هل أمريكا اللاتينية نموذج لاندماج الجالية العربية؟

  • 8/19/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

رؤساء، فنانون مشهورون ورجال أعمال. أمريكا اللاتينية فخورة بشخصياتها البارزة التي تنحدر من عائلات عربية هاجرت إليها من الشرق الأوسط، لدرجة أنها صارت تتباهى بسياستها الاندماجية، إلا أن الحقيقة أكثر تعقيدا. ما هو القاسم المشترك بين نائب الرئيس الفنزويلي طارق العيسمي، والمدعي العام الجديد طارق ويليام صعب ورئيس البرازيل ميشال تامر؟ للإيضاح: سلمى حايك، المغنية شاكيرا والملياردير المكسيكي كارلوس سليم يقتسمون معهم هذا الرابط كذلك. الجواب: جميعهم ولدوا في أمريكا اللاتينية، لكنهم ينحدرون كلهم من عائلات عربية مهاجرة جاءت للمنطقة، ليس بمحض الصدفة. ففي دول أمريكا اللاتينية، أسماء العائلات السورية واللبنانية والفلسطينية، كانت دوما جزءا من النخبة، سواء كانت السياسية أو الاقتصادية أو الفنية. نجاح تفخر به هذه المنطقة من العالم وتحاول إظهاره كنموذج يحتذى به لدمج المهاجرين، ولكن الحقيقة أشد تعقيدا من ذلك. هذه الظاهرة ليست بالجديدة، فالرئيس الكولومبي السابق خوليو سيزار طربيه (1978-1982) كان ابن مهاجر لبناني، وكارلوس منعم الذي حكم الأرجنتين من عام 1989 حتى 1999 ينحدر من عائلة سورية. فيما عرفت الإكوادور الرئيسين عبد الله بوكرم (1996-1997) وجميل ماهود (1998-2000). وفي هندوراس هناك كارلوس فلوريس فاكوسة (1998-2002) وفي سلفادور توني ساكا (2004-2009). أبناء مهاجرين عرب تولوا رئاسة دول في أمريكا اللاتينية خوليو سيزار تورباي كان أول رئيس في أمريكا اللاتينية من أصول لبنانية، تولى رئاسة كولومبيا من 1978 إلى 1982. © دانييل براديللا هولغين، ويكيميديا كومونز كارلوس روبيرتو فلوريس فاكوسة، ابن لوالدة فلسطينية، تولى رئاسة هندوراس بين عامي 1998 و2002. © أ ف ب كارلوس منعم ابن لعائلة سورية هاجرت إلى الأرجنتين التي تولى رئاستها لعشر سنوات من 1989 حتى 1999. © أ ف ب عبد الله بوكرم حفيد لمهاجر لبناني وصل إلى أمريكا اللاتينية عام 1920، تولى رئاسة الإكوادور من عام 1996 حتى 1997. © أ ف ب جميل ماهود ابن لمهاجر لبناني ومهاجرة ألمانية، تولى رئاسة إكوادور من 1998 إلى 2000. © أ ف ب توني ساكا تولى رئاسة السلفادور بين عامي 2004 و2009، وينحدر من عائلة فلسطينية وصلت إلى العالم الجديد في الفرن التاسع عشر. © أ ف ب ميشال تامر هو آخر ذوي الأصول العربية الذين تولوا رئاسة إحدى دول أمريكا اللاتينية حتى هذا التاريخ. ابن مهاجر لبناني تولى رئاسة البرازيل عام 2016. © أ ف ب هجرة كبرى في القرنين التاسع عشر والعشرين جميع الشخصيات التي سبق ذكرها هم ورثة تاريخ مشترك في هذه المنطقة. سجل وصول أول موجة كبرى من المهاجرين العرب إلى أمريكا اللاتينية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. تيريزا ألفارو-فيلكامب، الأستاذة في جامعة سونوما في كاليفورنيا والمختصة في المهاجرين العرب إلى أمريكا اللاتينية توضح أن القسم الأكبر من هؤلاء كانوا راغبين في ترك السلطنة العثمانية، التي كانت تعتبر مضطهدة للمسيحيين، وقد أتى معظمهم من بلاد الشام (سوريا ولبنان). "وصلت موجة أخرى من المهاجرين مع نهاية الحرب العالمية الأولى. عقب حصار الحلفاء لمنطقة الهلال