ثورة قطاع السيارات الكهربائية - اقتصاد

  • 8/20/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تقترب صناعة السيارات التي تعتمد على الوقود من نهايتها، وذلك مثلها مثل أي قطاع آخر يقوم على صناعة السلع القديمة جداً التي ينقصها الابتكار، ويعوزها الخيال، وتسبب التلوث وتلحق الضرر بالبيئة. وأصبح هذا القطاع فعلاً سلعة ولا يمكنه البقاء إلا اعتماداً على العرض والطلب، إذ قضت الطاقة النظيفة والصديقة للبيئة على مدى العقود الماضية على قطاع المناجم وإنتاج الفحم، وهو الأمر المشابه لما شهده قطاع إنتاج الهواتف حيث قضت الهواتف الذكية في السنوات الأخيرة على الهواتف المحمولة القديمة والمملة، وها هي الآن تعمل على إنهاء قطاع صناعة الكاميرات. وإننا في الوقت الحاضر نحن نشهد ثورة جديدة في قطاع صناعة السيارات، تتمثل في ظهور السيارات الكهربائية الذكية. ومما لا شكّ فيه أن السيارات الكهربائية الذكية ذات التكنولوجيات العالية، ستتفوق على السيارات التي تعمل بالوقود في غضون عقدين من الزمن، وسيلاقي قطاع صناعة هذه السيارات نفس المصير الذي لاقته الهواتف المحمولة القديمة. ويعود السبب في ذلك إلى تراجع تكلفة وسعر البطاريات، مما سيقلب قطاع صناعة السيارات العالمية رأساً على عقب، وينبئ بصعوبات واضطرابات اقتصادية بالنسبة لمنتجي السيارات التقليدية وسلسلة التوريد وربما الدول المصدرة للنفط أيضاً. وتشير أحدث التوقعات وأكثرها موثوقية إلى أن اعتماد المركبات الصديقة للبيئة، التي لا تتسبب بانبعاث الغازات السامة سيحدث بسرعة أكبر مما كان متوقعاً في السابق، لأن تكلفة صناعة السيارات الكهربائية آخذة في التراجع بسرعة. إن هذا التحول الدراماتيكي سيؤدي إلى نجاح قطاع السيارات ذات المكونات الكهربائية، في الاستحواذ على ما يعادل ثلث الأسطول العالمي من السيارات بحلول عام 2040، وهو ما يعادل أكثر من 58 في المئة من جميع السيارات على كوكب الأرض، كما سيؤدي ذلك إلى التخلي عن 13 مليون برميل يومياً من إنتاج النفط. أما من وجهة نظرية اقتصادية بحتة، فإنه في الوقت الذي تتراجع فيه أسعار بطاريات الليثيوم بشكل سريع جداً، وهي الأسعار التي ستستمر بالانخفاض بشكل متسارع، فإن تكلفة إنتاج السيارات الكهربائية ذات الكفاءة العالية ستستمر بالتراجع أيضاً، على أن يبدأ معدل الطلب بالارتفاع وفقاً لذلك. وشهد قطاع صناعة بطاريات الليثيوم زيادة كبيرة في مستوى الاستثمارات، كما ارتفعت كذلك قدرات التصنيع في الشركات بما في ذلك شركة «Tesla» وشركة «Nissan Motor». ويدعم ارتفاع مستوى الطلب الاستهلاكي بدءاً من الصين ووصولاً إلى أوروبا، التوقعات والتقديرات التي تشير إلى أن أسعار السيارات الكهربائية ستكون بحلول عام 2025 رخيصة مثل السيارات التي تعمل حالياً بالبنزين، الأمر الذي سيرفع الأسطول العالمي إلى 530 مليون سيارة بحلول عام 2040، وهو ما يعادل 58 في المئة من السيارات الموجودة في العالم. وتصل قدرة المصانع المتخصصة في إنتاج بطاريات الليثيوم في المرحلة الحالية، إلى تصنيع نحو 90 غيغاواط ساعة من البطاريات التي تستخدمها المركبات الكهربائية، ومن المتوقع أن ترتفع هذه الطاقة الإنتاجية إلى 270 غيغاوات ساعة بحلول عام 2021. ولكن من ناحية أخرى فإن البنية التحتية التي توفر خدمات الشحن للبطاريات، ستستمر في تشكيل تحدٍّ خاصة مع وصول معدل نموها، إلى مستويات ستشهد ركوداً في الأسواق الرئيسية مثل الصين والولايات المتحدة وأوروبا. ولقد كان الانخفاض الحاد في تكلفة إنتاج بطاريات الليثيوم، أحد الأسباب التي أدت إلى الارتفاع المفاجئ على صعيدي إنتاج السيارات الكهربائية والطلب عليها. وتراجعت تكلفة الإنتاج بنسبة 70 في المئة منذ وصولها إلى الذروة في عام 2010، كما ستلعب المنافسة الشديدة من جهة والابتكار من جانب آخر بين مصنعي البطاريات، دوراً في خفض أكبر وأسرع في متوسط الأسعار على مدى العقدين المقبلين. وهناك عنصر واضح من الديناميكيات التنافسية، التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة المعروض من بطاريات الليثيوم في السوق، الأمر