فكّر جيّداً قبل أن تقفز

  • 8/19/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الجميل أنْ تتفاعل مع أحداث القصص والحكايات، والأجمل أن تنحت المعاني طلباً للفهم والاستحضار، فلطالما بقيت الكتب عاجزة عن أداء الواجبات الفكرية المنوطة بها، وهي تحاول في كلّ لحظة أن ترسل جيوش الألغاز إلى العقل البشري؛ حيث يتمكن الإنسان من فهم ما معنى الحرية والبقاء، وهذا بالذات ما دفع التفكير الإنساني إلى الإبداع بشكل لافت. عندما تلاحظ مسار التطوّر البشري فإنك ستدرك تلك الصلة الخفية بين الحياة وحياتها، هناك رابطة ما تختفي بين مطويات الأزمان، لكنها تتعاقب في الداخل الجريء لكافة متطلبات التفسيرات، هناك لغة تتناولها الأرواح وتستقبلها في كل حين كالوحي؛ حيث تبتلع الإنسانية أسباب فنائها بالشكل الذي يجعلها أكثر قداسة. كل ثانية من عمر الإنسان تختلف عن الأخرى، لها ما يميّزها وتحمل قدرة هائلة على التكيّف والانفجار، هناك في كل حين إمكانية للتغيير وأخرى للاختيار، هناك دائماً معطيات تتغيّر بشكل مستمر وأزلي تمنح الفرد الفرصة تلو الفرصة بشكل عجيب، ولكنها تحمل بذات الحدّة قابلية للتأثير على صنائع المدركات وحواس الملاقط الروحية بمستوى أعلى من الفناء، لعله النِّداء. وحدة الإنسان ليست إلاّ سخط متوهج، ينساب على أريكة الواقع وحصيرته بشكل ذكي، لكنه يرافق التمرّد وهو في أبهى صورة مرتجاة، إنّ الفرد الذي يعمل بإخلاص هو الفرد السائر على طريق السعادة، سعادة على الطريقة التراجيدية الحاسمة، ولكنها موجودة وقابلة للتوليف عند أول لحظة عبور من الروح إلى الروحانية؛ لم يكن جلال الدين الرومي سوى مقاتل في الأسطول السابع الأميركي بطريقة راقصة فنيّاً؛ حيث تطغى علامات السيمفونيات الطيّعة على المشهد كله؛ إذ إنّ الإنسان في نهاية الأمر ما هو سوى تلك العجينة التي تتحمّر جيّداً على لهيب الأيّام، بمذاق لذيذ للغاية. من غير الممكن أن يعبر الإنسان بمفرده من على جسر الوقت، التوقيت هو الجنديّ الخفي والعدوّ الأعنف للإنسان، كل توقيت يحمل من الحقد والغدر ما يمكّنه من تبوّؤ المرتبة الجليلة ضدّ البشرية، يحمل نوعاً الهستيريا التفكيرية بشكل يدعو إلى طرح الأسئلة طواعية، هناك ندوب يتركها التوقيت على وجه الإنسان، ومع ذلك يحتفل الفرد الإنساني بكل ندبة سنوياً بفرح غامر، هي لعبة الذئب الذي يطعم ضحيته حتى تكسب الوزن المناسب، ثم ينهال عليها بسهام موته؛ فما أحلى الموت على يد الذئاب، هو أكثر هيبة من غيره، موت وعواء، موت وصخب، موت بصوت الحياة. لقد آن الأوان للجلوس بين يدي هِرْمِسْ والإنصات له، ربما هذه المرة سيقول أمراً لافتاً، أمراً يستحقّ أن نجلس وننتظر كلماته، ربما هي عملية شدّ تتنازل أمامها كل الملكات عن تاجهن قرباناً لفكرة قد تجعل الحياة أكثر لذة ومتعةً، كل احتلال لهرمس هو احتلال للروح، فلا مقاومة أمام تراتيل أمواج الجهلاء العاتية. في تلك الظلمة التي تهيمن على أطراف الوجود يوجد ضرب من الصقيع، وبين كل متاهات القلب الجريح هناك الكثير من أسباب النسيان بشكل رهيب، إنّ اللغة الأنسب للبقاء لن تكون يوماً بمستوى إعلاء المشورة على طبق الإيمان بالروح، فالديانات على اختلافها خدمت الروح دون غيرها وجعلتها بمثابة اللؤلؤة الوحيدة في خضم التاج الأخير لآخر الملكات، لا يهمّ من يفوز بروح الأرواح، لكن الفرصة هي متاحة للجميع بتكافؤ مفاجئ، إنّنا أمام هذه المفارقة كل لحظة من أعمارنا، مفارقة أننا أحياء برداء الموت، أموات بروح حية، وعلى هذه الأحجار نبني بقية علاقاتنا وننسج كافة خيوطنا التي تجعل منا بشراً في مواجهة البشرية وتوحشها كعَدَم؛ كل ميّت هو حيّ، وكم من حيّ هو ميّت، الفارق الوحيد بين هذا وذاك هو: قدرة هذا على إبداع "الفكرة"، وقدرة ذاك على قتل كل جديد يولد من فكرة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :