة القوات العشائرية المدعومة بشكل مباشر من قبل الحشد الشعبي، والتي أصبحت تحظى باهتمام خاص من قبل المراجع الدينية في النجف، وبهذا تكون هذه الفصائل مميزة عن غيرها، تارة لأنها مدعومة كليا، وتارة أخرى لأنها صمدت ولم تسمح لتنظيم الدولة الاسلامية بالسيطرة على مناطقها. في القضاء ذاته هنالك أكثر من فصيل عشائري، ينقسم بين عشائر "البونمر" وعشائر "الجغايفة" كبرى عشائر القضاء، وان كانت تتأثر بأجندات حزبية إلا أنها جميعها تخضع لقيادة مركزية عشائرية. قضاء هيت هو الآخر يمتلك عددا من الفصائل التي تشكلت بعد عام 2014 مهمتها مسك الأرض والحفاظ على ما تحقق من مكاسب أمنية، لا تتلقى أي دعم او تدريب يؤهلها الى امتلاك الخبرة الكافية للتصدي لأي هجمات يشنها داعش، لاسيما وان قضاء هيت يقع بين فكي كماشة داعش، التي مازال يسيطر عليها من الشمال جزيرة هيت ومن الجنوب الطرق الصحراوية الرابطة بين الرمادي والطريق الدولي الى الأردن وسوريا. في مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار يبدو المشهد واضحا، ويستطيع القاصي والداني ان يرى حجم الخلافات والانقسامات بين تلك الفصائل، منها من ينتمي الى أحزاب سياسية، وآخر ينتمي الى العشيرة والمنطقة، وغالبيتها تهدف الى حماية مناطقها والسيطرة على مشاريع الإعمار فيها، الأمر الذي جعل من هذه الفصائل وقياداتها تعيش حالة من الفوضى تشوبها شبهات فساد حسب بعض القيادات. عامرية الفلوجة التي تعد منطقة فاصلة بين محافظة الأنبار ومحافظات الفرات الأوسط (بابل وكربلاء) لها وضعها الخاص وان كانت كتائب حزب الله تسيطر على قصباتها ونواحيها الجنوبية، إلا انه سمح لعشائر "البوعيسى" بتشكيل قوات عشائرية أيضا، لها مهمة واحدة لا تتعداها. هذه القوة تمثل خط صد أولي بين مدينة الفلوجة التي كان يسيطر عليها داعش لأكثر من ثلاث سنوات، وبين مناطق تواجد قوات الحشد الشعبي جنوبي عامرية الفلوجة المكلفة بإيقاف تمدد داعش نحو العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية. الشيخ رافع عبد الكريم الفهداوي، القيادي في الحشد العشائري قال ان الإهمال والتمييز الذي يتعرض له الحشد العشائري في الانبار، ترك فجوة كبيرة لم يعد بمقدور الحكومة المحلية والمركزية السيطرة عليها في الوقت الحاضر. وأضاف "أصبح الفساد مستشرياً داخل منظومة الحشد العشائري، فهنالك نحو خمسين في المئة منهم فضائيون، بسبب غياب الرقابة على هذه التشكيلات، لاسيما أمراء الأفواج الذين تم تعيين معظمهم داخل هذه المنظومة دون الاكتراث إلى توجهاتهم وأفعالهم، التي كانت تطبل وتزمر لجماعات داعش في وقت ليس ببعيد". الفهداوي أشار الى أن مقاتلي العشائر في محافظة الانبار يختلفون كليا عن باقي الفصائل المسلحة في عموم العراق. ومازالت هذه المنظومة تعاني عدم الاعتراف بها كمؤسسة شبيهة بالحشد الشعبي، فهي لا تمتلك الامتيازات والحقوق والمخصصات المالية التي يتمتع بها الآخرون في الفصائل الشيعية، بل حتى القتلى والجرحى الذين سقطوا في معارك التحرير لم يتسلموا أي حقوق أو امتيازات. ويقول أيضا إن "القوات العشائرية وقوات الحشد الشعبي، كلها قوات رديفة يجب أن ينتهي دورها بانتهاء المؤثر الذي تأسست من اجله، إلا أن السطوة التي أكسبت قيادات هذه القوات صلاحيات ونفوذا، مكنتهم من التحكم بمقررات المناطق التي يسيطرون عليها، وجعلت منهم محدودي الصلاحية والتأهيل". وبهذا تصبح هذه القوات ماسكة للأرض وان كانت محدودة الصلاحية وتلعب دورا ثانويا، إلا انها تمثل إرادات سياسية وعشائرية وحزبية، تسعى جميعها الى مصالح شخصية تنهك المحافظة بشكل خاص والبلاد عموماً. اللواء طارق يوسف العسل قائد شرطة الانبار السابق واحد قياديي الحشد العشائري في مناطق جزيرة الرمادي، يقف هذه المرة إلى جانب السكان المحليين، ويشير إلى أن القوات الأمنية بكل صنوفها ومنها مقاتلو العشائر، باتت "تحمّل المحافظة وأهلها جميل التحرير". وقال العسل ان "عموم مدن الأنبار لاسيما تلك التي تسيطر عليها قوات الحشدين الشعبي والعشائري ستواجه كارثة لا تحمد عقباها، لاسيما وان الإجراءات الامنية المتبعة من قبل هذه القوات باتت تشكل عبئا على السكان المحليين، الذين عادوا الى ديارهم يحلمون بعيش امن ورغيد، بلا مهانة وذل". ويقول أيضاً إن "هذه القوات وان كانت متواجدة على ارض محافظة الأنبار، إلا أن غالبيتها لا تمتثل لأوامر القادة المحليين والميدانيين، وإنها تنفذ أجندات أحزاب وكيانات وتوجهات من خارج المحافظة، وهذا الأمر يعيدنا الى ما قبل سيطرة داعش، عندما سيطر على المحافظة وتحكم بمصيرها من هو لا ينتسب إليها، ولا يكترث لما قد يحدث للمحافظة نتيجة الإجراءات الصارمة غير المدروسة". إصرار غالبية المقاتلين على الانخراط ضمن تشكيلات الحشد العشائري وان كان نفيرا عاما للدفاع عن المحافظة، إلا انه يبدو محاولة لتصحيح مسارهم المهني الذي صادرته الحكومة المركزية عند استغنائها عن مقاتلي الصحوة أواخر عام 2010. للوهلة الأولى قد تبدو هذه النسخة مختلفة تماما، لاسيما وان المتطوعين قد تلقوا وعودا كثيرة بالتعيين والانخراط ضمن تشكيلات القوات الأمنية، بحجة تعويض النقص الذي حصل داخل المؤسسة الأمنية جراء عمليات التحرير، فضلا عن الأعداد الكبيرة ممن تركوا أماكنهم وفروا بعد سيطرة داعش. الضغوط الإقليمية والدولية التي تسعى الى حل هذه الفصائل، قد تكون الصخرة التي تتحطم عليها آمال عشرات الآلاف من المقاتلين في محافظة الأنبار الذين يحلمون بالاندماج ضمن المؤسسة العسكرية، لاسيما وأنهم أصبحوا أهدافا لـ"داعش" الذي طرد وهزم على أيديهم. (نقاش)
مشاركة :