الذي من شأنه خفض الأسعار. ومما لا شكّ فيه أنه سيكون هناك فائزون وخاسرون، بمجرد ارتفاع وتيرة التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية، ووصولها إلى مستويات عالية جداً، إذ إن ذلك سيؤدي إلى هزة حقيقية وجوهرية في قطاع صناعة السيارات، كما سيواجه معظم مصنعي قطع غيار السيارات مثل البطاريات التقليدية، وقوابص الإشعال، وناقل الحركة، ومضخات الوقود، ومصنعي الإطارات ومنتجي النفط الرئيسيين مشاكل واضطرابات كبيرة. وفي الوقت الذي قد يعاني فيه الموردون التقليديون للسيارات، من مشاكل نتيجة النمو في قطاع صناعة السيارات الكهربائية، فإن بعض الجهات المنتجة للسلع الصناعية مثل الغرافيت والنيكل والألومنيوم والكوبال والمنغنيز وبالتأكيد الليثيوم ستحقق أرباحاً كبيرة. وستكون اقتصادات الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية والصين وأوروبا، الرائدة في دفع الطلب على السيارات الكهربائية في العقود المقبلة، وستجني الشركات والحكومات التي كانت الأكثر تقدماً في تقديم الدعم وتطوير محطات الشحن، ثمار تطورها في وقت أقرب بالمقارنة مع الاقتصادات الأخرى. إن السيارات الكهربائية هي بشكل أساسي أرخص بكثير، من السيارات التي تعمل بالبنزين أو الغاز لأنها أبسط وأخف وصيانتها أسهل وأسرع وأقل تكلفة. وقد لا يختلف شكل السيارة الكهربائية في المستقبل بشكل كبير عن السيارات التقليدية المنتشرة حالياً، ولكن المواد الجديدة والتكنولوجيات الحديثة والمتقدمة التي يتم استخدامها في صناعتها، أو التي يتم وضعها تحت تصرف المستخدمين هي متقدمة جداً، وجديدة تماماً ومختلفة. إن هذه المكوّنات الجديدة ستحدث ثورة في سوق المعادن والتكنولوجيات المستخدمة في هذه الصناعة، وستفتح مجالاً جديداً للشركات الناشطة في مجال السلع والتكنولوجيات الحديثة والمستثمرين. إن هذا التطور سيشكل نقطة انعطاف للطلب الذي يمكن أن يحقق ثروة كبيرة للموردين والمستثمرين، ولتسهيل فهم الصورة، ما عليك إلا التخيل أنك قد استثمرت في شركة «General Motors» أو «Ford» قبل 100 عام. وتجاوز عدد السيارات الكهربائية والهجينة المنتشرة على الطرقات في جميع أنحاء العالم، 1.3 مليون سيارة في العام الماضي وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، بالمقارنة مع 14 ألفاً عام 2010 و4 ملايين سيارة بحلول عام 2019، ومن الواضح تماماً أن الطلب على السيارات الكهربائية ينمو بشكل كبير. أما بالنسبة للمستثمرين الراغبين بالاستفادة بأقصى حد من هذا النمو المرتفع والواعد، فإن عليهم أولاً الوصول إلى إلمام جيد بتفاصيل صناعة السيارات الكهربائية. ولعل الأبرز والأكثر وضوحاً هو بطاريات الليثيوم، إذ إن الليثيوم باعتباره سلعة طبيعية، سيصبح في نهاية المطاف من السلع الأساسية وسيتراجع سعره باستمرار مع مرور الوقت، بما يتماشى مع زيادة المعروض. إن التكنولوجيا هي أساس السيارات الكهربائية، بحيث تتميز بكثرة البرامج التي تعتمد على التقنيات الحديثة والمتقدمة مثل أجهزة الاستشعار، ونظام تحديد المواقع، والموصلات، والهوائيات ورقائق التكنولوجيا العالية. إن شركات التكنولوجيا المتقدمة التي توفر هذه المكونات، هي في الغالب تتواجد في أوروبا والولايات المتحدة واليابان، وبعضها مدرج في أسواق الأسهم وبعضها مملوك من أفراد، وهذا القطاع هو حالياً مجزأ وعلى الأرجح سيكون هناك توحيد في هذه الصناعة مستقبلاً. إن هذه ليست بمهمة سهلة بالنسبة للمستثمرين بل هي مهمة صعبة ومعقدة، ولكن نقطة الانطلاق تتمثل في ضرورة قيام المستثمرين في قطاع صناعة السيارات الكهربائية بدراسة هذا القطاع بعناية فائقة، وفهم السيارة الكهربائية في المستقبل بشكل كامل، ومعرفة مكوناتها وكيف تعمل، والإلمام بكافة التفاصيل التي تتعلق بها، ومن ثم تحديد الشركات التي هي في وضعية الاستعداد لتوفير المواد والتكنولوجيات لشركات صناعة السيارات الكهربائية، ومما لا شك فيه أنها مهمة صعبة ولكنها ستؤتي ثمارها التي تستحق العناء على المدى الطويل. * رئيس إدارة المحافظ والصناديق في شركة رساميل للاستثمار

مشاركة :