الخصيب، مات الناس جوعا ما دفعهم للبحث عن فرصة في الخارج" كما توضح ألفارو-فيلكامب. في أحد كتبها عن المهاجرين العرب في المكسيك، تقتبس ألفارو كامبو قصة منسوبة إلى المؤرخ الأمريكي أكرم فؤاد خاطر: "معظم هؤلاء الذين كانوا يركبون البواخر من بيروت لم يكونوا يعرفون سوى أنهم ذاهبون إلى أمريكا. ليس واضحا ما إذا كانوا يعرفون الفرق بين الولايات المتحدة والمكسيك والبرازيل. كان أملهم الوحيد هو ’الذهاب إلى أمريكا‘ لجمع ثروة والعود إلى ديارهم". هل أمريكا اللاتينية نموذج لاندماج المهاجرين؟ في إشارة لنجاح المنحدرين من هؤلاء المهاجرين، أعلن المدير العام السابق لليونسكو فيديريكو مايور زاراغوزا عام 1997 أن "المجتمعات العربية الأصل في أمريكا اللاتينية تشكل مثالا للاندماج المجتمعي". ولكن الباحث في مقعد اليونسكو للفلسفة من أجل السلام في جامعة خاوم في إسبانيا سعيد باهاجين تساءل حول كون هذه الحالة تمثل نموذجا للاندماج، واعتبر أنها تمثل "نموذجا للضيافة". "هذا النموذج لحسن الضيافة سمح للمهاجرين بأن يشعروا بكونهم مواطنين دون إجبارهم على تغيير طريقة عيشهم وتبني طريقة الحياة المحلية" كما يوضح باهاجين، "طريقة الاستيعاب في فرنسا أو المملكة المتحدة تجبر الواصل على تعلم اللغة مباشرة، بهدف دمجهم في الثقافة وأسلوب الحياة المحليين. النموذج الأمريكي اللاتيني لم يبحث عن دمج المهاجرين العرب مهما كان الثمن، بل سمح لكل واحد منهم بتبني نمط حياة المجتمع المحلي وفق إيقاعه الخاص". وفي النهاية تشير تيريزا ألفارو-فيلكامب إلى نقطة تفسر نجاح عملية الاندماج: "ينبغي على المهاجر امتلاك مبلغ بسيط من المال ليستطيع السفر. وإن لم يكن المهاجرون أثرياء، فهم ينتمون إلى الطبقة الوسطى في بلادهم وبالتالي فهم يملكون بعض مفاتيح النجاح". وبحسب هذه الباحثة الجامعية فإن معظم المهاجرين امتهنوا التجارة، وهو ما تؤكده السجلات المكسيكية التي تبين أن 45% من المهاجرين العرب هم تجار. كارلوس منعم أطلق عليه خصومه لقب "إل توركو" وهي تسمية مهينة بمعنى التركي. © أ ف ب المهاجرون لم ينجوا من الصور النمطية يحذر سعيد باهاجين من تفخيم النموذج الأمريكي اللاتيني: "لا يوجد ما هو كامل في تاريخ الهجرة. بعض المهاجرين تعرضوا للنهب عند نزولهم من المراكب، وآخرون تعرضوا للملاحقة القضائية وأعيدوا إلى بلادهم. قصة البروفسور غانم ياسين تشكل مثالا على هذه الخيبات: لدى وصوله إلى بوينس آيرس منعته الشرطة من النزول، وتم إرساله إلى القارة العجوز. ويدين الأكاديمي بنجاته إلى تمكنه من الهرب والنزول من السفينة في البرازيل. أحيانا يكون مصدر القمع هو الحكومة نفسها: "عام 1927، أصدرت الحكومة المكسيكية قانونا ضد العرب لمنعهم من مزاولة الأنشطة التجارية. وفي الثلاثينيات أراد الرئيس البرازيلي فارغاس تخفيض تدفق المهاجرين العرب" كما تشرح تيريزا ألفارو-فيلكامب. "تشيلي قامت باختيار المهاجرين مفضلة الأوروبيين، وخصوصا الألمان" يتابع سعيد باهاجين. وبسبب جهل السكان المحليين أطلق على القادمين الجدد اسم "توركوس" وهو تعبير مهين بمعنى أتراك، رغم كونهم ينتمون لمجموعة عرقية مختلفة. هذه الكلمة انتشرت على ألسن التجار المحليين الخائفين من منافسة القادمين الجدد الذين أدخلوا نظام البيع بالتقسيط في أعمالهم. وهكذا انتشرت الصورة النمطية للتاجر العربي المتمرس في شؤون التجارة في تقليد يعود إلى أجداده الفينيقيين. آخرون ألصقوا بالقادمين الجدد صفات تتعلق بشهوانية نسائهم و"رقصة البطن" المشهورة. ومن هذه الزاوية تمكنت الجالية السورية-اللبنانية في المكسيك من تجاوز وصمة العار وتحويلها إلى مصدر فخر. واحتلت هذه الراقصات مركز الصدارة في احتفالات مولتها النخبة الاقتصادية لهذه الجالية. الدين، عائق أمام الاندماج؟ ويبقى موضوع الدين. "غالبية المهاجرين العرب كانوا من الطوائف المسيحية، ما ساعدهم على الاندماج في المجتمعات الجديدة. ولكن كان بينهم أيضا يهود ومسلمون" كما يوضح سعيد باهاجاني. حسب صحيفة اللوموند دبلوماتيك تخلى كثيرون من المسلمين عن دينهم وتحولوا إلى الكاثوليكية. ومن أبرز من اختاروا هذا الرئيس الأرجنتيني السابق كارلوس منعم الذي انتخب عام 1989 وتحول إلى الكاثوليكية، الديانة الرسمية للبلاد. "لا توجد تقديرات دقيقة لعدد المسلمين الذين وصلوا إلى أمريكا اللاتينية في هذه المرحلة" على حد قول تيريزا ألفارو-فيلكامب. "لم يكن المسلمون يملكون الحق في مغادرة أراضي الإمبراطورية العثمانية، لذا كذب كثيرون منهم بشأن ديانتهم ليتمكنوا من السفر". يرجع اهتمام الباحثة بهذه القضية بسبب تاريخ المسلمين في أمريكا اللاتينية وبسبب تاريخ عائلتها، فجد أبيها غادر منطقة بلاد الشام مدعيا أنه مسيحي. وبعد وصوله إلى المكسيك تزوج بسيدة مكسيكية وتربى أبناؤه في وسط كاثوليكي. وهي قصة تعبر عما قام به كثير من الواصلين العرب حسب المؤرخة، وهو ما أدى إلى عدم دقة السجلات. ورغم عدم وجود كثير من الأدلة على وجودهم، قرر عدد من المسلمين الحفاظ على ديانتهم: "كانوا يؤدون الصلوات في منازلهم مع مهاجرين آخرين" تقول ألفارو-فيلكامب، "كما قاموا ببناء مساجد. أول مسجد تم بناؤه عام 1989 في منطقة توريون في شمال البلاد، وجد أبي ساهم في بنائه". مسجد سورييا، هو أول مسجد في المكسيك، بني عام 1989، في منطقة توريون شمال البلاد. © الكبرى ديزاينز، ويكيميديا كومونز وبحسب الخبيرين فإن الأديان كانت إجمالا متعايشة مع بعضها بانسجام. ولكن أمريكا اللاتينية حاليا لم تنج من تنامي الإسلاموفوبيا عقب أحداث 11أيلول/سبتمبر وعدة اعتداءات أخرى نفذت باسم الإسلام تبناها تنظيم "الدولة الإسلامية". إنكار الاندماج صعود ميشال تامر إلى رئاسة الجمهورية في البرازيل، والنجاح العالمي لشاكيرا يؤكدان على تطور الدور الاجتماعي لهذه الفئة. وقطب الاتصالات المكسيكي كارلوس سليم هو ممثل لهذه النخبة الاجتماعية الاقتصادية لأبناء المهاجرين. يقدم أغنى رجل في أمريكا اللاتينية نفسه على موقعة الرسمي وفي معظم مقابلاته بهويته المزدوجة مكسيكي-لبناني. وهو أيضا على قناعة بأنه ورث براعته في عالم الأعمال من والده. ولكن مقابل كارلوس سليم واحد "كم من عائلات المهاجرين تعرضت للتمييز وعانت حياة صعبة؟" تتساءل تيريزا ألفارو-فيلكامب. "معظم المهاجرين ’العاديين‘ قاموا بكل ما يستطيعونه للاندماج، بما في ذلك محو أصولهم بهدف الاندماج". رغم هذا التناقض، تستمر أمريكا اللاتينية بالإيمان بنموذجها. منذ عام 2015 أعلنت كل من البرازيل وفنزويلا والأوروغواي والأرجنتين وتشيلي أنها مستعدة لإيواء من يهربون من مناطق الصراع. رومان ويكس نشرت في : 19/08/2017

مشاركة :